275

 

 

 

ـ 3 ـ

أصالة اللزوم في العقود

 

الجهة الثالثة ـ هل إنّ إطلاقات العقود تفيد أنّ العقود بحسب الطبع الأوّلي لها لازمة أو لا؟

نتكلّم هنا أوّلا عن الإطلاقات المفيدة للّزوم ثم نلحق بهذا البحث ما إذا كان لدينا دليل آخر على اللزوم كالسيرة والاستصحاب وبعد ذلك نبحث إن شاء الله عمّـا قد يُدّعى في خصوص المعاطاة من الإجماع على عدم اللزوم أو عدم الملك ثم نبحث إن شاء الله عن أنّ العقود غير اللازمة كالوكالة والعارية والوديعة هل هي خارجة تخصّصاً أو تخصيصاً؟

 

الإطلاقات الدالّة على اللزوم:

أمّا الإطلاقات الدالّة على اللّزوم فهي جملة من الإطلاقات الماضية زائداً حديث عدم حِلّ مال المسلم إلّا بطيب نفسه.

فمن تلك الإطلاقات حديث «الناس مسلّطونَ على أموالهم» بقطع النظر عمّـا مضى من ضعفه سنداً، وأوّل إشكال دِلالي يخطر بالبال في المقام هو أنّه بعد الفسخ يشكّ في كون المال باقياً على ملك المالك السابق فالتمسّك بحديث «الناس مسلّطون على أموالهم» لصالح المالك السابق تمسّك بالعام في الشُبهة

276

المصداقية لنفس العام. ويُجاب على هذا الإشكال، بأنّنا نتمسّك بهذا الحديث بلحاظ نفس الفسخ ففسخ المعاملة من قِبَلِ أحد الطرفين رغماً على الطرف الآخر ينافي سلطنته على ماله. وقد يُعمّق الإشكال ببيان لا يكفي في إبطاله هذا الجواب، وهو ما قد يُقال من أنّ السلطنة حكمٌ موضوعه المال المنتسب إلى الشخص فإنّ هذا هو المستفاد من إضافة المال في الحديث إلى الضمير وهذا يعني أنّ موضوع السلطنة هو الشيء المملوك ولا بدّ من حفظ الموضوع في الرتبة السابقة على الحكم فنفس الحكم لا يدلّ على ثبوت الموضوع أو نفيه وعليه فما معنى التمسّك بهذا الحديث لإبطال الفسخ؟

فإن كان معناه أنَّ إفناء الموضوع، وهو ملكية المشتري مثلا بفسخ البايع غير نافذ بدليل السلطنة، كان هذا خُلف ما ذكرناه من أنّ الحكم لا يدلّ على حفظ موضوعه، وإن كان معناه إثبات السلطنة على المملوك بعد الفسخ ورغم الفسخ فهذا أوضحُ بطلاناً، لأنّنا نحتمل أن يكون الفسخ قد أنهى الملكية.

وقد يُضاف إلى هذا التقريب بيان أنّ حديث السلطنة إنّما نطق بثبوت السلطنة على نفس المال ولم ينطق بثبوت السلطنة على نفس السلطنة، وسلطنة المشتري مثلا على المنع عن الفسخ تعني السلطنة على إبقاء سلطنته على المال ولا تعني السلطنة على نفس المال.

وأيّ واحد من هذين البيانين لو تمَّ يرد في مسألة الإعراض أيضاً وهي أنّ إعراض المالك عن ملكيّة ماله هل يُخرجه عن ملكيّته أو لا؟

حيث قد يُقال: إنّ دليل السلطنة يدلّ على مخرجيّة الإعراض لأنّ قدرة الإنسان على إخراج ماله من ملكه نوع من السلطنة على ماله، فيُجاب على ذلك تارةً بأنّ الحكم لا يحفظ ولا يزيل موضوع نفسه، وإنّما يُؤخذ الموضوع مفروغ

277

الوجود في الرتبة السابقة على الحكم، إذن فالسلطنة على الملك لا تدلّ على إمكان إزالة الملكية بالإعراض، واُخرى بأنّ حديث السلطنة إنّما ورد في السلطنة على نفس المال لا على السلطنة، والسلطنة على الاعراض وإنهاء الملكية إنّما هي سلطنة على نفس السلطنة لا على المال.

وينبغي أن يكون المقصود بالسلطنة على السلطنة، السلطنة على إبقاء الملكية وإزالتها لا السلطنة على السلطنة التي هي حكم للملكية والتي هي بمعنى جواز التصرفات وصحّتها.

وعلى أيّة حال فالواقع أنّ كلا هذين التقريبين غيرُ تام.

فأوّلا ـ يرد عليهما النقض بمثل البيع إذ لا شك في أنّ قوله: «النّاس مسلّطون على أموالهم» يدلُ على كون المالك أولى ببيع ماله من غيره، كما يدلّ على كونه أولى بالتصرّف الاستهلاكي فيه من غيره، مع أنّه بناءً على هذين التقريبين يجب أن تختص السلطنة في الحديث بالتصرفات الاستهلاكيّة دون التصرفات الاعتباريّة كالبيع وذلك لأنّ البيع إخراج للمال عن ملك صاحبه وسلطنته والمفروض أنّ الملكية موضوع للسلطنة ولا بدّ أن تنحفظ في الرتبة السابقة عليها، ولا يدلّ الحكم على إزالة موضوع نفسه أو قل إنّ الحديث إنّما دلّ على السلطنة على نفس المال لا على الملكية أو السلطنة والقدرة على البيع تكون سلطنةً على الملكيّة أو السلطنة لا على نفس المال.

وثانياً ـ الحلّ بالإجابة على كلا التقريبين، أمّا التقريب الثاني فبأنّ السلطنة على إبقاء الملك وإزالته تُعتبر سلطنة على المال وليس المفهوم عرفاً من السلطنة على المال خصوص السلطنة على التصرّفات الاستهلاكيّة. وأمّا التقريب الأوّل فجوابه: أنّ المفهوم عُرفاً بمناسبات الحكمِ والموضوع هو أنّ موضوع السلطنة

278

على التصرّف إنّما هي الملكية الثابتة للمال بقطع النظر عن التصرّف، وإن كان نفس ذاك التصرّف مُخرجاً للمال عن الملكية استهلاكاً أو اعتباراً.

وقد اتّضح بكلّ ما ذكرناه أنّ قوله: «الناس مسلّطون على أموالهم» يدلّ على أنّ الطبع الأوّلي للعقود هو اللزوم لأنّ نفوذ الفسخ من قِبَل أحد الطرفين رغماً على الطرف الآخر خلاف سلطنته على ماله.

وهذا لا يستلزم القول بأنَّ الإعراض عن الملكية يُخرِجُ المالَ عن الملكِ تمسّكاً بـ «الناس مسلطون على أموالهم» وذلك لما مضى من أنّ قوله: النّاس مسلّطون على أموالهم إنّما يدلّ على أنّ كلّ تصرّف سائغ أو صحيح ونافذ في نفسه يكون المالك أولى به من غيره، وصحّة الإعراض ونفوذه أوّلُ الكلام، وهذا بخلاف ما نحن فيه فإنّ إبقاء المال في ملك مالكه وعدم الفسخ مشروع في ذاته بلا إشكال فيكون المالك مسلّطاً على ذلك، وإعطاء الفسخ بيد أحد الطرفين خُلف سلطنة الآخر على المال فلا بدّ أن يكون برضاهما معاً كي لا يكون خلاف سلطنة أيّ واحد منهما على ماله وعندئذ يكون مشروعاً وهو المسمّى بالإقالة.

