196

شخص صلاة الآيات إذا كسفت الشمس، أو خسف القمر بالنسبة إلى غيره من أبناء البلاد الاُخرى، أو زلزلت بهم الأرض.

وأمّا السبب الرابع فهو مرتبط بأن تكون الحادثة مثيرةً للخوف لغالب الناس، فإذا لم تكن الحادثة السماويّة كذلك لم تجب صلاة الآيات. ولا نريد بالخوف هنا حصول الشكّ للإنسان في سلامة العالم أو سلامة البلد، بل نريد به حالة القلق والوحشة النفسيّة، سواء رافقها الشكّ في السلامة، أم لا.

وإذا حصل السبب الرابع وحدثت الآية السماويّة المخوفة في بلد دون بلد وجبت الصلاة على أهل ذلك البلد الذي حدثت فيه الآية، ويلحق بهم البلد المجاور لهم، أو المناطق القريبة المحيطة إذا كان الخوف العامّ والقلق الغالب قد امتدّ إليها دون غيرها من المناطق والبلاد.

(4) ويتكرّر وجوب صلاة الآيات بتكرّر السبب الموجب، فإذا كسفت الشمس وحدثت صاعقة مخيفة في وقت واحد وجب تكرار صلاة الآيات مرّتين، والأجدر بالمصلّي حينئذ وجوباً أن يقصد بكلّ صلاة سببها الخاصّ، فينوي بإحداهما الصلاة من أجل الكسوف، وبالاُخرى الصلاة من أجل الصاعقة، وهكذا.

صورة صلاة الآيات:

(5) تتألّف هذه الصلاة بمجموعها من ركعتين، وكلّ ركعة تشتمل على خمسة ركوعات وسجدتين، وذلك على النحو التالي:

يكبّر المصلّي ناوياً أنّه يصلّي صلاة الآيات قربةً إلى الله تعالى، ثمّ يقرأ الحمد (فاتحة الكتاب) وسورةً، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه ويقرأ الحمد وسورةً، ثمّ يركع،

197

وهكذا يكرّر ذلك حتّى يتمّ خمسة ركوعات، فإذا رفع رأسه من الركوع الخامس وانتصب قائماً هوى إلى السجود فسجد سجدتين، ثمّ يقوم ويأتي بالركعة الثانية كالاُولى تماماً، ثمّ يتشهّد ويسلّم.

وهناك صورة مخفّفة لصلاة الآيات نتركها للاختصار(1).

(6) وتخضع صلاة الآيات لنفس الشروط العامّة التي يجب توفّرها في كلّ صلاة فريضة من استقبال القبلة والتستّر وغيرها.

وقتها:

(7) صلاة الكسوفين ـ أي صلاة الكسوف وصلاة الخسوف ـ مؤقّتة، ويمتدّ وقتها من الشروع في الحادث إلى تمام الانجلاء، ولا بأس بإيقاع شيء يسير منها بعد تمام الانجلاء، وعليه تجوز المبادرة إلى هذه الصلاة بابتداء الكسوف والخسوف، وتتضايق كلّما أوشك الانجلاء على التمام، والأولى الشروع في الصلاة من حين الحدوث، ولا يجوز للمكلّف أن يؤخّرها إلى أن لا يبقى من وقتها إلّا ما يتّسع لركعة واحدة فقط، ولكن لو فعل ذلك آثماً أو معذوراً وجبت عليه المبادرة فوراً، ويدرك حينئذ وقتها بإدراك ركعة منه، كالصلاة اليوميّة.

(8) والصلاة للأخاويف السماويّة مؤقّتة بمدّة تواجد تلك الحادثة السماويّة المخيفة، وإذا كان زمان الحادثة قصيراً جدّاً على نحو لا يسع للإتيان بالصلاة ضمنه وجب الإتيان بها على الأحوط وإن اضطرّ إلى إيقاع قسم من الصلاة بعد انتهاء الآية.



(1) للوقوف على الكيفيّة المخفّفة لصلاة الآيات راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 493 ـ 495 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، الفقرة: (195) ـ (197) مع مراعاة الهوامش.

198

نعم، لو كانت مدّة الآية قصيرةً إلى حدٍّ لا يمكن وقوع جزء من الصلاة فيها أيضاً لاحتياجها في العادة إلى مقدّمات التطهير مثلاً، أو لكون مدّة الآية لحظةً أو لحظتين ـ مثلاً ـ لم تجب الصلاة، وإذا كان زمانها طويلا يتّسع لصلوات متعدّدة لم تجب المبادرة لحظةَ وقوع الحادثة، وإن كان ذلك أولى وأحسن.

(9) وأمّا صلاة الزلزال فالأجدر بالمكلّف وجوباً واحتياطاً أن يبادر إليها عند حصول الزلزلة، فإذا لم يبادر إلى ذلك معذوراً أو آثماً إلى أن مرّ زمن لم تعد الصلاة فيه صلاةً عقيب الزلزلة عرفاً إذا حصل ذلك فالأجدر بالمكلّف وجوباً واحتياطاً أن يصلّي صلاة الزلزلة أيضاً ناوياً الخروج عن العهدة، دون أن يعيّن الأداء أو القضاء، وتجب عليه حينئذ المبادرة.

