825

ويبلغ الجانب الاجتماعي من العبادة القِمّةَ في ما تطرحه العبادة من شعارات تشكّل على المسرح الاجتماعي رمزاً روحياً لوحدة الاُمّة وشعورها بأصالتها وتميّزها. فالقبلة أو بيت الله الحرام شعار طرحته الشريعة من خلال ما شرّعت من عبادة وصلاة، ولم يأخذ هذا الشعار بعداً دينياً فحسب، بل كان له أيضاً بعده الاجتماعي بوصفه رمزاً لوحدة هذه الاُمّة وأصالتها، ولهذا واجه المسلمون ـ عندما شرّعت لهم قبلتهم الجديدة هذه ـ شَغَباً شديداً من السفهاء على حدّ تعبير القرآن(1)؛ لأنّ هؤلاء السفهاء أدركوا المدلول الاجتماعيّ لهذا التشريع، وأنّه مظهر من مظاهر إعطاء هذه الاُمّة شخصيّتها وجعلها اُمّةً وَسَطاً(2).

هذه ملامح عامّة للعبادات في الشريعة الإسلامية.

وهناك ـ إضافةً إلى ما ذكرنا من الخطوط العامّة التي تمثّل دور العبادات في حياة الإنسان، وإلى ملامحها العامّة التي استعرضناها ـ أدوار وملامح تفصيلية لكلّ عبادة، فإنّ لكلٍّ من العبادات التي جاءت بها الشريعة آثارَ وخصائص ولوناً من العطاء للإنسان العابد، وللمسيرة الحضارية للإنسان على العموم.

ولا يتّسع المجال للإفاضة في الحديث عن ذلك، فنترك الأدوار والملامح التفصيلية، واستعراض الحكم والفوائد التي تكمن في تعليمات الشارع العبادية


(1) قوله تعالى: ﴿سيقولُ السفهاءُ من الناسِ ما وَلاّهم عن قبلَتهمُ التي كانوا عليها قُلْ للهِ المشرِقُ والمغرِبُ يهدي مَن يشاءُ إلى صراط مستقيم * وكذلك جعلناكم اُمّةً وَسَطاً لِتكونوا شهداءَ على الناسِ ويكونَ الرسولُ عليكم شهيداً ﴾. البقرة: 142 ـ 143.
(2) قوله تعالى: ﴿وما جعلنا القبلةَ التي كنتَ عليها إلّا لِنَعْلَمَ من يتَّبعُ الرسولَ ممّن ينقلِبُ على عَقِبيهِ... ﴾. البقرة: 143.
826

في كلّ عبادة من العبادات التي جاءت بها الشريعة إلى مستوىً آخر من الحديث، وقد كلّفنا بعض تلامذتنا بتغطية هذا الفراغ.

ومن الله تعالى نستمد الاعتصام، وإليه نبتهل أن لا يحرمنا من شرف عبادته، ويدرجنا في عباده المرضيّين، ويتجاوز عنّا بلطفه وإحسانه، وهو الذي وسعت رحمته كلّ شيء، ﴿ وما ليَ لا أعبدُ الذي فطرني وإليه تُرجَعُونَ ﴾(1).

 

وقد وقع الفراغ من هذا في اليوم الثاني من جمادى الاُولى (1396 هـ).

والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّد

وآله الطاهرين وصحبه الميامين.


(1) يس: 22.
827

استدراك الطبعة السادسة لكتاب الفتاوى الواضحة

(قد اُوردت هذه التصحيحات في النسخة الموجودة من الكتاب على هذا الموقع)