ولا يُقال: إنّ مسألة اللزوم في المقام ومسألة نفوذ الإعراض متلازمتان، لأنّ إحداهما تعني السلطنة على إبقاء الملكية، والاُخرى تعني السلطنة على إزالتها، ومن الواضح أنّ نسبة السلطنة إلى الإبقاء والإزالة على حدٍّ سواء، فالسلطنة على الإبقاء وحده أو الإزالة وحده ليست سلطنة، بل هي عبارة عن ضرورة البقاء أو ضرورة الزوال، وهذا سنخ ما يُقال في القدرة التكوينية من أنّ نسبتها إلى الوجود والعدم على حدٍّ سواء، ولا تُعقل القدرةُ على الوجود فقط أو على العدمِ فقط فإنّ ذلك يعود إلى الوجوب أو الامتناع وهما غير القدرة.

فإنّه يقال: صحيح إنّ السلطنة الشرعية كالقدرة التكوينية نسبتها إلى الإبقاء

279

والإزالة على حدٍّ سواء لكننا لو فصّلنا بين مسألة الإعراض ومسألة اللّزوم فهذاليس تفصيلا بين طرفي النقيض في مورد واحد حتى يُقال إنّ هذا يُنافي معنى السلطنة وإنّما هذا تفصيل بين الأسباب، فالفسخ الذي أراده الطرف الآخر سبب لإزالة الملك، ويكون المالك مسلّطاً عليه نفياً وإثباتاً والإعراض سبب آخر لإزالة الملك قد لا يكون المالك مسلّطاً عليه نفياً وإثباتاً.

ومنها حديث «المؤمنون عند شروطهم» فبعد فرض شمول الشرط للعقد يصبح كـ ﴿أوفوا بالعقود﴾ ويأتي فيه ما سيأتي إن شاء الله تعالى في ﴿أوفوا بالعقود﴾ وقد يُقال: إنّ رواية منصور بزرج صريحة في اللّزوم(1) حيث جاء فيها: بئس ما صنع وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنّهار، قُلْ له فليفِ للمرأةِ بشرطها فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: المؤمنون عند شروطهم(2). إلّا أنّ افتراض خصوصية وامتياز لهذه الرواية على باقي روايات الشرط في الدلالة على اللزوم غريب، فإنَّ هذا الرجل لم يكن فرضه فرض التراجع عن الشرط مع مشروطه وإنّما كان فرضه فرض التراجع عن الشرط فحسب، وهذا ممّـا لا شكّ في عدم جوازه على جميع روايات الوفاء بالشرط، ولو جاز ذلك لم يبق معنى لوجوب الوفاء بالشرط المذكور في الروايات، وإنّما الكلام في أنّ أدلّة الوفاء هل تنفي بالإطلاق فسخ الالتزامين المتقابلين أيضاً أوْ لا؟ أمّا نفي فسخ أحد الالتزامين وحده فواضح بلا كلام.

ومنها آية ﴿أوْفوا بِالعُقودِ﴾(3) حيث يُقال:


(1) راجع كتاب البيع للسيّد الإمام (رحمه الله) 1: 144.

(2) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4.

(3) المائدة: 1.

280

إنَّ الفسخ من طرف واحد يُعدّ خلافاً للوفاء وهذا بخلاف التقايل فإنّه وإنكان مخالفة للعقد لكنّه لا يُعدّ عرفاً خلاف الوفاء والشبهة التي مضت في «الناس مسلّطون على أموالهم» من أنّه بعد الفسخ يُشكّ في كونه ماله فالتمسّك به تمسّكٌ بالعام في الشبهة المصداقية للعام لو تمّت هناك لا تأتي هنا، لوضوح أنّ موضوع الوفاء بالعقد ليس هو القرار المستمر بل بمجرّد أن حدث قرار مرتبط بقرار تمَّ موضوع أوفوا بالعقود، ولو عَدَلَ بعد ذلك أحدهما عن قراره اشتهاءً وكذلك لو نسيه مثلا فزال من قلبه فإنّه مهما تذكّره لا تجوز له مخالفته، فلا تأتي شبهة أنَّ الفسخ قد ينهي العقد كما ينهي الملكية فنبتلي بمشكلة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للعام. والفسخ من طرف واحدرغم الآخر عين عدم الوفاء بالعقد بلا شكّ.

وقد اتّضح بكل ما ذكرناه أنّه لا مجال لما قد يُقال من: أنّ العقد أمرٌ عرفي عقلائي وهو مستمر إلى حين الفسخ وينتهي بالفسخ أو يُقال: إنّ هذا الوجود العرفي العقلائي وإن كان لا ينتهي بكل فسخ ولكنه ينتهي بالفسخ إذا كان تزلزل العقد أو الخيار عقلائياً فإذا شككنا في عقلائية الخيار أو تزلزل العقد أو كان نفس العقلاء شاكّين في الخيار أو التزلزل كان التمسّك بدليل أوفوا بالعقود المنصرف إلى العقد العرفي العقلائي تمسّكاً بالعام في الشبهة المصداقية أو يُقال: أنّه حتى لو ثبت عدم عقلائية الخيار أو التزلزل ولكن شككنا في اللزوم الشرعي لم يمكن إثبات اللزوم بـ ﴿أوفوا بالعقود﴾ لأنّ العقد وإن كان باقياً عقلائياً بعد الفسخ لعدم تأثير الفسخ في نظر العقلاء حسب الفرض لكنّ الشارع إنّما يأمرنا بالوفاء بالعقد الشرعي والمفروض أنّنا نحتمل اختلاف نظر الشرع عن نظر العقلاء فنحتمل عدم موافقة الشارع، إمّا بمعنى تخطئتهم أو بمعنى كون جعل الشارع واعتباره مختلفاً عن جعلهم واعتبارهم.

281

إذن فالتمسّك بـ ﴿أوفوا بالعقود﴾ تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، وقد يُقال: إنّ التمسك بأوفوا بالعقود في مورد يعتبر العقلاء عدم تأثير الفسخ صحيح ببركة الإطلاق المقامي ولكنّ الإطلاق المقامي لا يتمّ فيما إذا لم يحرز اللزوم عقلائياً، وهو القرار المرتبط بقرار أو الالتزامان المتقابلان وهذا يكفي فيه الوجود الآني ولا معنى لفرض زواله بالفسخ. وعلى أيّةِ حال فدلالة ﴿أوفوا بالعقود﴾على اللزوم يمكن أن تتصوّر بأحد شكلين:

الأوّل ـ أن تطبَّق الآية على نفس الملك الذي حقّق بالعقد فيُقال: إنّ معنى الوفاء بالعقد هو أن يبقى صاحبه وفيّاً بما أحدثه من الملك والنقل وبناء على هذا فالأمر بالوفاء أمرٌ وضعي بمعنى عدم نفوذ الفسخ إذ لا نحتمل حرمة الفسخ تكليفاً فالآية تدلّ بالمطابقة على اللزوم. إلّا أنّ هذا الوجه خلافُ الظاهر لأنّ الآية لا تختصّ بالعقود المحققة للملك بنحو شرط النتيجة بل تشمل العقود التي هي في واقعها التزام مرتبط بالالتزام. والأمر بالوفاء بتلك العقود محمول على ظاهره وهو الأمر التكليفي، وافتراض كونه بلحاظ بعض العقود أمراً تكليفياً وبلحاظ بعضها أمراً وضعياً يشبه فرض استعمال اللفظ في معنيين.

