245


وممّا يؤيّد اختصاص هذا التحليل بزمان الإمام الجواد(عليه السلام) صدور تحليل آخر في الخمس واضح اختصاصه بزمانه، وذلك في صحيحة اُخرى لعليّ بن مهزيار عن الإمام الجواد(عليه السلام)(1) دلّت على تحليل الزائد على نصف السدس من أرباح المكاسب، فمن الواضح أنّ هكذا تحليل لا يوجد في زمان أيّ إمام آخر، فإنّه إمّا لا يوجد تحليل للخمس على الشيعة، أو يوجد تحليل لتمام المبلغ لو صحّ ما يُطلَب من أخبار التحليل.

ولو شُكَّ في أنّ التحليل لحقّ الإمام(عليه السلام) هل هو خاصّ بزمن الإمام الجواد، أو لا؟ فقد يقال باستصحاب التحليل إلى زماننا هذا.

إلّا أنّ استصحاب عدم النسخ بناءً على تسليمه في نفسه لا يجري في المقام; لأنّ أصل الإباحة المجعولة جعلاً ولائيّاً لا ندري هل هي إباحة خاصّة بذاك الزمان أو عامّة لمطلق ما قبل الظهور؟ فلو كانت خاصّة بذاك الزمان، فثبوتها فيما بعد ذاك الزمان بحاجة إلى جعل آخر، وتصبح الإباحة الثانية عندئذ غير الاُولى، فلا تثبت بالاستصحاب.

على أن هناك نصّاً صحيحاً عن الحجّة ـ عجّل الله فرجه ـ صريحاً في أنّ تلك الإباحة لو كانت فإمّا كانت خاّصة بذاك الزمان، أو نسخت بعد ذلك، وهو ما رواه الصدوق(قدس سره) في إكمال الدين عن أربعة من مشايخه، وهم محمّد بن أحمد الشيباني(2) وعليّ بن أحمد بن محمّد الدقّاق، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدّب، وعليّ بن عبدالله الورّاق جميعاً عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي قال: «كان فيما ورد عليّ من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري ـ قدّس الله روحه ـ في جواب مسائلي إلى صاحب الدار(عليه السلام) ... وأمّا ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها وأداء


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

(2) وفي نسخة الوسائل السناني.

246


الخراج منها، وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتساباً للأجر وتقرّباً إليكم؟ فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك في مالنا؟! من فعل شيئاً من ذلك من غير أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرم عليه، ومن أكل من مالنا شيئاً فإنّما يأكل في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً»(1).

فإنّ هذا الحديث المتأخّر يضادّ التحليل الوارد في حديث: «من أعوزه شيء من حقّي» تماماً. ولا يمكن الجمع بينهما إلّا بفرض انتهاء زمن التحليل.

فمثلاً لا يمكن أن يقال: إنّ ذاك التحليل كان في الخمس، وهذا مطلق لكلّ حقّ فيخرج من إطلاقه الخمس ; لأنّ ذاك الحديث أيضاً عبّر بالحقّ، ولم يعبّر بالخمس وإن كان مورده الخمس.

ولا يمكن أن يقال: إنّ ذاك الحديث ينصرف إلى التحليل للشيعي، وهذا يتكّلم عمّن يأكل حقّ الإمام من دون إذنه، والشيعي خارج موضوعاً عن ذلك; لأنّه مأذون بحكم الحديث الأوّل ; وذلك لأنّ هذا الحديث أيضاً ناظر إلى الشيعي بدليل قوله: «وأداء الخراج منها وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية» فإنّ غير الشيعي لا يؤدّي الخراج إلى الإمام; ولا يصرف ما يفضل عن حاجته إلى الناحية.

ولا يمكن أن يقال: إنّ ذاك الحديث حلّل لمن أعوزه، فيخرج من إطلاق هذا الحديث مقدار الإعواز.

فإنّ قوله: «وصرف ما يفضل من دخلها» أقرب شيء إلى أن يقول: «وصرف ما يفضل على مبلغ الإعواز».

فالأمر منحصر في أنّ ذاك التحليل كان مخصوصاً بزمان الإمام الجواد(عليه السلام) ولم يبقَ إلى


(1) الوسائل، ب 3 من الأنفال، ح 7.

247


زمان الإمام الحجّة عجّل الله فرجه.

هذا هو الكلام من ناحية الدلالة.

وأمّا من ناحية السند فهذا الحديث قد رواه الصدوق(قدس سره) عن أربعة من مشايخه(رحمهم الله)وقد ترضّى هو على أكثرهم، ونحن وإن كنّا لا نمتلك دليلاً على وثاقة واحد منهم لكننا لا نحتمل أنّ أربعة من مشياخ الشيخ الصدوق(قدس سره)يتّفقون على الكذب، وهؤلاء الأربعة قد نقلوا الحديث عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي، وهو رجل لا يختلف في وثاقته اثنان، وهو ينقل مباشرة توقيع الإمام ـ عجّل الله فرجه ـ إليه على يد محمّد بن عثمان العمري، فالرواية شبه قطعيّة.

الرواية الثالثة: صحيحة يونس بن يعقوب «قال: كنت عند أبي عبدالله(عليه السلام)فدخل عليه رجل من القمّاطين، فقال: جعلت فداك، تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعلم أنّ حقّك فيها ثابت، وإنّا عن ذلك مقصّرون. فقال أبو عبدالله(عليه السلام): ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم»(1).

وهذا الحديث بنقل الشيخ الطوسيّ(رحمه الله) وإن كان ضعيفاً بسبب محمّد بن سنان، أو محمّد بن سالم، لكنّه تامّ في سند الصدوق(رحمه الله); إذ ليس فيه من يتوقّف من أجله، إلّا حكم بن مسكين الذي لم يرد توثيق بشأ نه، إلّا أنّه يكفيه أنّ كلاًّ من محمّد بن أبي عمير والبزنطي وهما من الثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقه قد رويا عنه. هذا حال السند.

وأمّا من ناحية الدلالة، فالظاهر أنّ هذه الرواية أجنبيّة عن المقام، فإنّ الظاهر منها أنّ المقصود: أنّنا ما دمنا غير قادرين على أخذ الخمس ممّن انتقل المال منه إلى الشيعيّ المتديّن: إمّا لأنّه من السنّة ولا يؤمن بخمس أهل البيت(عليهم السلام)، وإمّا لأنّه شيعيّ فاسق


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 6.

248


فلا يدفع الخمس، فليس من الانصاف أن نأخذه ممّن انتقل إليه، فإنّ هذا يعني تكليف الشيعيّ المتديّن بما كان على غيره، وتوجيه الضرر إليه. وهذا كما ترى لا علاقة له بتحليل خمس أرباح المكاسب لنفس الشخص الذي تعلّق بماله الخمس.