وقد تسأل: بالنسبة إلى صلاة الكسوفين ـ الكسوف والخسوف ـ وصلاة الأخاويف السماويّة بعد أن مرّ بنا أنّها مؤقّتة وتقول: إذا اتّسع وقت الكسوفين أو وقت الظلمة السماويّة للصلاة ولم يصلّ المكلّف فهل يجب عليه القضاء، أو لا شيء عليه؟

والجواب: أنّه يجب قضاء صلاة الكسوف والخسوف، إلّا إذا كان الانكساف ناقصاً ولم يطّلع عليها المكلّف إلّا بعد تمام الانجلاء، والأحوط الإتيان بالصلاة للآيات الاُخرى بعد انتهائها من دون نيّة القضاء والأداء ومع المبادرة العرفيّة كي يصدق عرفاً انتسابها إلى تلك الآية، وإذا حصل التأخير المديد عذراً أو عصياناً بقي القضاء موسّعاً.

199

صلاة العيدين: الفطر والأضحى

(1) للمسلمين عيدان كبيران من أهمّ أعياد الإسلام، هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بصلاة خاصّة في هذين العيدين تسمّى بصلاة العيد.

ويجب الحضور لإقامتها إذا أقامها جماعة السلطان العادل أو من يمثّله. وفي غير هذه الحالة تستحبّ، وفي حالة الاستحباب يجوز أن يؤدّيها الإنسان بصورة منفردة (فرادى)، كما يجوز أن يؤدّيها ضمن صلاة الجماعة، ويُستحبّ أداؤها جماعة.

وإذا اُقيمت جماعةً فلا يشترط عدد خاصّ في الجماعة، كما لا مانع من تعدّدها ولو في أماكن متقاربة، خلافاً لصلاة الجمعة.

والمسافر الذي يقصّر صلاته لاتجب عليه صلاة العيد في أيّ حال من الأحوال، سواء أقامها السلطان العادل أو من يُمثّله أم لا، ولكنّها مستحبّة منه؛ ويحسن به أداؤها على أيّ حال(1).

كيفيّتها:

(2) وصلاة العيد ركعتان، كصلاة الصبح، ولكن يضاف في صلاة العيد إلى ذلك أشياء.

والصورة الفضلى لأداء صلاة العيد: أن يكبّر المصلّي في الركعة الاُولى بعد القراءة



(1) وعلى هذا الأساس لا تعتبر صلاة العيد من الصلوات التي تقصّر بالسفر؛ لأنّ القصر يعني تخفيف الصلاة، كما في صلوات الظهر والعصر والعشاء؛ إذ تصبح ركعتين، أو عدم كونها مطلوبةً ومشروعةً رأساً، كما في نوافل الظهر والعصر.

200

ـ أي بعد الفاتحة والسورة التي عقيبها ـ خمس تكبيرات، ويقنت عقيب كلّ تكبيرة،فيدعو الله ويمجّده بما يحسن، ثمّ يكبّر بعد القنوت الخامس مقدّمةً للهوي إلى الركوع، وبعد ذلك يركع ويواصل ركعته، ثمّ ينهض للركعة الثانية، وبعد القراءة من الركعة الثانية يكبّر أربع تكبيرات، ويقنت بعد كلّ تكبيرة، ثمّ يكبّر بعد ذلك مقدّمةً للهوي إلى الركوع، فيركع ويواصل ركعته إلى أن يفرغ من صلاته.

وقد ذكر السيّد الشهيد(قدس سره) في الفتاوى الواضحة: «وعلى المصلّي في القنوت الأخير من كلّ ركعة أن يأتي به باحتمال كونه مطلوباً شرعاً» يعني: أن لا يأتي بالقنوت بعد التكبير الخامس في الركعة الاُولى والرابع في الثانية بنيّة الورود، ولكن لا يبعد لدينا ثبوت استحبابه.

(3) ويجوز للمصلّي أن يقتصر على ثلاث تكبيرات في كلٍّ من الركعتين بعد القراءة، ويقنت عقيب كلّ واحدة من التكبيرات الثلاث قنوتاً على ما تقدّم.

(4) ويستحبّ إذا اُقيمت صلاة العيد جماعةً أن يخطب الإمام بعد الصلاة بخطبتين، يفصل بينهما بجلسة خفيفة، كما سيأتي في خطبة صلاة الجمعة.

(5) وإذا صلّى الإنسان صلاة العيد مأموماً سقطت عنه قراءة الفاتحة والسورة، وبقي عليه سائر الأشياء.

(6) ليس في هذه الصلاة أذان ولا إقامة، بل يستحبّ أن يقول المؤذّن لها: «الصلاة» يكّرر ذلك ثلاث مرّات(1).



(1) ولمعرفة باقي أحكام وآداب صلاة العيدين راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 499 ـ 500 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، مع مراعاة الهامش.

201

صلاة الطواف

وهي الصلاة التي يصلّيها الإنسان بعد إنهاء طوافه حول الكعبة الشريفة. وصورتها ركعتان كصلاة الصبح، ولكنّه مخيّر في قراءتها بين الجهر والإخفات. وقد شرحت أحكامها مفصّلاً في كتاب مناسك الحجّ، وكتاب مسائل في الحجّ والعمرة، ونترك التعرّض لها في المقام للاختصار.

203

 

 

 

 

صلاة الجمعة

(1) وهي من أهمّ شعائر الإسلام، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون﴾(1).

وتحتلّ صلاة الجمعة موضع صلاة الظهر ضمن تفصيلات. وقد ميّز الله سبحانه وتعالى صلاة الجمعة عن سائر الصلوات اليوميّة ـ على ما يأتي ـ بأن أوجب أداءها ضمن صلاة جماعة، وأمر بتوحيدها في كلّ منطقة، ولم يسمح بالتأخّر عن حضورها إذا اُقيمت إلّا لأعذار خاصّة. وبذلك كانت صلاة الجمعة تعبّر عن اجتماع اُسبوعي موسّع لعامّة المصلّين والمؤمنين، يبدأ بالموعظة والتثقيف ضمن خطبتي صلاة الجمعة، وينتهي بالعبادة والتوجّه إلى الله ضمن الصلاة نفسها.