الثاني ـ أن تطبَّق الآية على ترتيب آثار الملك والنقل من التسليم إلى المالك الجديد وعدم مزاحمته في الاستفادة من المتاع ونحو ذلك، ويحمل الأمر على ظاهره من الأمر التكليفي ويُقال: إنَّ الالتزام بتلك الآثار المترتّبة على الملك الذي حصل بالعقد يعتبر عرفاً وفاء بالعقد ووجوب هذا الوفاء لازمه عدم تأثير النسخ، إمّا ببيان أنّ إطلاق هذا الحكم يشمل ما بعد النسخ وهذا يعني عدم تأثير الفسخ لعلمنا بأنّه لو أ ثّر الفسخ لما بقى وجوب الوفاء بالعقد ثابتاً، وإمّا ببيان أنّ وجوب الوفاء بالعقد مع الترخيص في الفسخ يُعتبر عرفاً لغواً وأمراً غير معقول.

282

والخلاصة إنّ الآية تدلُ بالمطابقة على وجوب الوفاء وبالملازمة على اللزوم. فإن قلت: إنّ لازم ذلك أنّ البايع مثلا لو خالف التكليف الشرعي وغصب العين المبيعة يشتدُّ عقابُه لأنّه فعل حرامين، أحدهما الغصب والثاني ترك الوفاء بالعقد، مع أنّه لا إشكال في عدم الفرق بينه وبين أيّ إنسان آخر أجنبيّ عن هذه المعاملة يأتي ويغتصب هذه العين.

قلتُ: إن ثبت بمثل ضرورة فقهية أو وضوح لا يقبل الشك أو بظهور عرفي ناشئ من المناسبات أنّهما سيّان عرفنا أنّ السببين وهما الغصب وترك الوفاء بالعقد يتداخلان عند الاجتماع ويوجبان حكماً واحداً ليس بأشدّ وآكد من واحد من الحكمين كما هو الحال في كلِّ حكمين بين موضوعهما عموم من وجه، لو علمنا من الخارج بعدم التأكّد في مادة الاجتماع فلو ورد أكرم العالم وأكرم الهاشمي وعلمنا بعدم تأكّد الحكم في العالم الهاشمي ثبت عليه حكم واحد غير آكد من وجوب الإكرام في مادة الافتراق.

ومنها ـ آية ﴿لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض﴾(1) وهي تدلّ على المقصود سواء حُمِلت على النهي الوضعي عن التملّك أو على النهي التكليفي عن التصرف الاستهلاكي الدال بالملازمة على نفي التملّك فعلى كلِّ حال نقول: إنّ الفسخ رغماً على أنف الطرف المقابل ليس تجارة عن تراض فهو غير مملّك للفاسخ، كما أنّه لا فرق في الاستدلال بهذه الآية بين تفسير الباطل بمعنى الباطل العرفي وجعل الاستثناء منقطعاً، أو تفسيره بمعنى حكم الشارع بالبطلان وجعل الاستثناء متصلا، فيكون المعنى لا تأكلوا أموالكم بينكم


(1) النساء: 29.

283

بكل سبب فإنّه باطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض فعلى كلا التقديرين يثبتالمقصود إذ على الثاني يكون مقتضى الحصر بطلان الفسخ لأنّه ليس تجارة عن تراض، وعلى الأوّل يكون الفسخ في الحالات الاعتيادية التي يُعتبر فيها باطلا في نظر العرف داخلا في جملة المستثنى منه وهي النهي عن الأكل بالباطل فيبطل.

ومنها ـ آية ﴿أخذن منكم ميثاقاً غليظاً﴾(1) بناء على استفادة معنى الوفاء بالعقد منها فيما سبق وعندئذ يكون حال الاستدلال بها في المقام كحال الاستدلال بـ ﴿أوفوا بالعقود﴾.

وقد يتمسّك في المقام بجملة المستثنى في آية التجارة أو بآية ﴿أحلَّ الله البيع﴾ لإثبات اللزوم بدعوى إنّ إطلاق مثل ذلك يشمل ما بعد الفسخ فمن تملّك شيئاً بالبيع وبالتجارة عن تراض جازت له الاستفادة منه حتى بعد الفسخ تمسّكاً بإطلاق ﴿تجارة عن تراض﴾ أو بإطلاق ﴿أحلّ الله البيع﴾ وبه يثبت عدم نفوذ الفسخ.

ويردُ عليه: أنّه إن كان المقصود بـ ﴿تجارة عن تراض﴾ أو ﴿أحلّ الله البيع﴾ كون التجارة عن تراض أو البيع مملّكاً فهي إنّما دلّت على حصول الملك، أمّا بقاءه وعدم بقائه بعد الفسخ فغير مفهوم من الآيتين، وإن كان المقصود بهما حلّية التصرّف تكليفاً فأدلّة الإباحة دائماً حيثيّة، فلو ورد دليل على حلّية الجبن لم يمكن التمسّك بإطلاقه لما إذا كان الجبن مغصوباً أو نجساً مثلا، وإنّما الدليل دلَّ على أنّ الجبن ـ من حيث هو جبن ـ حلال، وكذلك في المقام إنّما دلَّ الدليل على أنّ التجارة عن تراض أو البيع يترتّب عليهما ـ بحدِّ ذاتهما ـ حِلّ التصرّف. أمّا طرو الحرمة مرة اُخرى بالفسخ وعدمه فهو غير مستفاد من هذا الدليل.


(1) النساء: 21.

284

والنكتة في حمل العرف لأدلّة الإباحة على الحكم الحيثيّ هي أنّ الإباحة يكفي فيها عدم الاقتضاء للزوم واللااقتضاء لا يزاحم المقتضي.

وأمّا حديث عدم حِلّ مال المسلم بغير رضاه فقد ورد في صيغتين:

الاُولى ـ حديث سُماعة وزيد الشحّام عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن الرسول (صلى الله عليه وآله): مَنْ كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى مَن ائتمنه عليها فإنّه لا يحلّ دم امرء مسلم ولا ماله إلّا بطيبة نفس منه(1).

والثانية ـ التوقيع عن الإمام صاحب الزمان ـ عجّل الله فرجه ـ: وأمّا ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج منها وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتساباً للأجر، وتقرّباً إليكم؟ فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحل ذلك في مالنا؟ !(2).