ثُمّ لو فرضت دلالة هذه الرواية عن الإمام الصادق(عليه السلام) على تحليل خمس أرباح المكاسب، فقد مضى منّا ذكر الصحاح الدالّة على المطالبة بخمس أرباح المكاسب عن الصادق(عليه السلام)، ومن بعده ولا يمكن الجمع بينها وبين هذا التحليل، إلّا بحمل جملة «ما أنصفناكم...» على مثل المعنى الذي عرفت، وإلّا فهل أنّ الأئمّة(عليهم السلام) أحياناً ينصفون وأحياناً لا ينصفون؟!

وهنا نكتة هامّة ينبغي إلفات النظر إليها، وهي أنّ عدم وجوب التخميس على المنتقل إليه في هذه الصحيحة هل يختصّ بما انتقل إليه ممّن لا يخمّس بمثل البيع، أو الهبة، أو يشمل حتّى الانتقال بالإرث، فلو مات من لا يخمّس بعد أن تعلّق بماله الخمس فعلى الوارث الشيعي المتديّن أن يخرج خمسه أو لا؟

الظاهر: أنّ الوارث لا يعفى عن تخميس مال المورِّث لو كان قد تعلّق به الخمس قبل موته.

وتوضيح ذلك: هو أنّ السرّ في كون تكليفهم(عليهم السلام) للشيعيّ المتديّن بتخميس ما انتقل إليه من غيره هو أنّ هذا إضرار به بتحميله ما وجب على غيره; إذ لو كان الإمام(عليه السلام) قادراً على أخذ الخمس من المنتقل منه، لكان يصل إلى هذا الشيعيّ المتديّن ما اُعطي بعنوان الهبة أو البيع مصفّىً، ولم يكن يخسر هذا خمسه، ولكن الإمام لم يقدر على ذلك أو لم يفعله، فلو أخذ الخمس من المنتقل إليه بدلاً عن المنتقل عنه، لكان هذا تحميلاً مخالفاً للانصاف. أمّا لو أخذ منه خمس ما ورثه بدلاً عن أخذه من المورّث، لم يكن ذلك تحميلاً إضافيّاً عليه; إذ لو كان قد أخذه من المورّث لكان نفس النقص الذي يرد بأخذه من

249


الوارث وارداً عليه. وهذا عبارة عن أصل مسألة تعلّق الخمس بالمال من دون رجوعه إلى تحميل ما على المنتقل عنه على المنتقل إليه، في حين أنّ الفرق في غير فرض الإرث واضح بين الأخذ من هذا أو ذاك.

الرواية الرابعة: صحيح الفضيل عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد الله على أوّل النعم، قال: قلت: جعلت فداك ما أوّل النعم؟ قال: طيب الولادة، ثُمّ قال أبو عبدالله(عليه السلام): قال أمير المؤمنين(عليه السلام)لفاطمة(عليها السلام): أحلّي نصيبكِ من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا، ثُمّ قال أبو عبدالله(عليه السلام): إنّا أحللنا اُمّهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا»(1).

ومن الواضح كون الرواية بعيدة عن باب أرباح المكاسب، ومخصوصة بفيء الحرب أو الجواري المؤسّرة لتطييب نسب الشيعة. ولو فرضت دلالة إطلاق الرواية على تحليل خمس أرباح المكاسب من قبل عليّ وفاطمة(عليهما السلام) فقد مضت بعض الصحاح الدالّة على مطالبة الأئمّة المتأخّرين عنه بخمس أرباح المكاسب، فهي: إمّا ناسخة للتحليل بالنسبة لخمس أرباح المكاسب، أو موجبة لحمل تحليلهما(عليهما السلام)على ما قلناه من غنائم الحرب أو الجواري منها.

الرواية الخامسة: صحيحة أبي سيّار مسمع بن عبدالملك قال: «قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إنّي كنت ولّيت الغوص فأصبت أربعمئة ألف درهم، وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم، وكرهت أنّ أحبسها عنك، وأعرض لها وهي حقّك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا، فقال: وما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلّا الخمس؟! يا أبا سيّار، الأرض كلّها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا، قال: قلت له: أنا أحمل إليك المال كلّه، فقال لي: يا أبا سيّار، قد طيّبناه لك وحلّلناك منه، فضمّ إليك مالك، وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 10.

250


الأرض فهم فيه محلّلون، ومحلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا، فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم، فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم، ويخرجهم منها صغرة»(1).

قوله: «فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم، فإنّ كسبهم من الأرض حرام...» هذه العبارة واردة في نسخة الشيخ(قدس سره) ولكن في نسخة الكافي ما يلي:

«فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم. وأمّا ما كان في أيدي غيرهم فإنّ كسبهم من الأرض حرام...» والظاهر: أنّ نسخة الكافي هي الصحيحة; إذ لا معنى لجملة: «فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم» لوضوح أنّ طسق ما في أيدي سواهم ليس عليهم، فالصحيح: «يجبيهم طسق ما كان في أيديهم»، فالمعنى أنّه يأخذ اُجرة الأرض التي في أيدي الشيعة منهم ويترك الأرض لهم.

وقد ورد التحليل في هذه الرواية في موردين:

الأوّل: قوله(عليه السلام): «يا أبا سيّار، قد طيّبناه لك وحلّلناك منه» ولكن هذا التحليل خاصّ بالأنفال، فإنّه يحلّل الأرض وما يستخرج منها بعد ما ذكر أنّها لأهل البيت(عليهم السلام)، ولا علاقة له بخمس أرباح المكاسب، على أنّ هذا التحليل تحليل شخصيّ خاصّ بأبي سيّار.

والثاني: قوله(عليه السلام): «وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، ومحلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا» وهذا: إمّا راجع إلى اُجرة الأرض ولا علاقة له بالخمس، وإمّا شامل أيضاً لما أخرج الله من الأرض، أي: الأنفال، ولا علاقة له بأرباح المكاسب.


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 12.

251


ولو فرض إطلاق للرواية لخمس أرباح المكاسب، رفعنا اليد عنه بالصحاح الدالّة على وجوب تخميسها التي مضت من نفس الإمام الصادق(عليه السلام) ومن بعده.

الرواية السادسة: صحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال: «إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام)حلّلهم من الخمس ـ يعني الشيعة ـ ليطيب مولدهم»(1).