وصورتها ركعتان، كصلاة الصبح تماماً، إلّا أنّ المصلّي ينوي بها أنّه يصلّي صلاة الجمعة قربةً إلى الله تعالى. وتتميّز عن صلاة الصبح بأنّ من المستحبّ فيها قنوتين: أحدهما قبل الركوع من الركعة الاُولى، والآخر بعد الركوع من الركعة الثانية. ولا تقع صلاة الجمعة صحيحةً إلّا إذا اُدّيَت بالشروط التالية:

 

شروط صلاة الجمعة:

(2) أوّلاً: أن تؤدّى جماعةً. وعلى هذا الأساس يجب أن يتوفّر في صلاة الجمعة


(1) الجمعة: 9.
204

ـ لكي تقع صحيحةً ـ كلّ ما هو شرط لصحّة صلاة الجماعة.

(3) ثانياً: أن لا يقلّ عدد المشتركين في جماعة الجمعة عن خمسة أحدهم الإمام.

(4) ثالثاً: أن تسبقها خطبتان من قِبل إمام صلاة الجمعة، وذلك بأن يقوم الإمام خطيباً، فيحمد الله ويثني عليه، ويوصي بتقوى الله، ويقرأ سورةً من الكتاب العزيز، وبعد ذلك يجلس قليلاً، ثمّ يقوم خطيباً مرّةً ثانية، فيحمد الله ويثني عليه، ويصلّي على محمّد(صلى الله عليه وآله) وعلى أئمّة المسلمين(عليهم السلام). وبعد ذلك يبدأ بالصلاة.

ويجب على الإمام في الخطبتين أن يرفع صوته على نحو يسمعه عدد من المأمومين.

ولا يجب أن يكون غير القرآن من عناصر الخطبة باللغة العربيّة وإن كان ذلك أحوط استحباباً. وإذا كان المأمومون لا يفهمون اللغة العربيّة فعلى الإمام أن يعظهم باللغة التي يفهمونها.

(5) رابعاً: أن لا تكون قد اُقيمت صلاة جمعة اُخرى في مكان آخر قريب من تلك الصلاة. ونريد بالمكان القريب هنا: ما كانت المسافة فيه بين المكانين أقلّ من فرسخ(1).

فنحن لا نفتي بصحّة صلاة الجمعة إلّا إذا خلت بركعتيها وخطبتيها عن المزاحمة في الفاصل المطلوب بجمعة اُخرى بركعتيها وخطبتيها تماماً، فلو اشتركتا ولو بجزء من



(1) لو بنينا على ما نقله صاحب كتاب الأوزان والمقادير في الصفحة (132) من كتابه من أنّ الميل ـ وهو ثلث الفرسخ، وهو التعبير الوارد في روايات الباب، حيث حدّدت الفاصل بين صلاتي الجمعة بثلاثة أميال ـ يساوي أربعة آلاف ذراع، وبنينا على ما ادّعاه صاحب كتاب الأوزان والمقادير في الصفحة (56) من كتابه من أنّ الذراع بحسب تجربته يساوي (46) سنتيمتراً ونصف فالميل يساوي (1860) متراً، والفرسخ يساوي (5580) متراً، أي أنّه يساوي خمسة كيلومترات ونصفاً وثمانين متراً.

أقول: إنّ تقريب الميل أو الفرسخ بتقريب الكيلومترات لا يثبت لنا إلّا بأمر تقريبي لا بأمر دقّي.

205

ذلك لم نفتِ بصحّة هذه ولا تلك، ولو تأخّرت إحداهما عن الاُخرى تماماً أفتينابصحّة الاُولى دون الثانية، نعم، إذا كانت إحدى الصلاتين باطلةً ـ على أيّ حال ـ حتّى ولو كانت وحدها لسبب من الأسباب فلا تضرّ بالصلاة الاُخرى حينئذ.

وإذا تقارنت صلاتا جمعة في مكانين متقاربين دون أن يعلم جماعة كلٍّ من الصلاتين بالصلاة الاُخرى وانتهتا في وقت واحد فكلتا الصلاتين صحيحة. وكذلك إذا بدأت إحداهما بعد ابتداء الاُخرى بدون علم وانتهتا معاً في وقت واحد.

حكم صلاة الجمعة:

(6) تجب إقامة صلاة الجمعة وجوباً حتميّاً في حالة وجود سلطان عادل متمثّلاً في الإمام، أو فيمن يمثّله.

ويراد بالسلطان العادل: الشخص أو الأشخاص الذين يمارسون السلطة فعلاً بصورة مشروعة، ويقيمون العدل بين الرعيّة. وهذا الحكم الأوّل لصلاة الجمعة يعبّر عنه بـ «الوجوب التعييني لإقامة صلاة الجمعة».

(7) وأمّا في حالة عدم توفّر السلطان العادل فصلاة الجمعة واجبة أيضاً، ولكنّها تجب على وجه التخيير، وذلك أنّ المكلّفين في هذه الحالة يجب عليهم أن يؤدّوا الفريضة في ظهر يوم الجمعة: إمّا بإقامة صلاة الجمعة جماعةً على نحو تتوفّر فيها الشروط السابقة، وإمّا بالإتيان بصلاة الظهر. وأ يّهما أتى به المكلّف أجزأه وكفاه، غير أنّ إقامة صلاة الجمعة أفضل وأكثر ثواباً، وهذا هو الحكم الثاني لصلاة الجمعة، ويعبَّر عنه بـ «الوجوب التخييريّ لإقامة صلاة الجمعة»(1).