فإن حملنا الحِلّ في الروايتين على ما يشمل الحِلّ الوضعيّ، وحملنا التصرّف في الرواية الثانية على ما يشمل التصرّف الاعتباري دلّت الروايتان على بطلان فسخ أحد المتعاملين من دون رضا الآخر، لأنّه تصرف اعتباري في ماله فهو غير حلال بمعنى أنّه باطل.

أمّا إذا حملنا الحِلّ على الحلّ التكليفي فحسب بدعوى كونه حقيقة فيه دون الحِلّ الوضعي فقد يُدَّعى أنّ الرواية بكلتا صيغتيها تصبح أجنبية عن أدلة اللزوم، لأنّ التمسك بها بعد الفسخ تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للعام، فأنّها حسب الفرض لم تشمل الحلّ الوضعي والتصرف الاعتباري كي تشمل الفسخ وتدلّ على


(1) الوسائل 3: 424، الباب 3 من أبواب مكان المصلي، الحديث 1 و 19: 3، الباب 1 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.

(2) الوسائل 6: 377، الباب 3 من أبواب الأنفال، الحديث 6.

285

بطلانه وإنّما تنظر إلى تحريم التصرف الاستهلاكي والانتفاعي في ملك الغير وكونه بعد الفسخ باقياً على ملك الغير أوّل الكلام، ولا يأتي هنا الجواب الذي مضى عن هذه الشبهة في «الناس مسلطون على أموالهم» من أنّ الكلام في نفس الفسخ إذ المفروض هنا أنّ الرواية أجنبية عن نفس الفسخ.

وإنْ حملنا الحلّ في الرواية الاُولى على ما يشمل الحلّ الوضعي وفي الرواية الثانية على الحلّ التكليفي، بدعوى أنّ كلمة التصرف قرينة على ذلك لأنّ التصرف حقيقة في التصرف الاستهلاكي والانتفاعي دون الاعتباري، إذن فالرواية الاُولى تدل على اللزوم والثانية تأتي فيها الشبهة التي شرحناها.

والواقع أنّه حتى إذا فسّرنا الحِلّ بمعنى الحِلّ التكليفي ـ كما هو الظاهر ـ فالرواية بكلتا صيغتيها تدلُّ على اللزوم وذلك لأنّ العرف لا يتعقّل افتراض حرمة التصرف الانتفاعي والاستهلاكي في مال الغير مع صحّة تملّكه بلا رضاه ومن ثَمّ جواز تصرفه فيه بعد التملك لأنّه خرج عن كونه مال الغير، فأيُّ احترام هذا لمال الغير حينما يحرّم التصرف فيه بلا إذنه، لكن يحلّل تملّكه بلا إذنه أوّلا ثم التصرف فيه لأنّه خرج عن كونه مالا له؟ ! !

إذن فدليل حرمة التصرف الاستهلاكي والانتفاعي في مال الغير بلا إذنه يدلُّ بالالتزام العرفي على بطلان تملّكه بلا إذنه، فالفسخ إذن من دون إذن الطرف الآخر للمعاملة غير صحيح حسب الطبع الأوّلي.

 

دلالة السيرة والاستصحاب على اللزوم:

وهنا وجهان آخران لإثبات اللزوم غير الإطلاقات وهما:

أوّلا ـ التمسك بالسيرة، والبحث في ذلك من قبيل بحثنا عن السيرة في إثبات صحة المعاطاة فلا نُعيده.

286

وثانياً ـ الاستصحاب، فالملكية التي حصلت بالعقد قد شككنا في زوالهابالفسخ نتيجة الشك في لزوم العقد وجوازه فنستصحب بقاءه، والملكية التي زالت بالعقد قد شككنا في رجوعها وعدمه نتيجة الشك في لزوم العقد وجوازه فنستصحب عدمها. وعمدة الإشكالات التي قد تورد على هذا الاستصحاب أمور ثلاثة:

الإشكال الأوّل ـ إشكال السيد الخوئي (رحمه الله) وهو عدم حجيّة الاستصحاب لدى الشك في الأحكام الكليّة نتيجة لما يؤمن به من وقوع التعارض بين استصحاب المجعول واستصحاب عدم الجعل. وهذا الإشكال بحثه بحث مبنائي بحت راجع إلى علم الاُصول فنحن نحيل هذا البحث إلى محلّه من علم الاُصول، والنتيجة المختارة هناك هي جريان الاستصحاب عند الشك في الحكم الكلّي وعدم قبول التفصيل بين الشبهة الحكميّة والشبهة الموضوعيّة.

والإشكال الثاني ـ إشكال استصحاب الكلّي حيث يُقال: إنّ الملك الحاصل في المقام مردَّدٌ بين الملك الجائز والملك اللازم، والأوّل إن كان فهو مرتفع يقيناً، والثاني مشكوك الحدوث، فهذا من قبيل العلم الإجمالي بوجود حيوان مردّد بين حيوان طويل العُمر وحيوان قصير العمر. وهذا الإشكال يمكن بحثه مبنىً وبناءً:

أمّا بحثه المبنائي، وهو البحث عن حجيّة القسم الثاني من استصحاب الكلّي فنحيله أيضاً إلى محلّه من علم الاُصول والمختار هو حجيته.

وأمّا بحثه البنائي، فهو عبارة عن المنع عن كون الجواز واللزوم مفرّدين للملكيّة ومقوّمين لها أو كاشفين عن مايز مقوّم بينهما. نعم هما يعتبران من أحكام الملكية، فالملكية تارة يحكم عليها بالجواز واُخرى باللّزوم تبعاً لاختلاف

287

أسباب الملكية أو مواردها لا تبعاً لاختلاف حقيقة الملك. إذن فاستصحاب الملكية استصحاب لشخص الملكية لا للجامع بين الفرد الذي لو كان فهو زائل والفرد المشكوك الحدوث.

وتوضيح ذلك: أنّ معنى الملكية الذي انشأه المتعاقدان هو معنى مفهوم لدى العقلاء ومعروف عدم تقوّمه بالجواز أو اللزوم وعدم اختلافه بعنصر مقوّم لأقسام الملكية موجب للاختلاف بينهابالجواز واللّزوم، فليس ما ينشئه المتعاقدان في الهبة اللاّزمة مختلفاً عمّا ينشئآنه في الهبة الجائزة، نعم مصبّ كلامنا إنّما هي الملكية الشرعية لا ما انشأه المتعاقدان. ولكن إذا كان من الواضح أنَّ الجواز واللزوم لا دخل لهما فيما ينشئه المتعاقدان ولا يتبعان فرقاً بين المنشأين قلنا:

إنّ ظاهر أدلة إمضاء العقود عرفاً إنّما هو ترتيب الملكية الشرعية بالنحو المماثل للمعنى الذي قصده المتعاقدان، وذلك إمّا بدعوى أنَّ إمضاء عقد شرعاً يكون ظاهراً ابتداء في إمضاء ما قصده المتعاقدان إلّا ما خرج بالدليل، وإمّا بدعوى أنّ الحكم العقلائي الذي يترتب في ارتكاز العقلاء على العقد إنّما هي الملكية بالمعنى المماثل لما قصده المتعاقدان، والأحكام الشرعية الواردة في موارد الارتكازات العقلائية تحمل بطبعها الأوّلي على ما يطابق تلك المرتكزات إلّا ما خرج بالدليل.