وهذه الرواية لا علاقة لها بأرباح المكاسب بقرينة قوله: «ليطيب مولدهم»، فإنّ التحليل لأجل أن يصبحوا أولاد حلال، فالمراد هو التحليل في دائرة غنائم الحرب أو السبايا من الغنائم خاصّة.

الرواية السابعة: صحيحة ضريس الكناسي قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام): أتدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري. فقال: من قبل خمسنا أهل البيت، إلّا لشيعتنا الأطيبين، فإنّه محلّل لهم ولميلادهم»(2).

وقد شكّك اُستاذنا الشهيد(قدس سره) في سند هذا الحديث بأنّ ضريس الكناسي مردّد بين ضريس بن عبدالملك الثقة وضريس بن عبدالواحد الذي لم تثبت وثاقته.

ولكن السيّد الخوئيّ(قدس سره) ذكر في معجم الرجال في ترجمة ضريس الكناسي: أنّ كلمة ضريس الكناسي، وكذلك كملة ضريس متى ما اُطلقت في الروايات تنصرف إلى ضريس بن عبدالملك، فإنّه المعروف والمشهور بين الرواة، وضريس بن عبدالواحد وإن كان كناسيّاً أيضاً، إلّا أنّه ينصرف عنه اللفظ لعدم اشتهاره، بل لم نجد له ولا رواية واحدة.

ويقصد(قدس سره) بقوله: «لم نجد له ولا رواية واحدة» عدم وجدان رواية واحدة باسم ضريس بن عبدالواحد بالصريح. وأمّا ما كان باسم ضريس الكناسي أو باسم ضريس،


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 15.

(2) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 3.

252


فالمفروض تردّده بينهما لولا الانصراف، إذن فلم نعرف له ولا رواية واحدة.

وعلى أيّ حال، فهذه الرواية أيضاً أجنبيّة عن خمس أرباح المكاسب; فإنّ ما فيها من التعبير بدخول الزنا على الناس، وكذلك التعبير بأنّه محلّل لهم ولميلادهم شاهد للنظر إلى غنائم الحرب أو خصوص الجواري السبايا.

الرواية الثامنة: رواية الحارث بن المغيرة النصري عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «قلت له: إنّ لنا أموالاً من غلاّت وتجارات ونحو ذلك، وقد علمت أنّ لك فيها حقّاً. قال: فلِمَ أحللنا إذن لشيعتنا إلّا لتطيب ولادتهم، وكلّ من والى آبائي فهم في حلّ ممّا في أيديهم من حقّنا، فليبلّغ الشاهد الغائب»(1).

وهذا الحديث بحسب ظاهر ما في الوسائل لا يخلو سنده عن نقاش; لأنّ صاحب الوسائل جعل هذه الرواية هي الحديث التاسع من الباب الرابع من الأنفال، وظاهر ذلك أنّ الضمير في قوله في أوّل السند: «عنه عن أحمد بن محمّد» يرجع إلى عليّ بن الحسن بن فضّال الوارد في الحديث الثامن من ذلك الباب، فيكون المعنى: «وبإسناده عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن أحمد بن محمّد...» فيأتي فيه إشكالنا في سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، ولكن لو أردنا حمل عبارة صاحب الوسائل على الصحّة، يجب أن نرجع الضمير إلى الروايات السابقة على الرواية الثامنة والتي كانت جميعاً بإسناد الشيخ إلى سعد بن عبدالله، فإنّ سند الشيخ في التهذيب في هذا الحديث إلى الحارث بن المغيرة النصري ما يلي:

«سعد بن عبدلله عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي عمارة، عن الحارث بن المغيرة النصري»، فإشكال سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 9.

253


يرتفع من البين.

تبقى ملاحظة هذا السند الموجود في التهذيب فنقول: إنّ أحمد بن محمّد في نقل سعد بن عبدالله سواء حمل على أحمد بن محمّد بن عيسى أو على أحمد بن محمّد بن خالد فهو ثقة(1). وأمّا أبو عمارة فلا نعرفه بالضبط من هو؟ ولكن يكفي في توثيقه أنّ الراوي عنه لهذه الرواية هو أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، وعليه فسند الرواية تامّ.

وأمّا من ناحية الدلالة، فالرواية مشتملة على تهافت غريب بين السؤال والجواب; إذ إنّ السؤال ظاهر في السؤال عن أرباح المكاسب، وحقّ الإمام في أرباح المكاسب لمكان كلمة: «وتجارات» عبارة عن خمس أرباح المكاسب، والجواب ظاهر في النظر إلى غنائم الحرب أو السبايا; لمكان كلمة: «لتطيب ولادتهم». وهذا يكشف: إمّا عن خطأ في التعبير مغيّر للمعنى، أو عن كذب الرواية رغم تصحيحنا لسندها فنّيّاً بسبب رواية البزنطي عن أبي عمارة الذي لا نعرفه.

وعليه فهذه الرواية ساقطة من الحساب، ولا يمكن تفسير كلمة: «لتطيب ولادتهم» بمعنى حلّيّة أكل الآباء كي لا يؤثّر أكلهم للطعام الحرام الأثر التكويني السيّء على طينة الأولاد، فإنّ هذا التأثير إن كان لا يختصّ بالخمس بل يكون في كلّ أكل حرام، وما أكثر


(1) لا يخفى: أنّ كلمة «أحمد بن محمّد» غير موجودة في التهذيب طبعة الآخوندي، ج 4، ص 143، ح 399، بل سعد بن عبدالله يروي هذه الرواية مباشرة عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، ولكن الظاهر: أنّ هذه النسخة غير صحيحة، والصحيح ما ورد في الوسائل، وفي التهذيب النسخة التي صحّحها وعلّق عليها علي أكبر الغفاري، وهو أحمد بن محمّد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر; وذلك لأنّ وضع الطبقة لا يسمح بنقل سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر مباشرة.

254


من الشيعة من يأكل الحرام من ربا وغيره ما عدا مثل العدول الصلحاء، فهل إنّ الإمام حلّل كلّ أكل حرام للشيعة، أم هل هناك خصوصيّة لمسألة الخمس؟!

والخلاصة: أنّه لا إشكال في أنّ المفهوم عرفاً من طيب الولادة طيبها من الزنا أو من الشبهة حينما يفترض عدم عمد الشيعيّ، والذي يخرجه من الزنا ويوقعه في الوطي بالشبهة.

ثُمّ لو فرضت تماميّة دلالة شيء من هذه الروايات على تحليل خمس أرباح المكاسب للشيعة فهي منسوخة بالإيجاب الوارد في صحيح ريّان بن الصلت عن أبي محمّد العسكري(عليه السلام) حيث قال: «كتبت إلى أبي محمّد(عليه السلام): ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سمك، وبردي، وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى»(1).

