وشقيقته المكرّمة المظلومة، والتي كانت من أساتذة العلم والأخلاق ومفاخر العلم والأدب، قد نالا درجة الشهادة الرفيعة على أيدي النظام البعثىّ العراقيّ المنحطّ، وذلك بصورة مفجعة!
فالشهادة تراث ناله أمثال هذه الشخصيات العظيمة من أوليائهم، والجريمة والظلم ـ أيضاً ـ تراث ناله أمثال هؤلاء ـ جناة التأريخ ـ من أسلافهم الظلمة.
فلا عجب لشهادة هؤلاء العظماء الذين أمضوا عمراً من الجهاد في سبيل الأهداف الإسلاميّة على أيدي أشخاص جناة قضوا حياتهم بامتصاص الدماء والظلم، وإنّما العجب هو أن يموت مجاهدو طريق الحقّ في الفراش دون أن يلطّخ الظلمة الجناة أيديهم الخبيثة بدمائهم!
ولاعجب أن ينال الشهادة المرحوم الصدر وشقيقته المظلومة، وإنّما العجب أن تمرّ الشعوب الإسلاميّة، وخاصّة الشعب العراقىّ النبيل، وعشائر دجلة والفرات، وشباب الجامعات الغيارى، وغيرهم من الشبّان الأعزّاء في العراق على هذه المصائب الكبرى التي تحلّ بالإسلام وأهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله)دون أن تأبه لذلك، وتفسح المجال لحزب البعث اللّعين؛ لكي يقتل مفاخرهم ظلماً الواحد تلو الآخر.
والأعجب من ذلك هو أن يكون الجيش العراقىّ وسائر القوى النظاميّة آلة بيد هؤلاء المجرمين، يساعدونهم على هدم الإسلام والقرآن الكريم.
إنّني يائس من كبار القادة العسكريّين، ولكنّني لست يائساً من الضبّاط والمراتب والجنود، وما أتوخّاه منهم هو: إمّا أن يثوروا أبطالاً، وينقضّوا على أساس الظلم كما حدث في إيران، وإمّا أن يفرّوا من معسكراتهم وثكناتهم، وألاّ يتحمّلوا عار مظالم حزب البعث.
فأنا غير يائس من العمّال وموظّفي حكومة البعث المغتصبة، وآمل أن يضعوا أيديهم بأيدي الشعب العراقىّ، وأن يزيلوا هذا العار عن بلاد العراق.
أرجوه تعالى أن يطوي بساط ظلم هؤلاء الجناة.
وها أنا اُعلن الحداد العامّ مدّة ثلاثة أيّام اعتباراً من يوم الأربعاء الثالث من شهر (اُرديبهشت) الثالث والعشرين من نيسان، كما اُعلن يوم الخميس عطلةً عامّة، وذلك تكريماً لهذه الشخصيّة العلميّة، ولهذا المجاهد الذي كان من مفاخر الحوزات العلميّة، ومن مراجع الدين، ومفكّري المسلمين.
وأرجو الخالق تعالى أن يعوّضنا عن هذه الخسارة الكبرى والعظيمة على الإسلام والمسلمين. والسلام على عباد الله الصالحين.
(الثاني من شهر اُرديبهشت سنة ۱۳٥۹)
روح الله الموسويّ الخمينىّ
هذا كلّ ما أردت تسجيله هنا من ترجمة مختصرة عن حياة شهيدنا الغالي آية الله العظمى، مفجّر الثورة الإسلاميّة في العراق، السيّد محمّد باقر الصدر، تغمّده الله برحمته.
وأقول: إنّها ترجمة مختصرة؛ لأنّ حياته الشريفة على رغم قصرها ـ حيث لم يكمل(رحمه الله)السابعة والأربعين من عمره ـ زاخرة ببحر من العطاء والجهاد والفداء والتضحيات، وليست هذه الترجمة عدا اغتراف غرفة من هذا البحر، وبإمكانك أيّها القارئ الكريم أن تطّلع ـ بمطالعة الكتب الاُخرى التي كتبت عنه(رحمه الله)وباستنطاق سائر طلاّبه وغيرهم ممّن أدركوه وعاشروه ـ على معلومات اُخرى كثيرة عن حياته المباركة التي كانت كلّها وقفاً لخدمة الدين والعلم، ومازالت ثمرات مشاريعه القيّمة تدرّ على المسلمين بالخيرات والبركات، فهو على رغم اغتيال الاستكبار العالمىّ له سيبقى خالداً مدى الأعوام والدهور من خلال عطاءاته التي لاتنتهي، ومعين علمه وجهاده الذي لاينضب.
ولقد صدق المرحوم الدكتور السيّد داود العطّار(رحمه الله) إذ قال:
يا أبا جعفر سوف تبقى *** مشعلاً هادياً يتسامى
كَذِبَ البعثُ ما زلتَ فينا *** كالخمينىِّ تَهدي الأناما
فسلام الله عليه يوم ولد ويوم استُشهد ويوم يُبعث حيّاً.
تلميذه الصغير كاظم الحسينيّ الحائريّ
( ۲٠ / شعبان المعظّم / ۱٤٠٦ هـ )