هذا والشيخ الأنصاري (رحمه الله)اختار في المقام ما اخترناه من أنّ الاستصحاب استصحابٌ لشخص الملك لا للجامع بين الملك الجائز والملك اللاّزم، لأنّ الجواز واللزوم من أحكام أسباب الملك وليسا من خصوصيات الملك، وأنّه حتى لو فرض الاستصحاب في المقام استصحاباً للجامع فلا بأس بجريانه، وناقش المحقق الخراساني(رحمه الله) الشيخ في كلا هذين الكلامين:

288

أمّا كلامه الأوّل ـ وهو كون الاستصحاب في المقام استصحاباً لشخص الملك لعدم اختلاف حقيقة الملك في مورد اللزوم عنها في مورد الجواز، فأورد عليه بأنّ هذا لا ينسجم مع فهم الشيخ الأنصاري (رحمه الله)لحقيقة اللزوموالجواز في العقود اللازمة والجائزة فإنْ كان الجواز واللزوم بمعنى إمكان فسخ العقد وعدمه كما في حق الخيار المفسَّر بحق فسخ العقد، صحَّ القول بأنّ اللزوم أو الجواز حكم يختلف باختلاف أسباب الملك، وهي العقود لا باختلاف حقيقة الملك.

ولكن المستفاد من كلام الشيخ الأنصاري (رحمه الله) في بحث ملزمات المعاطاة هو أنَّ الرجوع في باب المعاملات الجائزة يختلف عنه في باب حق الخيار، فالرجوع في مورد حق الخيار يعني فسخ العقد، وما دام العقد قائماً غير منفسخ لا بدّ من الالتزام بنتائجه وإنّما ترفع نتيجة العقد برفع العقد وفسخه، وأمّا العقود الجائزة فمعنى جوازها إمكانية التراجع عن نتائجها مباشرة من دون فسخ لها، فالواهب ـ هبة جائزة ـ يجوز له إرجاع العين مباشرة بلا حاجة إلى فسخ الهبة والعاقد بالمعاطاة بناء على عدم لزومها يجوز له ترادّ العينين دون توسيط فسخ المعاملة.

فإذا كان هذا هو حقيقة الجواز واللزوم في العقود اللازمة والجائزة مما لا علاقة له بفسخ السبب وهو العقد وعدمه، إذن فاختلاف الملك باللزوم والجواز ليس من أحكام الأسباب وهي العقود كي يختلف باختلافها، وإنّما هو من أحكام المسببات وهي نفس الملك حيث كان معنى الجواز إمكان التراجع عن المسبب مباشرة ومعنى اللزوم عدم إمكانه، ولا إشكال في أنَّ اختلاف حكم الملك يتبع اختلاف خصوصية في الملك كي لا يكون حكم الشارع جزافاً وإن فرض اختلاف الخصوصية في الملك ناتجاً عن اختلاف الأسباب، وهذا يؤدّي إلى

289

رجوع استصحاب الملك في المقام إلى استصحاب الكليّ(1).

أمّا عبارة الشيخ الأنصاري (رحمه الله)التي استفاد منها المحقق الخراساني دعوى الفرق بين الجواز الخياري وجواز العقد ذاتاً، بكون الأوّل راجعاً إلى جواز فسخ المعاملة والثاني راجعاً إلى جواز ترادّ العينين من دون توسيط فسخ المعاملة فهي ما ورد في المكاسب من الاستدلال على مُلزمية مثل تلف العوضين بناء على إفادة المعاطاة الملك بامتناع الترادّ عندئذ قال الشيخ (رحمه الله): (... وأمّا على القول بالملك فلما عرفت من أصالة اللزوم، والمتيقن من مخالفتها جواز ترادّ العينين وحيث ارتفع مورد الترادّ امتنع ولم يثبت قبل التلف جواز المعاملة على نحو جواز البيع الخياري حتى يستصحب بعد التلف لأن ذلك الجواز من عوارض العقد لا العوضين فلا مانع من بقائه بل لا دليل على ارتفاعه بعد تلفهما، بخلاف ما نحن فيه فإنّ الجواز فيه هنا بمعنى جواز الرجوع في العين نظير جواز الرجوع في العين الموهوبة فلا يبقى بعد التلف متعلق الجواز، بل الجواز هنا يتعلق بموضوع الترادّ لا مطلق الرجوع الثابت للهبة)(2).

ولا يخفى أنَّ هذا التعبير لا يدلّ على ما قاله المحقّق الخراساني (رحمه الله) فانّ غاية ما يفيده هذا التعبير أنّ المتيقن من الحكم الثابت في العقد الجائز منحصر في ترادّ العينين ولم يثبت حق فسخ العقد بشكل مطلق ولو بترادّ المثل أو القيمة عند التلف، وأمّا إنّ هذا الترادّ ـ أعني ترادّ العينين في مورد الجواز ـ هل هو ترادّ ابتدائي أو بتوسيط فسخ العقد؟ فهذا مما لم يتعرض له الشيخ (رحمه الله) من قريب أو بعيد.


(1) راجع تعليقة المحقق الخراساني (رحمه الله) على المكاسب: 13 و 14.

(2) المكاسب 1: 91، حسب الطبعة المشتملة على تعليقة الشهيدي.

290

وعلى أية حال فنحن لا نملك دليلا على الفرق بين الجواز في العقد الجائزوالجواز في مورد الخيار، بكون الأوّل متعلقاً بالعقد وفسخه، والثاني متعلقاً بالترادّ من دون توسيط فسخ العقد، عدا أن يُقال إنّ العقد إذا كان في ذاته لازماً إذن هو مشمول لأدلة وجوب الوفاء به كـ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فإذا دخله الخيار لم يجز التراجع عن ثمرة العقد إلّا بعد فسخ العقد لأنّ التراجع عنها مع افتراض العقد قائماً على حاله خلف وجوب الوفاء به، فلا بدّ أوّلا من إعمال حق الخيار بفسخ العقد، فإذا انتهى العقد انتهى موضوع وجوب الوفاء بالعقد فيتمّ الترادّ والتراجع عن الثمرة بتبع فسخ العقد.

وأمّا إذا كان العقد في ذاته جائزاً كالهبة أو المعاطاة على القول بجوازها فمعنى جوازه خروجه تخصيصاً أو تخصصاً من أدلة وجوب الوفاء بالعقود، وعندئذ فلا بأس بالترادّ من دون حاجة إلى توسيط فسخ العقد، لأنّ العقد في ذاته ليس لازماً كي يكون فرض بقائه قائماً على حاله مانع عن الترادّ ومخالفة ما بنوا عليه. إلّا أنّ هذا البيان لا يرجع إلى محصّل، ويرد عليه:

أوّلا ـ أنّنا لو فرضنا أنّ التراد بعد إنهاء العقد بالفسخ لا ينافي وجوب الوفاء بالعقد، قلنا إنّه لا مبرّر لافتراض أنّ الجواز في العقود الجائزة يعني خروجها عن أدلة وجوب الوفاء بالعقد تخصيصاً بل مقتضى إطلاق دليل وجوب الوفاء بالعقد أن نحمل الجواز في العقود الجائزة على جواز التراد بتوسيط فسخ العقد كي لا ينافي ذلك وجوب الوفاء فيكون حاله حال الجواز الخياري، بفرق أنّ الجواز الخياري حقّ قابل للإسقاط والجواز الحكمي ليس حقّاً يقبل الإسقاط، نعم في مثل الوكالة لو قلنا إنّها ليست عقداً فهي خارجة عن دليل الوفاء بالعقد تخصصاً وخارجة عن محل البحث أساساً ولا يتصور فيها هذا النزاع.