وكذلك هي منسوخة بالإيجاب الوارد في صحيح أبي عليّ بن راشد(2) الذي هو على الأكثر عن الإمام الهادي(عليه السلام); لأنّ الإمام الجواد(عليه السلام) على ما يظهر من رواية عليّ بن مهزيار المفصّلة(3) لم يوجب الخمس على أرباح المكاسب.

نعم نستثني من هذه النكتة ـ أعني: نكتة النسخ ـ الرواية الخامسة، وهي صحيحة أبي سيّار; لأنّها لو دلّت على تحليل خمس أرباح المكاسب، فقد صرّحت باستمرار التحليل إلى قيام القائم عجّل الله فرجه، فتعارض ـ لو تمّت ـ صحيحة ريّان بن الصلت وصحيحة أبي عليّ.


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 9.

(2) ح 3 من نفس الباب.

(3) أعني: ح 5 من ذاك الباب.

255


وكذلك نستثني من هذه النكتة الرواية التاسعة الآتية; لأنّها من الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه.

الرواية التاسعة: مكاتبة إسحاق بن يعقوب مع الحجّة عجّل الله تعالى فرجه فيما ورد عليه من التوقيعات بخط صاحب الزمان(عليه السلام): «أمّا ما سألت عنه من أمر المنكرين لي... ـ إلى أن قال: ـ وأمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئاً فأكله، فإنّما يأكل النيران. وأمّا الخمس فقد اُبيح لشيعتنا وجُعلوا منه في حلّ إلى أن يظهر أمرنا، لتطيب ولادتهم ولا تخبث»(1).

وهذه الرواية وإن رواها في الوسائل في الباب 4 من الأنفال عن إكمال الدين، عن محمّد بن محمّد بن عصام الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، ولا دليل على وثاقة محمّد بن محمّد بن عصام الكليني، ولكن صاحب الوسائل قد نقل في الباب الحادي عشر من صفات القاضي، ح 9 سنداً آخر لهذه الرواية، فإنّه هناك ذكر مقطعاً من هذه الرواية مرتبطاً بذاك الباب، وقد نقل ذلك عن إكمال الدين بالشكل الذي نقلناه هنا، ثُمّ قال: ورواه الشيخ(قدس سره)في كتاب الغيبة عن جماعة، عن جعفر بن محمّد بن قولويه وأبي غالب الزراري وغيرهما، كلّهم عن محمّد بن يعقوب.

أقول: وبالفعل قد ورد التوقيع بطوله في كتاب الغيبة للطوسيّ(رحمه الله)(2)، والظاهر: أنّ الجماعة الواردة في عبارة الطوسيّ أحدهم المفيد، فإنّ الشيخ يروي جميع كتب وروايات جعفر بن محمّد بن قولويه وأبي غالب الزراري عن جماعة أحدهم المفيد.

وجاء في موضع آخر من كتاب الغيبة(3) ذكر سند الحديث من دون ذكر متنه، وفيه


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 16.

(2) ص 177 من طبعة مطبعة النعمان في النجف الأشرف.

(3) ص 220.

256


بدلاً عن كلمة: «وغيرهما» كلمة: «وأبي محمّد التلعكبري»، وكلّ هؤلاء الثلاثة ثقاة أجلاّء، إذن فالحديث إلى محمّد بن يعقوب شبه قطعي; لأنّه يرويه جماعة أحدهم المفيد عن جماعة من الأجلاّء عن محمّد بن يعقوب الكليني. وليس النقل شفهيّاً حتّى يحتمل التغيير خطأً في بعض عبائر الرواية ضمن الطبقتين، بل هو توقيع مكتوب.

وقد تذكر هنا شبهة وهي أنّه لو كان الكليني راوياً لهذه الرواية، فكيف لم يذكرها في الكافي مع أنّ الكافي كتاب مهمّ، وهذه الرواية رواية مهمّة، فإنّها توقيع من الإمام الحجّة مشتمل على مسائل كثيرة؟! فعدم ذكرها في الكافي شاهد للكذب.

والجواب: أنّ مجرّد عدم ذكر الكليني لهذه الرواية في الكافي ليس شاهداً على أن لا تكون هذه الرواية من روايات له(رحمه الله) لم تضبط في الكافي، ولعلّ الرواية وصلت الكليني بعد تأليف الكافي، على أنّه قد تكون نكتة عدم ذكر هذه الرواية في الكافي أنّ زمان الكليني كان زمان الغيبة الصغرى، وكان للإمام الحجّة نوّاب آنذاك، والكافي كتاب عام قد يصل إلى يد الأعداء، فكان نقل هذه الرواية فيه يلقي ضوءاً على النوّاب، وقد يؤدّي ذلك إلى معرفة النائب وإيذائه للفحص عن الحجّة الذي لم يكونوا قد رأوا شاهداً حتّى ذاك الوقت على أصل ولادته.

وبعد أن اتّضح: أنّ صدور هذه الرواية عن الكليني شبه القطعي تبقى المشكلة السنديّة في إسحاق بن يعقوب الذي روى عنه الكليني هذه الرواية.

وفي بالي أنّ صاحب كتاب قاموس الرجال يُبرز في كتابه احتمال: أنّ إسحاق بن يعقوب كان أخاً للكليني، وأنّه رآى ـ أعني التستري(قدس سره) ـ في بعض النسخ والمتون في آخر التوقيع قوله عجّل الله فرجه: «والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب الكليني»، ولكن لو ثبتت هذه النسخة، وثبت أنّ المقصود بذلك أخ الكليني صاحب الكافي، فهذا لا يكون دليلاً على وثاقته.

257


ويمكن رفع هذا النقص عن السند بإثبات وثاقة إسحاق بن يعقوب، وذلك بأن يقال: إنّه يدور أمر إسحاق بن يعقوب بين أن يكون رجلاً من الأجلاّء الخواصّ وبين أن يكون رجلاً خبيثاً من الفسّاق، ولا يوجد احتمال وسط بينهما بشأ نه; إذ لو كان صادقاً في صدور هذا التوقيع إليه في زمن كان القرار على أن لا يكتب الحجّة شيئاً لأحد إلّا إذا كان من الخواصّ خوفاً من انتشار ولادته، فهذا دليل على أنّه من الخواصّ والأجلاّء، ولو كان كاذباً في افتعال توقيع من هذا القبيل كان إذن من الخبثاء الفسّاق الذين لا يلتزمون بدين ولا حياء، ولا يحتمل بشأن الكليني(قدس سره) أن يروي رواية عن رجل من دون الفحص عن حاله ولو بمقدار أن يعرف عدم كونه من الفسّاق والكَذَبة، كما لا يحتمل بشأ نه أنّه فحص عن ذلك فخفي عليه الأمر فيتعيّن الأوّل.