(1) كما أنّ حضورها حينئذ واجب على وجه التخيير أيضاً، ويعبّر عن هذا الحكم بـ «الوجوب التخييريّ لحضور صلاة الجمعة».

206

(8) وإن أقام السلطان العادل أو من يمثّله صلاة الجمعة واجدةً للشرائط وجب على سبيل الحتم والتعيين على المكلّفين عموماً الحضور والاشتراك في صلاة الجمعة؛ لأنّ إقامتها نداء لصلاة الجمعة، وإذا نودي لصلاة الجمعة وجب السعي إلى ذكر الله، وهذا هو الحكم الثالث لصلاة الجمعة، ويعبّر عنه بـ «الوجوب التعييني لحضور صلاة الجمعة».

وكما يجب حضور الصلاة وفقاً للحكم الثالث المتقدّم كذلك يجب حضور الخطبتين والإصغاء عند الحضور أيضاً، ولو تقاعس شخص عن السعي إلى صلاة الجمعة ففاتته الخطبة وأدرك الصلاة صحّت منه.

(9) وإذا فاتت الإنسان صلاة الجمعة فلا يسمح له بإقامتها ثانيةً، حتّى ولو كان وقتها باقياً، بل يتعيّن عليه أن يأتي بصلاة الظهر.

وهناك استثناءات من وجوب حضور صلاة الجمعة وأيضاً فروع اُخرى تركناها للاختصار(1).



(1) للوقوف عليها راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 421 ـ 422 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة الهوامش.

207

الصيام

يجب الصيام في حالات معيّنة، أهمّها: شهر رمضان المبارك، فإنّ الصيام في هذا الشهر من أهمّ واجبات الشريعة، وأحد الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام.

ويعتبر هذا الواجب من ضروريّات الدين ـ أي من البديهيّات الدينيّة ـ فمن أنكره تحدّياً وتمرّداً كان كافراً، ومن أقرّ بالوجوب ولكنّه عصاه وأفطر بدون عذر شرعيّ كان آثماً، وهو جدير بالتأديب في الدنيا (التعزير) والعقاب في الآخرة ما لم يتب.

الصيام في شهر رمضان(1)

متى يجب صيام رمضان؟

يجب صيام شهر رمضان على كلّ إنسان تتوفّر فيه الشروط التالية:

(1) الأوّل: البلوغ، وهو أحد الشروط العامّة للتكليف(2) فلا يجب الصيام على غير البالغ، ولكن إذا صام فهو مأجور، وإذا طلع عليه الفجر وهو غير بالغ فلا يكلّف بالصيام.



(1) تركنا التعرّض لأحكام الصيام في غير شهر رمضان للاختصار.

(2) للوقوف على الشروط العامّة للتكليف وتفاصيلها راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 136 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ فما بعد، مع مراعاة هامش سماحة السيد الحائري دام ظلّه.

208

(2) الثاني: العقل، وهو أيضاً من الشروط العامّة للتكليف، فلا يجب الصيام على المجنون، ولكي يجب الصيام لابدّ أن يستمرّ بالإنسان عقله ورشده إلى نهاية النهار، فلو فقد عقله في جزء منه فليس صيام ذلك النهار واجباً عليه.

(3) الثالث: أن لا يصاب المكلّف بالإغماء قبل أن ينوي الصيام، فإذا فاجأه الإغماء قبل أن ينوي صيام النهار المقبل واستمرّ به الإغماء إلى أن طلع عليه الفجر فلا يجب عليه صيام ذلك اليوم، حتّى ولو أفاق صباحاً أو ظهراً وانتبه إلى نفسه.

وأمّا إذا نوى المكلّف الصيام في النهار المقبل ثمّ اُغمي عليه بعد النيّة وأفاق في أثناء النهار فعليه أن يواصل صيامه ويحتسب من الصيام الواجب، وكذلك إذا أصبح صائماً واُغمي عليه في أثناء النهار ساعةً أو أكثر ثمّ أفاق فإنّه يبقى على صيامه ويحتسب من الصيام الواجب.

(4) الرابع: أن تكون المرأة نقيّة من دم الحيض والنفاس طيلة النهار. وإذا صامت المرأة وهي غير نقيّة ولو في جزء من النهار لم يكن صيامها مطلوباً، ولا يعفيها من القضاء.

(5) الخامس: الأمن من الضرر، فإذا لم يكن المكلّف آمناً من الضرر بسبب الصوم فلا يجب عليه الصيام، فمن يخشى أن يصاب بمرض من أجل الصوم، ومن كان مريضاً ويخشى أن يطول به المرض أو يشتدّ أو يصاب بمرض آخر بسبب الصوم، ومن كان مريضاً وأجهده المرض وأضعفه فأصبح يعاني صعوبةً ومشقّةً شديدةً في الصيام كلّ هؤلاء يسوغ لهم الإفطار، ولا يجب عليهم الصيام.

ولكن ليس كلّ ضرر صحّيّ وكلّ مرض ينشأ من الصوم يسوّغ الإفطار ويعفي المكلّف من وجوب الصيام، فالصيام إذا كان يسبّب صداعاً بسيطاً، أو التهاباً جزئياً

209

في اللوزتين أو العين أو الاُذن فلا يسوغ الإفطار بسبب شيء من هذا القبيل ممّا لا يراه الناس عادةً مانعاً عن ممارسة مهامّهم، وإنّما يسقط الوجوب إذا كان الصيام يسبّب صداعاً شديداً، أو حمّىً عاليةً(والحمّى حتّى إذا كانت خفيفة فهي تكشف عادة عن التهاب شديد يهتمّ به الإنسان العرفيّ، فإذا كانت كذلك أوجبت الإفطار)، أو التهاباً معتدّاً به بدرجة يهتمّ العقلاء بالتحفظّ منها عادةً، والشدّة نفسها أمر نسبي في الأشخاص، فالإنسان المتداعي صحّيّاً قد تكون الحمّى البسيطة شديدةً بالنسبة إليه ومثيرةً لمتاعب صحّيّة كبيرة عنده(1).