291

وثانياً ـ أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ دليل وجوب الوفاء بالعقد يمنع عن الترادّ والتراجع عن النتائج من دون رضا صاحبه، سواء كان ذلك بلا فسخ أو بتوسيط الفسخ، فحتى التراجع بتوسيط الفسخ وكسر العقد يعتبر عرفاً خلافاً للوفاء بالعقد الذي كان ثابتاً حتماً قبل الفسخ، ولذا نقول: إنّ دليل الخيار يخصّص دليل وجوب الوفاء بالعقد، إذن فدليل وجوب الوفاء بالعقد لا يمكن أن يكون مؤثراً في إثبات الفرق بين الجواز الخياري والجواز الحكمي بإرجاع الأوّل إلى فسخ العقد بخلاف الثاني.

وثالثاً ـ سواء فرضنا أنّ الترادّ بتوسيط الفسخ ينافي وجوب الوفاء أو لا، لا إشكال في أنّ الترادّ بلا توسيط الفسخ في مثل المعاطاة مما لا يكون خروجه عن أدلّة العقود تخصصاً خلاف الوفاء بالعقد، فإذا ثبت جواز الترادّ بإجماع أو غيره في مثل المعاطاة كان تعيينه في الترادّ بلا حاجة إلى توسيط فسخ العقد، دعوى بلا دليل فلعلّ المقصود هو الترادّ بتوسيط فسخ العقد.

ورابعاً ـ إنَّ أصل افتراض أنَّ الترادّ تارةً يكون بتوسيط فسخ العقد، واُخرى مباشرة ومن دون توسيطه أمر لا نتعقله، لأنّنا لا نفهم فرقاً بين الترادّ بمعنى إبطال ثمرة العقد مباشرة والفسخ بمعنى فسخ العقد، فإنّ العقد شيء قد وقع آناً ما وحقّق الثمرة ولا ينقلب الشيء عمّا وقع عليه، وليس من الاُمور التي لها استمرار إلّا في العقد الّذي ليس شأنه الالتزام بالنتيجة ـ أي من سنخ شرط النتيجة ـ بل يكون شأنه الالتزام بالفعل، فإذا كان هذا الفعل يستوعب فترة من الزمان كان بالإمكان فسخ الالتزام، فإن كان العقد من القسم الأوّل ـ أعني التزاماً بالنتيجة ـ وإنشاءً لها ففسخ العقد يرجع إلى الترادّ وإبطال ثمرة العقد وهي تلك النتيجة، ولا معنى آخر لفسخ العقد فيه لعدم تصور استمرارية لنفس العقد والالتزام في هذا القسم حتى يفسخ،

292

وإن كان العقد من القسم الثاني أعني التزاماً بالفعل وكان ذاك الفعل يستوعب فترة من الزمان، فالتراجع عن الثمرة وهي الفعل عبارة اُخرى عن فسخ الالتزام بالفعل وهو العقد الّذي كان مستمراً، فلم نتعقّل أيضاً شيئين، فسخ العقد تارة، والتراجع عن الثمرة من دون فسخ العقد تارةً اُخرى.

إذن ففي كلا قسمي العقد يكون فسخ العقد والترادّ أو إبطال ثمرة العقد شيئاً واحداً وليسا أمرين نفرّق بهما بين الحق الخياري وجواز عقد المعاطاة أو الهبة. هذا ولو سلّم الفرق بينهما بدعوى أنّ الفسخ في العقد الخياري يتعلق بذات العقد والتراجع في العقد الجائز يتعلق بالثمرة من دون توسيط فسخ العقد، فمجرد ذلك لا يدلّ على أنّ الجواز واللزوم في الأوّل يتبعان خصوصية في العقد وفي الثاني يتبعان خصوصية في ذات الملك دون خصوصية السبب، بخلاف حق الخيار فلعلّ جواز الملك ولزومه نتجا أيضاً عن اختلاف في أسباب الملك أو موارده، رغم كون الملك في مفهومه أمراً واحداً في الموردين، فانّه عندئذ لا يلزم الجزاف في الأحكام وإنّما يلزم الجزاف لو فرضنا كون الفرق بلا فارق نهائياً وليس مجرد كون متعلق التراجع هو النتيجة لا العقد دليلا على كون الفارق كامناً في النتيجة لا في العقد.

وأمّا كلامه الثاني ـ وهو أنّ استصحاب الملك حتى لو فرض استصحاباً للجامع بين الملك اللاّزم والملك الجائز فهو جار في المقام لانّه من استصحاب القسم الثاني من الكليّ الّذي هو حجة، فقد ناقش فيه المحقق الخراساني (رحمه الله) بأنّ الاستصحاب في المقام إذا كان استصحاباً للجامع بين الملكين فهو، وإن كان جارياً على مختارنا ـ يعني مختار المحقق الخراساني (رحمه الله) ـ من حجيّة الاستصحاب في موارد الشك في المقتضي ولكنه لا يجري على مبنى الشيخ من

293

عدم حجيّة الاستصحاب في موارد الشك في المقتضي، لانّ التردد بين قسمي الملك يعني التردد بين الملك الذي يملك مقتضياً للبقاء في ذاته بعد الفسخ وهو الملك اللازم والملك الّذي لا يملك في ذاته مقتضياً للبقاء بعد الفسخ وهو الملك الجائز(1).

أقول: إنَّ هذا الإشكال لو تمّ لم يختص بفرض الاستصحاب استصحاباً للجامع بل حتى لو كان استصحاباً للشخص يرد هذا الإشكال. حيث يقال أيضاً: إنَّ الشك في اللزوم والجواز مرجعه إلى الشك في أنّ السبب، وهو العقد هل يقتضي مثلا الملك حتى بعد الفسخ أو لا يقتضي الملك إلّا بلحاظ ما قبل الفسخ؟

ولا ينبغي الإشكال في أنّ الشيخ الأنصاري (رحمه الله) لا يقصد بقوله بعدم حجيّة الاستصحاب لدى الشك في المقتضي هذا المعنى، وإلّا لزم بطلان كل استصحاب كان منشأ الشك هو الشك في رافعية الموجود وانحصر مورده بفرض الشك في وجود الرافع، فإنَّ هذه الشبهة سيّالة ترد في جميع موارد الشك في رافعية الموجود كما لو شككنا في ناقضية المذي أو الوذي للطهارة فيقال: إنّ هذا الشك مرجعه إلى الشك في أنّ الطهارة هل لها قابلية الدوام بعد الوذي والمذي أوْ لا؟

والواقع أن المقصود بالشك في المقتضي هو احتمال زوال المستصحب بمجرد مرور الزمان وانتهاء قابليته بذلك بقطع النظر عن فرض رافع خارجي، كالسراج الذي شككنا في كميّة القوّة الممدّة له بالنّور ومن المعلوم أنّ ما نحن فيه ليس من هذا القبيل، فإنَّ الملكية لولا طروّ الفسخ كانت باقيةً حتماً فليس الشك في بقائها بعد الفسخ شكاً في المقتضي بل هو شك في رافعية الموجود، وكلام


(1) في تعليقته على المكاسب: 13.