هذا تمام الكلام في هذه الرواية من ناحية السند.

وأمّا من ناحية الدلالة، فمن الواضح عدم تماميّة الدلالة على تحليل خمس أرباح المكاسب; فإنّه:

أوّلاً: أنّ قول الإمام(عليه السلام): «وأمّا الخمس فقد اُبيح لشيعتنا» ليس كلاماً ابتدائيّاً من الإمام، فإنّ هذا التوقيع جاء جواباً عن أسئلة إسحاق بن يعقوب، ولا يعلم أنّ السؤال الذي كان هذا جواباً له كان يشمل خمس أرباح المكاسب، فلعلّ سؤاله كان عن خمس غنائم الحرب أو الجواري السبايا.

وثانياً: أنّ في نفس هذا الجواب قرينة على أنّ المسألة هي مسألة غنائم الحرب أو الجواري السبايا، وهي قوله(عليه السلام): «لتطيب ولادتهم ولا تخبث».

الرواية العاشرة: صحيحة أبي سلمة سالم بن مكرّم وهو أبو خديجة عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «قال رجل وأنا حاضر: حلّل لي الفروج، ففزع أبو عبدالله(عليه السلام)، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنّما يسألك خادماً يشتريها، أو امرأة يتزوّجها، أو ميراثاً

258


يصيبه، أو تجارة، أو شيئاً اُعطيه. فقال: هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم والغائب والميّت منهم والحيّ وما يولد منهم إلى يوم القيامة، فهو لهم حلال. أما والله لا يحلّ إلّا لمن أحللنا له، ولا والله ما أعطينا أحداً ذمّة، وما عندنا لأحد عهد، ولا لأحد عندنا ميثاق»(1).

وعدم ارتباط الرواية بخمس أرباح المكاسب، واختصاصها بالغنيمة أو بخصوص الجواري السبايا من قبل العامّة واضح: أوّلاً: بقرينة قوله: «حلّل لي الفروج»، وثانياً: بقرينة قوله: «وما يولد منهم إلى يوم القيامة، فهو لهم حلال»، فإنّ غاية ما يحتمل حلّيّته من خمس أرباح المكاسب هو آخر الغيبة، ولا يحتمل حلّيّته إلى يوم القيامة، وتحليل الجواري السبايا أو الغنائم التي تكون عن طريق قتال العامّة للكفّار وإن كان ينقطع موضوعاً بظهور الحجّة عجّل الله فرجه، لكن تعني هذه العبارة: أنّ التحليل الذي صدّرناه للشيعة بالنسبة للغنائم أو الجواري السبايا يكون أثره ثابتاً إلى يوم القيامة، فأولادهم إلى يوم القيامة أولاد حلال.

هذا تمام الكلام في أخبار التحليل التامّة سنداً، وقد عرفت عدم تماميّة شيء منها دلالة على تحليل خمس أرباح المكاسب، على أنّه قد ورد في زمن متأخّر عن أكثرها ما دلّ على عدم التحليل لخمس أرباح المكاسب.

بقيت في المقام أخبار اُخرى غير نقيّة السند، ونحن نذكرها تكميلاً للبحث فنقول:

الرواية الحادية عشرة: رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما «قال: إنّ أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ خمسي. وقد طيّبنا ذلك لشيعتنا، لتطيب ولادتهم ولتزكو أولادهم»(2).


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 4.

(2) الوسائل ب 4 من الأنفال ح 5.

259


وفي سند الشيخ والكليني وقع محمّد بن سنان وصباح الأزرق، والثاني وإن وردت رواية محمّد بن أبي عمير عنه بسند تامّ، فيدلّ ذلك على وثاقته، ولكن يبقى ضعف السند بمحمّد بن سنان الذي لم تثبت وثاقته.

وأمّا سند الصدوق فهو غير مشتمل على هذين الشخصين، ولكنّه مشتمل على عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه ولم تثبت وثاقتهما.

وأمّا من حيث الدلالة فالذي يهدم الدلالة قوله: «لتطيب ولادتهم ولتزكو أولادهم» وفي نسخة الكافي (ولادتهم)» ممّا يشهد للاختصاص بغنائم الحرب أو الجواري المسبيّة.

الرواية الثانية عشرة: رواية داود الرقّي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «سمعته يقول: الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا، إلّا أ نّا أحللنا شيعتنا من ذلك»(1).

والسند ضعيف بداود الرقّي الذي لم تثبت وثاقته، والدلالة غير تامّة; لأنّ المراد من الناس هنا هو العامّة، وإنّ إرادة العامّة من كلمة الناس استعمال شايع في الروايات، وهنا توجد القرينة على ذلك، وهي قرينة المقابلة بين الناس وشيعتنا، واسم الإشارة في «من ذلك» راجع إلى ما يعيش فيه الناس من فضل مظلمتهم. فالمعنى: أنّنا أحللنا شيعتنا من تلك المظلمة والحقوق التي تكون في أموال العامّة، وهذا يعني تحليل الشيعة عن الحقوق التي تكون في أموال العامّة فتنتقل إليهم. وهذا التفسير الذي ذكرناه للرواية إن لم يكن هو الظاهر، فلا أقلّ من احتماله وإجمال الرواية.

ولو فرض الإطلاق في ذلك لخمس أرباح المكاسب المتعلّق بالشيعيّ، فهذا التحليل منسوخ بما مضى من صحيحة أبي عليّ بن راشد والتي هي على الأكثر عن الإمام الهادي،


(1) المصدر نفسه، ح 7.

260


وصحيحة ريّان بن الصلت عن الإمام العسكري(عليه السلام). ونكتة النسخ تأتي في أكثر الروايات القادمة أيضاً لو كان لها إطلاق لخمس أرباح المكاسب، فلا نعيد.

الرواية الثالثة عشرة: رواية حكيم مؤذّن بني عيس (أو بني عبس أو ابن عيسى) عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «قلت له: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ قال: هي والله الإفادة يوماً بيوم، إلّا أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكوا»(1).

والسند ساقط بمحمّد بن سنان وحكيم المؤذّن.

الرواية الرابعة عشرة: رواية معاذ بن كثير بيّاع الأكيسة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «موسّع على شيعتنا أن ينفقوا ممّا في أيديهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا حرم على كلّ ذي كنز كنزه حتّى يأتوه به يستعين به»(2).