(6) وإذا كان الإنسان مريضاً ولكنّ الصيام لا يضرّه ولا يعيق شفاءه ولايشقّ عليه مشقّةً شديدةً فعليه أن يصوم.

(7) والمكلّف تارةً يتأكّد من الضرر الصحّي، واُخرى يظنّ بوقوعه، وثالثةً يحتمل ذلك كما يحتمل عدم وقوعه على السواء، ورابعةً يحتمل الضرر الصحّي بدرجة أقلّ من خمسين بالمئة، ولكنّها درجة تبعث في النفس الخوف والتوجّس، كما إذا خشي على عينه من الرمد أو العمى واحتمل ذلك بدرجة ثلاثين بالمئة مثلا، وخامسةً يحتمل الضرر الصحّي بدرجة ضئيلة لا تبعث في النفس خوفاً وتوجّساً، ففي الحالات الأربع الاُولى يسوغ الإفطار، وفي الحالة الخامسة لا يسوغ ويجب الصيام.

(8) وفي الحالات التي يسوغ فيها الإفطار إذا لم يأخذ المكلّف بهذه الرخصة وصام موطّناً نفسه على المرض وتحمّل الضرر الصحّي، فصيامه غير مقبول ولا يعفيه من القضاء.



(1) لمعرفة حكم المريض الذي لا يجب عليه الصوم من ناحية القضاء والفدية راجع فصل الكفّارات وفصل صيام قضاء شهر رمضان من كتاب الفتاوى الواضحة.

210

(9) وإذا صام باعتقاد عدم الضرر واطمئناناً بالسلامة، ثمّ اتّضح له بعد إكمال الصيام أنّه كان على خطأ وأنّ الصوم أضرّ به، فعليه أن يقضي ولا يكتفي بذلك الصوم.

(10) وإذا صام وهو معتقد للضرر، وتبيّن له بعد ذلك أنّه كان مخطئاً في اعتقاده وأنّ الصيام لم يضرّه، قُبل منه هذا الصوم وعفاه من القضاء بشرطين:

أحدهما: أن لا يكون الضرر الذي اعتقده أوّلا من الأضرار الخطيرة التي يحرم على كلّ مكلف أن يوقع نفسه فيها ويعاقب عليها، كالسرطان والسلّ والشلل والعمى والإقعاد ونحو ذلك.

والآخر: أن يكون الصيام الذي وقع منه لأجل الله سبحانه وتعالى، أي أن تتوفّر لديه نيّة القربة، كما إذا كان جاهلا بأنّ المريض لا يطلب منه الصيام فصام من أجل الله حقّاً وهو معتقد للمرض والضرر، وأمّا إذا كان يعلم بأنّ المريض لا يطلب منه الصيام فلا يمكنه أن ينوي القربة وهو يرى نفسه مريضاً.

(11) وإذا طلع الفجر على الإنسان وهو مريض مرضاً لا يجب معه الصيام، ولكنّه لم يتناول مفطراً بسبب نوم ونحوه وعوفي في أثناء النهار، فهل يجب عليه أن يواصل إمساكه ويعتبره كاملا؟

والجواب: أنّ هذا يجب عليه أن يواصل إمساكه ويقضيه بعد ذلك، وتستثنى من ذلك حالة واحدة لا يجب فيها الإمساك، وهي: أن يكون مرضه قد تطلّب منه في الساعات الاُولى من النهار التي كان فيها مريضاً أن يفطر في ذلك الوقت بتناول دواء ـ مثلا ـ أو نحو ذلك، غير أنّه تماهل ولم يتناول حتّى شفي من مرضه، ففي هذه الحالة لا يجب عليه أن يواصل إمساكه، وله أن يأكل ويشرب في ذلك اليوم حتّى بعد العافية.

211

(12) وإذا وجد الإنسان نفسه صحيحاً ولكن طبيباً ثقةً في قوله وماهراً في فنّه فحصه وأخبره بأنّ الصوم يضرّه ضرراً لا يجب معه الصيام ولكنّه لم يبعث في نفسه الخوف والقلق لما يجد في حالته الصحّيّة من عافية، فجواز الإفطار في هذه الحالة مشكل.

(13) وقد يجد الإنسان نفسه متداعياً صحّيّاً ويخاف أن يضرّه الصوم، ولكنّ الطبيب يخبره بأنّه لا ضرر عليه من الصيام فهل يأخذ بقوله ويصوم، أو يعمل وفقاً لشعوره وتخوّفه الخاصّ؟

والجواب: أنّه يعمل وفقاً لشعوره وتخوّفه الخاصّ ما لم يكن هذا الشعور والتخوّف ناشئاً من شذوذ ووسوسة، كما هو الغالب في من يخشى الضرر مع تأكيد الطبيب الثقة الماهر له على عدم الضرر.