294

الشيخ الأنصاري (رحمه الله)في الرسائل صريح في حجية الاستصحاب في الشك فيالرافع سواء كان شكاً في وجود الرافع أو في رافعية الموجود.

هذا وذكر الشيخ الأنصاري (رحمه الله): أنّنا لو شككنا في أنّ الملك هل ينقسم إلى قسمين متباينين أي الملك اللازم والملك الجائز فيكون المستصحب جامعاً بين القسمين؟ أو أنّه ليس الأمر كذلك ويكون الملك في كلا القسمين شيئاً واحداً وقلنا بعدم حجيّة استصحاب الكليّ؟ فنفس الشك واحتمال كون الاستصحاب استصحاباً للشخص ـ لا للجامع بين مقطوع الارتفاع ومشكوك الحدوث ـ كاف في جريان الاستصحاب(1).

وقد نقل السيد الخوئي (رحمه الله) عن المحقق النائيني (رحمه الله) تفسيراً غريباً لهذا الكلام، وهو أنّه بما أنّ المخصص لدليل الاستصحاب المخرج للاستصحاب الكليّ كان لبّياً ولم يكن لفظياً ولهذا جاز التمسك بدليل الاستصحاب لدى الشك في ذلك لانّ التمسك بالعام في الشبهة المصداقية في المخصص اللبيّ جائز(2).

وهذا المطلب موجودٌ في أحد تقريري بحث المحقق النائيني (رحمه الله) وهو كتاب منية الطالب للشيخ الخونساري (رحمه الله)(3) ولكن الموجود في التقرير الآخر وهو كتاب المكاسب والبيع للشيخ الآملي (رحمه الله) عكس ذلك، حيث ركّز إشكال عدم إحراز دخول المورد في دليل الاستصحاب ولم يردّه بدعوى جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية(4).


(1) راجع المكاسب 1: 85، حسب الطبعة التي تشتمل على تعليقة الشهيدي.

(2) على ما ورد في المحاضرات 2: 63، وفي مصباح الفقاهة 2: 131 و 132.

(3) 1: 61.

(4) 1: 168 و 169.

295

وعلى أيّ حال فيرد على هذا الوجه ما أورده عليه السيد الخوئي (رحمه الله) وهوأنّ المورد اجنبيٌّ عن المخصص اللبّي نهائياً والذي يقول بعدم اتحاد متعلق اليقين والشك في موارد القسم الثاني من استصحاب الكليّ، ولذا لا يؤمن بحجية الاستصحاب فيه لا يقول بذلك بعنوان ورود مخصص لبيّ على عموم دليل الاستصحاب، بل هذا يعني أنَّ أصل الموضوع المأخوذ في لسان دليل الاستصحاب غير شامل لذلك فإنّ موضوعه هو فرض يقين وشك متعلق ببقاء نفس ما كان على يقين منه، فبما أنّ وحدة المتعلقين غير ثابتة في المقام لا يجري الاستصحاب.

ووجّه السيد الخوئي (رحمه الله)كلام الشيخ الأعظم (رحمه الله) بتوجيه آخر، وهو أن يكون (رحمه الله)ناظراً إلى الاستشكال في استصحاب القسم الثاني من الكليّ بدعوى حكومة استصحاب عدم الفرد الطويل على استصحاب الجامع لا بدعوى عدم اتحاد متعلق اليقين بالشك، وهذا الإشكال يكفي في اندفاعه في المقام الشك في أنّه هل هو من استصحاب الكليّ أو لا، فإنّ الشك في ذلك يعني الشك في وجود الحاكم والحكومة في المقام ظاهريّة وقوام الحكومة الظاهرية بالوصول فالشك في وجود الحاكم يساوق القطع بعدم الحكومة فيجري استصحاب الملكية بلا إشكال، وهذا التوجيه مذكور في المحاضرات(1) وفي مصباح الفقاهة(2)، على فرق بينهما وهو أنّه استفاد في المحاضرات في المقام من مسألة أنّ الحكومة الظاهرية قوامها بالوصول كما ذكرنا، فإن كان مقصوده بالحكومة الظاهرية الحكومة ـ برفع الشك ـ على دليل يكون موضوعه الشك، فهذا الكلام صحيح إذ


(1) 2: 63.

(2) 2: 131.

296

لو لم يصل الحاكم لم يرتفع الشك لا محالة. وأمّا في مصباح الفقاهة فلم يشر إلىنكتة تقوّم الحكومة الظاهرية بالوصول، وإنّما اكتفى بالقول بأنّه ما لم يُحرز الأصل الحاكم لا مانع من جريان الأصل المحكوم، فإن كان المقصود بذلك: أنّ عدم إحراز الأصل الحاكم يؤدي إلى القطع بعدم الحكومة، رجع إلى ما في المحاضرات، ولا كلام لنا فيه، وإن كان المقصود به ما يُقال حتى في الحكومة الواقعية من أنّ المعارض والمخصص والمقيد والحاكم ما لم تصل يكون الدليل الآخر باقياً على حجيته رغم عدم العلم بانتفاء الحكومة أو التقييد والتخصيص والمعارضة وَرَدَ عليه، انّنا نقطع في المقام بعدم جريان استصحاب الجامع وذلك لعلمنا الإجمالي بانّه إمّا لا جامع في المقام فلا معنى لاستصحابه أو أنّ الجامع موجود ولكن استصحاب عدم الفرد الطويل حاكم على استصحابه فأيضاً لا مورد لاستصحابه.

وذكر السيد الإمام (رحمه الله): أنّ الشك في المقام في كون الملكية الجائزة غير الملكية اللازمة وعدمه يساوق كون استصحاب الملك استصحاباً للكليّ، فبناء على عدم جريانه يكون الشك في المقام في تعدد الملك وعدمه كافياً في عدم جريان الاستصحاب، وذلك لأنّنا مع هذا الشك نمتلك ـ تصوراً ـ مفاهيم ثلاثة: الأوّل الملك المتقوّم بخصوصية الجواز، والثاني الملك المتقوّم بخصوصية اللزوم، والثالث الملك غير المتقوّم بشيء وقد شككنا في أنّ الأملاك في الدّنيا هل هي داخلة جميعاً في المفهوم الثالث؟ أو أنّ بعضها من المفهوم الأوّل وبعضها من المفهوم الثاني ولا وجود للمفهوم الثالث؟ إذن فالقدر المتيقن في المقام هو الجامع بين هذه الاُمور الثلاثة واستصحاب هذا الجامع استصحاب للكليّ لا محالة(1).