وفي السند محمّد بن سنان، والراوي المباشر معاذ بن كثير، فلو صحّحنا الثاني بِعَدّ المفيد إيّاه من شيوخ الفقهاء الصالحين، أو بتوثيق النجاشي لمعاذ بن مسلم بن أبي سارة بناءً على اتحاده مع معاذ بن كثير، فمحمّد بن سنان لا دليل على توثيقه.

أمّا من حيث الدلالة فالرواية أجنبيّة عن المقام، فإنّها ظاهرة في النظر إلى فرض جعل الإمام الحجّة عجّل الله فرجه ضرائب على أموال شيعته لتقوية أمره، لا إلى خمس أرباح المكاسب.

الرواية الخامسة عشرة: ما عن الحارث بن المغيرة النصري، قال: «دخلت على أبي جعفر(عليه السلام)، فجلست عنده، فإذا نجيّة قد استأذن عليه، فأذن له، فدخل، فجثا على ركبته، ثُمّ قال: جعلت فداك إنّي اُريد أن أسألك عن مسألة والله ما اُريد بها إلّا فكاك رقبتي من


(1) المصدر نفسه، ح 8.

(2) المصدر نفسه، ح 11.

261


النار، فكأنّه رقّ له، فاستوى جالساً، فقال: يا نجيّة سلني، فلا تسألني عن الشيء إلّا أخبرتك به، قال: جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان؟ قال: يا نجيّة، إنّ لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفو المال. وهما والله أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب الله، وأوّل من حمل الناس على رقابنا. ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت، وإنّ الناس ليتقلّبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت، فقال نجيّة: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ـ ثلاث مرات ـ هلكنا وربّ الكعبة، قال: فرفع فخذه (جسده خ ل) عن الوسادة، فاستقبل القبلة، فدعا بدعاء لم أفهم منه شيئاً، إلّا أ نّا سمعناه في آخر دعائه وهو يقول: اللهمّ إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا، قال: ثُمّ أقبل إلينا بوجهه وقال: يا نجيّة، ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا»(1).

وسند الرواية ضعيف بسبب سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، وبسبب من روى عنه عليّ بن الحسن بن فضّال هذه الرواية، وهو جعفر بن محمّد بن حكيم، فإنّه لا دليل على وثاقته عدا وقوعه في أسانيد كامل الزيارات، ونحن لا نعتدّ بذلك في إثبات الوثاقة.

وأمّا من حيث الدلالة فقوله(عليه السلام): «اللّهمّ إنّا قد أحلننا ذلك لشيعتنا» كان في ضمن دعاء لم نعرفه، فلا نستطيع إثبات إطلاقه لأرباح المكاسب، ويؤيّد ذلك: أنّ قسماً من صدر الحديث راجع إلى خمس غنائم الحرب، فإنّه الذي غصبه فلان وفلان لا مطلق الخمس، وقسم منه راجع إلى ما يتعلّق بأموال العامّة، وهو قوله: «إنّ الناس ليتقلّبون في حرام إلى يوم القيامة» وقد يكون له إطلاق لخمس أرباح المكاسب المتعلّق بأموال


(1) التهذيب، ج 4، كتاب الصيام، ح 405. وأكثر هذه الرواية موجودة في الوسائل، ب 4، من الأنفال، ح 14.

262


العامّة، فلو فرض رجوع اسم الإشارة في «أحللنا ذلك لشيعتنا» إلى هذا، فإنّما يدلّ على تحليل ما ينتقل من العامّة إلى الشيعة، ولو فرضنا رجوع اسم الإشارة إلى طبيعيّ الخمس من دون فرق بين تعلّقه بالسنّي أو تعلّقه ابتداءً بأرباح مكاسب الشيعيّ، فهذا يعني تحليل الخمس للشيعة إلى يوم القيامة، وهذا أمر غير محتمل.

الرواية السادسة عشرة: رواية عبدالعزيز بن نافع، قال: «طلبنا الإذن على أبي عبدالله(عليه السلام)... فدخلت أنا ورجل معي، فقلت للرجل: اُحبّ أن تحلّ بالمسألة، فقال: نعم، فقال له: جعلت فداك، إنّ أبي كان ممّن سباه بنو اُميّة وقد علمت أنّ بني اُميّة لم يكن لهم أن يحرّموا ولا يحلّلوا، ولم يكن لهم ممّا في أيديهم قليل ولا كثير، وإنّما ذلك لكم، فإذا ذكرت الذي كنت فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد عليّ عقلي ما أنا فيه، فقال له: أنت في حلّ ممّا كان من ذلك، وكلّ من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حلّ من ذلك...»(1).

واختصاص ذلك بغنيمة الحرب أو السبايا واضح، ولكن ليس ذلك بالمعنى الذي كنّا نقوله في عدد من الروايات الماضية من النظر إلى الجواري المسبيّة التي ينتهي نكاحهن إلى الزنا أو وطي الشبهة.

ولعلّه في هذه الرواية كان نظر السائل إلى أنّ أباه كان كافراً ثُمّ أصبح مسبيّاً ضمن الغنائم التي غنمتها الحكومة الإسلاميّة المنحرفة عن خطّ أهل البيت، فصار في الحقيقة عبداً مملوكاً، ولا يرجع أمره إلى تلك الحكومة الإسلاميّة، فحتّى لو كان قد اُعتق بعد ذلك على يد من انتقل إليه لم يخرج عن العبوديّة، وبالتالي فالمفروض بأولاده وهو أحدهم أن يكون عبداً، فهذا ما كان يكاد أن يفسد عقله، فأجابه الإمام(عليه السلام) بأنّه هو وكلّ من في مثل


(1) الوسائل، ب 4 من الأنفال، ح 18.

263


حاله من الشيعة في حلّ من ذلك.

ولا علاقة لذلك بخمس أرباح المكاسب.

وفي السند محمّد بن سنان وعبدالعزيز بن نافع، ولا دليل على وثاقتهما.

الرواية السابعة عشرة: رواية أبي حمزة عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال: «إنّ الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء، فقال تبارك وتعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا. والله يا أبا حمزة، ما من أرض تفتح، ولا خمس يخمّس، فيضرب على شيء منه إلّا كان حراماً على من يصيبه، فرجاً كان أو مالاً...»(1).

وفي السند عليّ بن العبّاس.