(14) السادس: أن لا يكون الصيام محرجاً له وموقعاً له في مشقّة شديدةوأمام مشكلة حياتيّة، من قبيل الإنسان الذي يمنعه الصيام عن ممارسة عمله الذي يرتزق منه: إمّا لأنّه يسبّب له ضعفاً لا يطيق معه العمل، وإمّا لأنّه يعرّضه لعطش لا يطيق معه الإمساك عن الماء، أو لغير ذلك، ففي هذه الحالة إذا كان بإمكان الفرد بصورة غير محرجة أن يُبدِل عمله أو يؤجّله مع الاعتماد في رزقه فعلاً على مال موفّر أو دين أو نحو هذا وجب عليه ذلك لكي يصوم، وإلّا سقط عنه وجوب الصوم، والأحوط وجوباً أن لا يسمح لنفسه بأن يأكل ويشرب ويمارس ما يمارسه المفطر كيفما يشاء، بل يقتصر على الحدّ الأدنى الذي يفرضه عليه عمله ويدفع به الحرج والمشقّة عن نفسه، ثمّ يقضيه بعد ذلك إذا تيسّر له.

(15) السابع: أن لا يكون ممّن وجب عليه التقصير في صلاته من أجل السفر،

212

فكلّ مسافر وجب عليه أن يقصّر الصلاة لا يجب عليه الصيام، ولو صام والحالة هذه كان عبثاً، ولا يعفيه من القضاء إلّا في حالة واحدة، وهي: أن يصوم جهلاً منه بأنّ المسافر لا صيام عليه، فيقبل منه صيامه حينئذ إذا لم يطّلع في أثناء النهار على الحكم الشرعي بأنّ المسافر لا يكلّف بالصيام، وأمّا إذا اطّلع في الأثناء على هذا وواصل صيامه على الرغم من ذلك فصيامه باطل.

فالصيام إذن يجب على الحاضر المتواجد في بلدته، وكذلك على المسافر الذي لا يجب عليه التقصير في الصلاة، كالمقيم عشرة أيّام، ومن كان عمله السفر، ومن سافر سفر المعصية، ومن مضى عليه ثلاثون يوماً وهو متردّد في مكان ما.

(16) ويسمح للمكلّف قبل حلول شهر رمضان أو بعد حلوله أن يسافر ولو بدون ضرورة، أو حبّاً في التخلّص من الصيام فإنّ ذلك جائز وإن كان يضيّع على المكلّف أجراً عظيماً.

(17) وإذا طلع الفجر على الإنسان وهو حاضر ثمّ سافر في أثناء النهار: فإذا سافر وخرج من البلد قبل الظهر فلا يجب عليه صيام ذلك اليوم، بل عليه القضاء بعد ذلك، سواء كان قد اتّخذ قراراً بالسفر من الليل أو اتّخذه بعد طلوع الفجر، وسواء كان حين حلّ عليه الظهر قد ابتعد عن بلده كثيراً أو لا يزال على مقربة منه، بمعنى: أنّ مبدأ المسافة الذي لابدّ أن يخرج منه قبل الظهر هو البلد لا حدّ الترخّص، وإن كان يجب عليه لأجل الإفطار أن ينتظر الوصول لحدّ الترخّص. وإذا سافر وخرج من البلد بعد الظهر فصيام ذلك اليوم واجب وعليه أن يواصله.

(18) وإذا انعكس الأمر وطلع عليه الفجر وهو مسافر ثمّ وصل إلى بلدته أو بلدة قرّر البقاء فيها عشرة أيّام فماذا يصنع؟

213

والجواب: إذا كان هذا المسافر قد أفطر قبل الوصول إلى بلدته(1) فلا صيام له ويستمرّ على إفطاره ويقضيه بعد ذلك، وإذا لم يكن قد أفطر قبل الدخول فينظر: فإن كان دخوله قبل الظهر وجب عليه أن ينوي الصيام ويصوم ويحتسب له من الصيام الواجب، وإن كان دخوله إلى البلدة بعد الظهر فلا صيام له، وله أن يفطر، وعليه أن يقضيه بعد ذلك.

وإذا طلع الفجر على المكلّف وهو في بلدته ثمّ سافر صباحاً ورجع قبل الظهر من نفس اليوم فالأجدر به وجوباً أن ينوي ويصوم، ثمّ يحتاط وجوباً بعد ذلك بالقضاء أيضاً.

(19) وفي كلّ الحالات التي يطرأ فيها على المكلّف أثناء النهار ما يعفيه من الصوم ـ من حيض أو نفاس أو مرض أو سفر ونحو ذلك ـ إذا افترضنا أنّ المكلّف علم سابقاً بأنّ هذا الطارئ سوف يحدث في أثناء النهار فهل يمكنه أن يفطر قبل ذلك ويتناول الطعام والشراب مادام يعلم أنّ صيام ذلك اليوم لن يتمّ له؟

والجواب: أنّ ذلك لا يجوز، بل يجب أن ينوي ويصوم عند طلوع الفجر، ويبقى صائماً إلى أن يطرأ ما يعفيه من الصيام، فلو علمت المرأة بأنّها ستحيض بعد ساعة من النهار لم يجزْ لها أن تأكل في النهار قبلَ أن تحيض، وإذا علم المكلّف بأنّه سيسافر قبل الظهر فلا يسوغ له أن يفطر إلّا بعد خروجه من بلده وابتعاده عنه بمسافة لا تُتيح له أن يرى من يقف في نهاية البلد ولا أن يراه ذلك.

(20) الثامن: أن لا يكون المكلّف قد اُصيب بشيخوخة أضعفته عن الصيام، ويشمل ذلك من بلغ السبعين من الرجال والنساء وكانت شيخوختهم سبباً في ضعفهم وصعوبة الصوم عليهم، فهؤلاء معفوّون عن الصيام، ولكن يدفعون الفدية على الأحوط



(1) بالنسبة للوصول إلى بلدته يكفي الوصول إلى حدّ الترخّص.