والإشكال الثالث إشكال استصحاب بقاء علقة المالك الأوّل فإنّه يعارض


(1) راجع كتاب البيع للسيد الإمام (رحمه الله) 1: 104.

297

أو يحكم استصحاب الملك، والمقياس في كونه معارضاً له أو حاكماً عليه، هو أن نرى أنّ تلك العلقة هل تعني رفع موضوع ملكية المالك الثاني شرعاً؟ أو هي حكم شرعي ينافي تلك الملكية؟ فعلى الأوّل تتم الحكومة، وعلى الثاني يتم التعارض، وإن لم تكن هذا ولا ذاك أو لم تكن هناك علقة أصلا غير مثل علقة الملك المرتفعة بالبيع مثلا لم يكن مجال لاستصحاب بقاء العلقة.

وذكر الشيخ الأعظم (رحمه الله) في أوّل بحث الخيار ما نصّه: «وربّما يقال: إنّ مقتضى الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالك عن العين، فانّ الظاهر من كلماتهم عدم انقطاع علاقة المالك عن العين التي له فيها الرجوع، وهذا الاستصحاب حاكم على الاستصحاب المتقدم ـ يعني به استصحاب بقاء ملك المالك الثاني بعد الفسخ ـ المقتضي للّزوم.

وردّ بانّه إن اُريد بقاء علاقة الملك أو علاقة تتفرّع على الملك فلا ريب في زوالها بزوال الملك. وإن اُريد بها سلطنة إعادة العين في ملكه، فهذه علاقة يستحيل اجتماعها مع الملك وإنّما تحدث بعد زوال الملك لدلالة دليل، فإذا فُقِدَ الدليل فالأصل عدمها وإن اُريد بها العلاقة التي كانت في مجلس البيع فإنّها تستصحب عند الشك فيصير الأصل في البيع بقاء الخيار كما يُقال: الأصل في الهبة بقاء جوازها بعد التصرف في مقابل مَن جعلها لازمة بالتصرف، ففيه مع عدم جريانه فيما لا خيار فيه في المجلس بل مطلقاً بناءً على أنّ الواجب هنا الرجوع في زمان الشك إلى عموم ﴿اُوفوا بالعقود﴾ لا الاستصحاب: انّه لا يجري بعد تواتر الأخبار بانقطاع الخيار مع الافتراق فيبقى ذلك الاستصحاب سليماً عن الحاكم فتأمّل»(1).


(1) مكاسب الشيخ الأنصاري 2: 216، حسب الطبعة المرافقة لتعليقة الشهيدي.

298

ولعلّ أمره بالتأمّل إشارة إلى انّنا حينما نبحث إثبات اللزوم باستصحابالملك نكون قد غضضنا النظر عن الدليل الآخر على اللزوم، وهو ﴿اُوفوا بالعقود﴾أو أيّ دليل لفظي آخر، فلا معنى للجواب على إشكال استصحاب الجواز الثابت في المجلس بانّ المرجع عند الشك في بقاء حكم المخصص هو عموم العام، وهو في المقام ﴿اُوفوا بالعقود﴾ لا استصحاب حكم المخصص، فانّ المفروض غضّ النظر عن كل دليل لفظي دلّ على اللزوم.

وعلى أيّة حال فيكفي في دفع استصحاب الجواز الثابت في المجلس أن يُقال: إنّه إن قُصِدَ به استصحاب الخيار وهو الجواز الحقيّ فالنصوص صريحة بانتفائه بعد انتهاء المجلس، وإن قُصد به استصحاب الجامع بين الجواز الحقيّ والجواز الحكمي فهما عرفاً فردان متباينان، واستصحاب الجامع بينهما استصحاب للقسم الثالث من الكليّ وهو غير جار.

وهنا إشكال آخر على استصحاب هذا الجامع، وهو أنّ استصحاب الجواز في المقام استصحاب تعليقي، لأنّ مرجعه إلى القول بأنّ هذا البيع في زمان المجلس كان بحيث لو فسخ لانفسخ والآن كما كان. وتحقيق مدى صحة هذا الإشكال نوكله إلى علم الاُصول. ولاستصحاب علقة المالك الأوّل تقريبات عديدة، بامكانك الوقوف عليها بمراجعة تعليقة الشيخ الاصفهاني (رحمه الله) على المكاسب وكتاب البيع للسيد الإمام (رحمه الله). ولعلّ أفضلها ما جاء في تعليق الشيخ الاصفهاني (رحمه الله) من أنّ المالك كانت له السلطنة على التصرف الاستهلاكي في ماله والسلطنة على تسليط الغير عليه حدوثاً وبقاءً، وبعد أن باع العين انتفت سلطنته على التصرف وانتهت أيضاً سلطنته على تسليط الغير عليه حدوثاً، إذ قد فعل ذلك ولا يمكن قلب الشيء عمّا وقع عليه وشككنا في زوال سلطنته على تسلّط الغير

299

بقاء، إذ لو كان العقد جائزاً فله السلطنة على تسلّط المشتري على العين بقاء، ولو كان لازماً انتفت هذه السلطنة أيضاً، ومع الشك نستصحب هذه السلطنة، وهذا الاستصحاب حاكم على استصحاب بقاء ملكية المالك الثاني بعد الفسخ(1).

وقد ردّ (رحمه الله) الحكومة بعدم الترتب الشرعي لعدم بقاء المال على ملك المالك الثاني على سلطنة المالك الأوّل. وردّ أصل تقريب استصحاب بقاء تلك السلطنة بأنّ السلطنة على الملك هي القدرة الترخيصية والوضعية على التصرف الاستهلاكي والتصرف الوضعي بإحـداثه. أمّا ردّ المـلك فسلطنة جديدة غير منبعثة من الملك.

أقول: كان مفاد الإشكال: أنّ زمام أمر بقاء المال في ملك المالك الثاني، قبل الحدوث كان بيد المحدث ولو بتبع الحدوث الذي كان بيده والآن قد خرج الأمر من يده حدوثاً، ولكننا لا نجزم بخروجه بقاءً من يده، إذ لو كان العقد جائزاً فلا زال أمر بقاء المال في ملك المالك الثاني بيده فيستصحب بقاء ذلك في يده.

والأولى في الجواب أن يُقال: إنّ السلطنة على تسليط الغير بقاءً بمعنى أنّ له نفيها بنفي الحدوث تغاير عرفاً السلطنة عليه بالردّ وعدمه، فيرجع استصحاب السلطنة في المقام إلى استصحاب القسم الثالث من الكليّ. هذا تمام الكلام في إثبات اللزوم بالاستصحاب.

إثبات اللزوم بالاستصحاب في موارد الشبهة الموضوعية:

ولا بأس بالتطرّق بالمناسبة إلى أنّه لو كانت الشبهة موضوعية فهل يجري هذا الاستصحاب أيضاً أو لا؟ فلو تردد الأمر مثلا بين الصلح والهبة، علماً بأنّ


(1) راجع تعليقة الشيخ الاصفهاني على المكاسب 1: 31.