12

ثانياً: البحث عن روايات الصحّة

بقي علينا ذكر الرواية التي يمكن أن يستدلّ بها على صحّة المعاطاة في النكاح، وهي رواية عبدالرحمن بن كثير عن أبيعبدالله (عليه ‏السلام) قال: «جاءت امرأة إلى عمر فقالت: إنّي زنيت فطهّرني، فأمر بها أن ترجم، فاُخبر بذلك أميرالمؤمنين (عليه ‏السلام) فقال: كيف زنيت؟ قالت: مررت بالبادية فأصابني عطش شديد، فاستقيت أعرابيّاً، فأبى أن يسقيني إلا أن اُمكّنه من نفسي، فلمّا أجهدني العطش وخفت على نفسي سقاني، فأمكنته من نفسي، فقال أميرالمؤمنين (عليه ‏السلام): تزويج وربّ الكعبة»(1).

ووجه الاستدلال بالرواية وضوح أنّه لم يكن شيء في المقام إلا المعاطاة، ومع ذلك حكم الإمام بأنّه نكاح.

ولكن الرواية ساقطة سنداً ودلالةً:

أمّا سنداً: فلأنّ الراوي المباشر هو عبدالرحمن بن كثير، وقد قال عنه النجاشيّ: «كان ضعيفاً غمز أصحابنا عليه، وقالوا: كان يضع الحديث»(2).

والراوي عن عبدالرحمن بن كثير هو عليّ بن حسّان بن كثير ابن أخي عبدالرحمن بن كثير، وقد قال عنه النجاشيّ: «ضعيف جدّاً، ذكره بعض أصحابنا في الغلاة، فاسد الاعتقاد، له كتاب تفسير الباطن تخليط كلّه»(3).

وأمّا دلالة: فلوضوح مورده في الزنى الصريح؛ فإنّ الفرق بين الزنا والنكاح ليس هو وجود العوض وعدمه حتّى يفترض أنّ كون سقي الماء عوضاً في القصّة أخرجها عن الزنى، فما أكثر الزنى الذي يكون بعوض، وإنّما الفرق بينهما هو إبراز إنشاء العقد ولو بالمعاطاة ـ لو صحّت شرعاًـ ومن الواضح أنّ الأعرابي لم يكن يقصد الزواج، وإنّما كان يقصد اغتصابها إكراهاً.

أقول: ومن المحتمل أن تكون هذه الرواية تحريفاً من قبل الوضّاعين لقصّة مشابهة، وهي التي وردت في مرسلة عمرو بن سعيد عن بعض أصحابنا قال: «أتت امرأة إلى عمر فقالت: يا أميرالمؤمنين إنّي فجرت فأقم فيّ حدّ الله، فأمر برجمها وكان عليّ (عليه ‏السلام) حاضراً فقال له: «سلها كيف فجرت؟» قالت: كنت في فلاة من الأرض فأصابني عطش شديد فرفعت لي خيمة فأتيتها فأصبت فيها رجلاً أعرابيّاً، فسألته الماء فأبى عليّ أن يسقيني إلا أن اُمكّنه من نفسي فولّيت منه هاربة، فاشتدّ بي العطش حتّى غارت عيناي وذهب لساني، فلمّا بلغ منّي أتيته فسقاني ووقع عليّ، فقال له عليّ (عليه ‏السلام): «هذه التي قال الله عزّوجلّ: ﴿فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ﴾(4)، هذه غير باغية ولا عادية إليه فخلّى سبيلها» فقال عمر: «لولا عليّ لهلك عمر»(5).

وتشبه هذه الرواية مرسلة الإرشاد عن العامّة والخاصّة(6).


(1) المصدر السابق: 50، ب 21 من المتعة، ح 8.
(2) رجال النجاشي: 251، رقم [621].
(3) المصدر السابق.
(4) البقرة: 173. الأنعام: 145. النحل: 115.
(5) الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، الوسائل، 28: 112، ب 18 من حدّ الزنى، ح 7.
(6) المصدر السابق: ح 8.