214

وجوباً، فإن أحبّوا أن يصوموا برجاء القبول ومع ذلك يلتزمون بدفع الفدية فلا بأسبذلك، والفدية: ثلاثة أرباع الكيلو من الحنطة أو الخبز، أو غير ذلك من الطعام عن كلّ يوم يفطرون فيه من شهر رمضان يدفعونها إلى بعض الفقراء، وليس عليهم أن يقضوا تلك الأيّام. وإذا بلغ ضعف هؤلاء إلى درجة عجزوا معها عن الصيام وتعذّر عليهم نهائيّاً، أو كان مضرّاً ضرراً صحّيّاً فأيضاً الأحوط وجوباً هو أن يدفعوا الفدية.

(21) التاسع: أن لا يكن مصاباً بداء العطش، وهو من يسمّى بذي العطاش الذي يُمنى بحالة مرضيّة تجعله يشعر بعطش شديد فيشرب الماء ولا يرتوي، وكلّ من اُصيب بهذه الحالة وكان يعاني مشقّةً وصعوبةً في الصيام من أجل ذلك فالأحوط وجوباً تعيّن الفدية عليه، ولو أراد أن يصوم رجاءً ويجمع بين الصوم والفدية فلا بأس بذلك، وكذلك الأحوط وجوباً أن يدفع الفدية في ما إذا بلغت به المشقّة إلى درجة يتعذّر معها الصيام نهائيّاً.

(22) العاشر: أن لا تكون المرأة حاملاً مقرباً ويضرّ الصوم بحملها أو بنفسها بسبب الحمل، فإن كانت كذلك جاز لها الإفطار، وعوّضت بالفدية المذكورة آنفاً عن كلّ يوم وعليها القضاء بعد ذلك، وأمّا إذا كان الصوم مضرّاً بصحّة المرأة الحامل لا بسبب الحمل فهذا معناه عدم توفّر الشرط الخامس من شروط الوجوب التي تقدّمت، فلها أن تفطر ولا فدية عليها.

ومثل المرأة الحامل المرأة المرضِعة، فإذا كان صيامها مضرّاً بالولد ويسبّب قلّة غذائه فلها أن تفطر وتعوّض بالفدية ثمّ تقضي. ولا يشمل حكم المرأة المرضعة هذا من كان بإمكانها أن ترضع ولدها من غير حليبها، أو من الحليب المعلّب إذا لم يتضرّر الوليد الرضيع بذلك.

وإذا كان صيامها مضرّاً بها لا بسبب الرضاع أفطرت ولا فدية عليها.

215

واجباتُ الصيام:

يجب على الصائم في شهر رمضان ما يلي:

النيّة:

(23) أوّلا: النيّة، بأن ينوي الالتزام بواجبات الصيام والاجتناب عن مفطراته قربةً إلى الله تعالى، وبعبارة موجزة: أن ينوي الصيام قربةً إلى الله، ويحرم ويبطل بالرياء، كما هي الحالة في كلّ عبادة أيضاً(1).

ويكفي في نيّة القربة أن يكون في نفس المكلّف باعث ودافع إلهي يمنعه عن الطعام والشراب ونحوهما في ما إذا لم يكن نائماً ولا غافلا ولا عزوفاً ، فالنائم والغافل والعزوف إذا عرف من نفسه أنّه حتّى لو لم ينم ولم يغفل ولم يكن عزوفاً لا يأكل ولا يشرب من أجل الله تعالى كفاه ذلك في نيّة الصوم.

(24) ويكفي الصائم أن ينوي أنّه يصوم هذا النهار من طلوع الفجر إلى المغرب على أن لا يقصد به صوماً آخر غير صيام شهر رمضان من قبيل صوم الكفّارة، وإلّا خسر المكلّف بذلك كلا الصيامين، فلا يقبل منه كصيام شهر رمضان، ولا كصيام كفّارة.

(25) ويجب أن لا تتأخّر النيّة لدى الصائم في شهر رمضان عن طلوع الفجر، فإن طلع الفجر عليه في شهر رمضان وهو غير ناو للصيام غفلةً أو جهلا، ثمّ تفطّن قبل أن يستعمل مفطراً فعليه أن ينوي الصيام بأمل أن يقبله الله تعالى منه ثمّ يقضيه بعد



(1) راجع لتفاصيل النيّة كتاب الفتاوى الواضحة: 150 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ فما بعد، مع مراعاة الهامش، وقد تقدّم بعضها تحت عنوان أحكام عامّة في العبادات.

216

ذلك، وأمّا إذا كان قد استعمل المفطر في حال غفلته وجهله فعليه أن يمسك تشبّهاً بالصائمين، ثمّ يقضيه بعد ذلك.

وإن طلع الفجر عليه وهو غير ناو للصيام عن تعمّد وعصيان ثمّ آب إلى رشده في أثناء النهار فعليه أن يمسك تشبّهاً بالصائمين، ثمّ يقضيه بعد ذلك.

(26) وبإمكانه أن ينوي الصيام في الليل، وتكفيه تلك النيّة ما لم يعدل عنها، فإذا قرّر أوّل الليل أن يصوم غداً ونام على هذا الأساس وطلع عليه الفجر وهو نائم واستيقظ نهاراً وهو على نيّته صحّ صومه، بل إذا دخل عليه شهر رمضان فنوى أن يصوم الشهر كفته تلك النيّة للشهر كلّه ما لم يعدل عنها، وهذا يعني أنّه لو استمرّ به ـ بعد ذلك ـ النوم لسبب طارئ مدّة يومين أو أكثر اعتبر صائماً في كلّ تلك الأيّام التي قضاها نائماً.

(27) وتجب النيّة في الصيام ابتداءً واستمراراً، وعليه فمن قصد الإفطار في يوم من شهر رمضان أو تردّد في البقاء أو الاستمرار على الصيام بطل صومه، سواء أحَدَثَ ذلك قبل الزوال أم بعده، ويجب عليه الإمساك تشبّهاً بالصائمين، ثمّ القضاء بعد شهر رمضان.