وأمّا الدلالة فمن الواضح اختصاصها بغنائم الحرب من قبل العامّة، والمنتقل منهم إلى الشيعة، ففي صدره يقول: «إنّ الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء» والفيء يعني الغنيمة، ويقول بعد ذكر الآية الشريفة: «فنحن أصحاب الخمس والفيء» وهذا يعني: أنّ الإمام ناظر إلى خمس غنائم الحرب. وفي ذيله يقول: «ما من أرض تفتح، ولا خمس يخمّس، فيضرب على شيء منه إلّا كان حراماً على من يصيبه، فرجاً كان أو مالاً»، ومن الواضح: أنّ «أرضاً تفتح» يقصد به الأرض المفتوحة بالحرب، وأنّ «خمساً يخمّس» أيضاً ناظر إلى الغنائم; لأنّ مراده بالخمس الذي يخمّس هو الخمس الذي يدفع إلى خليفة الجور لا إلى الإمام(عليه السلام)، والذين كانوا يعطون الخمس إلى خليفة الجور لم يكونوا يعطون خمس أرباح المكاسب، وإنّما هو خمس الغنائم.


(1) المصدر نفسه، ح 19.

264


الرواية الثامنة عشرة: ما في تفسير الإمام العسكري(عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين(عليه السلام)«أنّه قال لرسول الله(صلى الله عليه وآله): قد علمت يا رسول الله أنّه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر، فيستولى على خمسي من السبي والغنائم ويبيعونه فلا يحلّ لمشتريه لأنّ نصيبي فيه، فقد وهبت نصيبي منه لكلّ من ملك شيئاً من ذلك من شيعتي لتحلّ لهم منافعهم من مأكل ومشرب ولتطيب مواليدهم ولا يكون أولادهم أولاد حرام، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك، وقد تبعك رسول الله في فعلك أحلّ الشيعة كلّ ما كان فيه من غنيمة وبيع من نصيبه على واحد من شيعتي، ولا اُحلّها أنا ولا أنت لغيرهم»(1).

واختصاص ذلك بالغنائم والسبي المنتقلة منهم إلى الشيعيّ واضح.

الرواية التاسعة عشرة: مرسلة العيّاشي عن فيض بن أبي شيبة، عن رجل، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «إنّ أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة إذا قام صاحب الخمس فقال: يا ربّ خمسي، وإنّ شيعتنا من ذلك في حلّ»(2).

وسقوطها سنداً واضح، فهي أساساً مرسلة العيّاشي ينقلها عن فيض بن أبي شيبة وهو مجهول، عن رجل عن الإمام الصادق(عليه السلام).

الرواية العشرون: رواية عبدالله بن سنان، قال: «قال أبو عبدالله(عليه السلام): على كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة(عليها السلام)ولمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيتها الحجج على الناس، فذاك لهم خاصّة يضعونه حيث شاؤوا، وحرّم عليهم الصدقة حتّى الخيّاط يخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانق، إلّا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم


(1) المصدر نفسه، ح 20.

(2) المصدر نفسه، ح 22.

265

114 ـ ويستثنى من الخمس المهر وعوض الخلع والإرث.

نعم، الميراث الذي لا يحتسب ملحق في الحكم بغنيمة الحرب في تخميسه كلاًّ ومن دون استثناء المؤونة (1).


به الولادة، إنّه ليس من شيء عند الله يوم القيامة أعظم من الزنا، إنّه ليقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ سل هؤلاء بما اُبيحوا؟»(1).

والتهافت واضح بين صدر الحديث وذيله، حيث يفهم بوضوح من الصدر تحليل خمس أرباح المكاسب، ويفهم بوضوح من الذيل أنّ المسألة مسألة غنائم الحرب، أو خصوص الجواري المسبيّة.

وعلى أيّ حال، ففي السند عبدالله بن القاسم الحضرمي، وقد قال عنه النجاشيّ: كذّاب غال.

هذا تمام كلامنا في أخبار التحليل.

وقد اتّضح: أنّ التحليل ثابت في موردين:

أحدهما: بالنسبة لخمس الغنائم أو السبايا التي تصل منهم إلى يد الشيعيّ.

وثانيهما: ما يشمل حتّى خمس أرباح المكاسب بشرط أن يكون متعلّقاً بأموال من لا يخمّس، ثُمّ ينتقل إلى الشيعيّ عن غير طريق الإرث.

(1) وقع الكلام في استثناء الهبة، والمهر، وعوض الخلع، والإرث من الخمس.

ولتحقيق ذلك لا بدّ من مراجعة روايات خمس أرباح المكاسب، وهي روايات الباب الثامن من أبواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل زائداً الرواية الثامنة والتاسعة من روايات الباب الرابع من الأنفال، فنقول:

أمّا الهبة، فقد مضى الكلام فيها مفصّلاً، ومختصر الكلام فيها: أنّ روايات الباب بين ما


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 8.

266


لا تتمّ سنداً وما لا إطلاق لها للهبة، والذي يمكن تصوّر تماميّتها سنداً ودلالة بلحاظ الهبة هي ثلاث روايات:

الاُولى: صحيحة عليّ بن مهزيار المفصّلة، وقد ورد فيها: «والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر»(1).

وقد يجعل ذلك تارةً دليلاً على عدم الخمس في الهبة الاعتياديّة; لأنّه خصّ الخمس بالتي لها خطر، واُخرى يجعل دليلاً على ثبوت الخمس في الهبة الاعتياديّة تمسّكاً بمثل الإجماع المركّب على عدم الفرق بين التي لها خطر والتي ليس لها خطر، فلعلّ ذكر قيد ما لها خطر كان بسبب أنّ الجائزة الكبيرة هي التي تزود على مؤونة السنة، أمّا المختصرة فتنتهي عادة قبل دوران الحول.

والصحيح: أنّ هذه لا علاقة لها أصلاً بإثبات ولا نفي خمس الهبة الاعتياديّة، فإنّها صريحة في ذيلها بعدم مطالبة الإمام الجواد(عليه السلام)والذي وردت هذه الرواية عنه بخمس أرباح المكاسب غير الضياع والغلاّت التي أوجب فيها نصف السدس. أمّا حينما ذكر(عليه السلام)الجائزة التي لها خطر فقد ألحقها بغنيمة الحرب التي لا إشكال في أنّه لا تستثنى منها المؤونة.

والثانية والثالثة: ما سنذكرهما ـ إن شاء الله ـ في بحث المهر وعوض الخلع والإرث.

وأمّا المهر وعوض الخلع والإرث، فما يمكن دعوى تماميّته سنداً ودلالةً بالإطلاق لإثبات الخمس فيها روايتان:

إحداهما: موثّقة سماعة: «سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الخمس؟ فقال: في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير»(2). فقد يقال: إنّ عنوان ما أفاد الناس يشمل الهبة، والمهر،


(1) الوسائل، الباب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

(2) الوسائل، الباب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 6.

267


وعوض الخلع، والإرث.

ولكنّ الصحيح: أنّ شمولها بالإطلاق للهبة واضح لا غبار عليه، ولكنّ الظاهر: أنّ المقصود بالإفادة الأرباح، فهي لا تشمل الإرث، ولا المهر، ولا عوض الخلع.

أمّا عدم شمولها للإرث فواضح; فإنّ الإفادة معناها ـ كما قلنا ـ الإرباح، ولا يصدق على الإرث عرفاً الربح.

وأمّا المهر فهو عوض البضع، على فرق بينه وبين المعاوضات التجاريّة، وهو أنّ المقياس في المعاوضات التجاريّة عرفاً هو أصل الماليّة المشتركة بين العوض والمعوّض، فلو زاد أحدهما على الآخر في الماليّة حسبت الزيادة ربحاً وإفادةً، وأمّا المعاوضة بين المهر والبضع فلا تعدّ عرفاً من المعاوضة بين مالين; إذ ليس الكلام في شراء الأمة حيث يفترض التبادل المالي بين الثمن والأمة، وإنّما النكاح يفترض في الفهم العرفي علاقة اعتباريّة خاصّة بين الزوج والزوجة، فلا يتعامل مع المهر الذي هو في واقعه عوض البضع معاملة مالين حتّى يكون ما زاد في الماليّة ربحاً. أفهل يمكن أن يقال فيما إذا كان المهر أقلّ من مهر المثل: إنّ الزوج ربح واستفاد مالاً أكثر من ماليّة المهر، فعليه التخميس؟ ولو كان الأمر راجعاً إلى المعاوضة الماليّة، لما كان يتعلّق الخمس بكلّ المهر كما هو مفروض عدم استثنائه من الخمس، بل كان متعلّقاً بالزيادة على مهر المثل.

وأمّا عوض الخلع فتأتي فيه نفس النكتة التي ذكرناها في المهر، فهو في مقام فكّ العلاقة بين الزوج والزوجة، وليس عوض الخلع ربحاً.

وثانيتها: صحيحة أبي عليّ بن راشد «قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدر ما اُجيبه، فقال: يجب عليهم الخمس، فقلت: ففيّ أيّ شيء؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم (وفي هامش المخطوط يقول: في نسخة: وضياعهم). قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: إذا

268


أمكنهم بعد مؤونتهم»(1).

ولا إشكال في عدم الإطلاق لقوله: «والتاجر عليه والصانع بيده» للهبة، ولا المهر، ولا عوض الخلع، ولا الإرث. وكذلك لا إشكال في عدم الإطلاق لكلمة «صنائعهم» أو كلمة «ضياعهم»، وإنّما يمكن دعوى إطلاق كلمة «في أمتعتهم»، فالمهر أيضاً متاع، وكذلك أخواته، فيتعلّق الخمس بكلّ المهر وأخواته.

والجواب يظهر بملاحظة مقدّمتين:

الاُولى: أنّ قوله: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» ظاهر في الرجوع إلى تمام ما سبق، أعني: في أمتعتهم وصنائعهم (ضياعهم خَ لَ) والتاجر عليه والصانع بيده، لا إلى الأخيرين فقط. وهذا الظهور ينشأ من التداخل الموجود بين الأخيرين والأوّلين، فإنّ أمتعتهم وصنائعهم هي غالباً نتيجة التجارة والصنع، فكأنّ السائل يستغرب من إطلاق أمتعتهم وصنائعهم أو عمومه، فيسأل عن خصوص التجارة والصنع، والإمام يقول: نعم فيما زاد على المؤونة.

والثانية: أنّ مناسبات الحكم والموضوع تقتضي رجوع استثناء المؤونة إلى ما يكون عادة بفرض تحصيل المؤونة، وهي الأمتعة التي تستحصل عن طريق التجارة، أو الصنع، أو قبول الهبة، أو الجائزة، أو الصدقة، وليس شيء من المهر، أو عوض الخلع بطبيعته كذلك، وأمّا عدم كون الإرث كذلك فأوضح.

وقد يستدلّ على عدم تعلّق الخمس بالإرث الذي يحتسب بالتعبير الوارد في صحيحة عليّ بن مهزيار المفصّلة: «والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن...»(2)، ولكن الظاهر أنّ هذا بصدد تعداد ما يلحق بغنيمة الحرب ممّا لا يستثنى منه المؤونة، فمفهومه لا ينفي الخمس عن ميراث ما يحتسب إلّا بهذا اللحاظ.


(1) الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 3.

(2) الوسائل، الباب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 5.

269

115 ـ والمقصود باستثناء المؤونة: استثناء مؤونة السنة(1) مخيّراً بين اختيار


(1) العمدة في البحث توضيح استثناء مؤونة المصرف للشخص وعياله.

أمّا مؤونة التحصيل فالظاهر أنّ استثناءها واضح; لأنّ ما يقابلها خارج تخصّصاً عن عنوان الفائدة، فلو تمّ عموم أو إطلاق في مثل موثّقة سماعة: «الخمس في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير»(1). فما يقابل مصرف التحصيل خارج موضوعاً عن هذا العموم أو الإطلاق.

فسواء تمّ إطلاق لأخبار استثناء المؤونة لمؤونة التحصيل أو لم يتمّ لم يهمّنا ذلك.

هذا، مضافاً إلى وضوح نظر بعض روايات استثناء المؤونة إلى مؤونة التحصيل بالذات.

وصحيح السند منها عبارة عن رواية عليّ بن مهزيار: «كتب إليه إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ: أقرأني عليّ كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع: أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة، وأنّه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك، فاختلف من قِبَلنا في ذلك، فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة مؤونة الضيعة وخراجها، لا مؤونة الرجل وعياله، فكتب وقرأه عليّ بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله، وبعد خراج السلطان»(2). بناءً على أنّ المقصود استثناء خراج السلطان باعتباره مصداقاً لما سأل عنه السائل بتعبير: «مؤونة الضيعة وخراجها».

وهناك روايات اُخرى أيضاً، إلّا أنّها غير نقيّة السند(3).

وعلى أيّ حال، فالدليل على استثناء مؤونة الصرف عدد من الروايات من قبيل:

1 ـ صحيحة عليّ بن مهزيار عن أبي عليّ بن راشد (وهو ثقة) التي ورد فيها: «إذا


(1) الوسائل ب 8 ممّا يجب فيه الخمس ح 6.

(2) المصدر نفسه، ح 4.

(3) راجع الوسائل، ب 8 ممّا يجب فيه الخمس، ح 2 و7.