(28) وإذا صدر من الصائم شيء كما إذا وضع قطرةً في عينيه، ثمّ شكّ هل أنّ القطرة في العين تبطل الصيام أوْ لا فتردّد في صيامه على أساس هذا الشكّ، ثمّ سأل فعرف أنّ قطرة العين لا تفطّر الصائم، فهل يبطل صومه بذلك التردّد الذي أصابه بسبب الشكّ في بطلان الصوم؟

والجواب: أنّ هذا التردّد لا يبطل به الصوم مادام لا يزال ناوياً للصيام في حالة كون القطرة غير مفطّرة.

217

(29) وليس من الضروريّ في نيّة الصيام أن يكون الصائم على معرفة كاملة بكلِّ المفطرات التي ينوي الاجتناب عنها، بل يكفي أن يجد في نفسه ـ عند النيّة ـ القدرة على اجتناب تلك المفطرات ولو بالتعرّف عليها بعد ذلك، أو بترك كلّ ما يحتمل كونه مفطّراً.

الطهارة من الجنابة عند الفجر:

(30) ثانياً: الطهارة من الجنابة عند الفجر، فإنّ المكلّف إذا كان جنباً فعليه أن يغتسل قبل طلوع الفجر، فإذا ترك الغسل وهو عالم بأنّه جنب متعمّداً حتّى طلع عليه الفجر لم يقبل منه صيام ذلك اليوم، وعليه أن يمسك تشبّهاً بالصائمين، كما أنّ عليه ما على من أكل متعمّداً في نهار شهر رمضان من القضاء والكفّارة.

(31) وإذا علم الإنسان بأنّه جنب ولكنّه نسي الغسل فحاله كذلك أيضاً، غير أنّ الكفّارة لا تجب عليه.

(32) وإذا أجنب في حالة اليقظة ليلا بجماع أو غيره فلا يسمح له بالنوم قبل أن يغتسل، إلّا إذا كان معتاداً على الانتباه قبل طلوع الفجر، أو وضع منبّهاً له من أجل إيقاظه قبل الفجر لكي يغتسل.

(33) وإذا أجنب المكلّف في حالة اليقظة، ثمّ نام وليس في نيّته أن يغتسل واستمرّ به النوم إلى أن طلع الفجر فهو بمثابة من ترك الغسل وهو متيقّظ متعمّداً.

وإذا أجنب المكلّف كذلك ثمّ نام ناوياً أن يغتسل إذا استيقظ قبل طلوع الفجر، ولكنّه لم يكن معتاداً للانتباه من نومه قبل الفجر، فامتدّ به النوم إلى أن طلع الفجر، فعليه أن ينوي الصيام بأمل أن يُقبل منه ويمسك ذلك النهار، ويحتاط وجوباً بعد ذلك بالقضاء والكفّارة.

218

وإذا أجنب المكلّف في حالة اليقظة، ثمّ نام ناوياً للاستيقاظ للغسل قبل طلوع الفجر وكان من عادته أن يستيقظ كذلك، أو وضع له منبّهاً لإيقاظه ولكن استمرّ به النوم إلى أن طلع الفجر فلا شيء عليه ويصحّ صومه.

وفي هذه الحالة إذا استيقظ في الأثناء فلا يسمح له بأن ينام إلّا إذا اطمأنّ بأنّ ذلك لن يفوِّت عليه الغسل قبل طلوع الفجر. وإذا نام مرّةً ثانيةً بعد أن استيقظ من نومه الأوّل معتمداً على أنّه سينتبه عادةً ويغتسل ولكن استمرّ به النوم إلى أن طلع الفجر فعليه أن يمسك تشبّهاً بالصائمين، ويقضي بعد ذلك ولا كفّارة عليه. والحكم نفسه يثبت في ما لو استيقظ مرّتين أو أكثر ونام معتمداً على أنّه معتاد على الانتباه فغلبه النوم إلى طلوع الفجر.

(34) وإذا حصلت الجنابة بالاحتلام في حالة النوم ليلا: فإن امتدّ به النوم إلى أن طلع الفجر فلا شيء عليه وصيامه صحيح، وإن أفاق من نومه الذي احتلم فيه فالأجدر به احتياطاً أن لا ينام مرّةً ثانيةً قبل الغسل ما لم يثق بأنّه لن يفوته الاغتسال قبل طلوع الفجر. وإذا نام مرّةً ثانيةً اعتماداً على أنّه معتاد على الانتباه وأنّ الوقت واسع فامتدّ به النوم إلى طلوع الفجر أمسك طيلة النهار، وعليه القضاء دون الكفّارة. وأمّا إذا صنع ذلك ولم يكن معتاداً على الانتباه فعليه ـ إضافة إلى الإمساك طيلة النهار ـ القضاء والكفّارة.

(35) ولا يسمح للمكلّف بأن يقارب زوجته ويجنب نفسه في اللحظات الأخيرة من الليل التي لا تتّسع للغسل قبل طلوع الفجر، ولو صنع المكلّف شيئاً من ذلك عصياناً أو سهواً فعليه أن يبادر إلى التيمّم بدلا عن الغسل ويصحّ بذلك صيامه. ولا يجب عليه إذا تيمّم أن يظلّ يقظاً إلى طلوع الفجر. وأمّا إذا أهمل ولم يتيمّم حتّى طلع الفجر فلا

219

يقبل منه الصيام، وعليه أن يتشبّه بالصائمين بالإمساك، وبعد ذلك يقضي ويكفِّر.

(36) وليست الحائض والنفساء كالجنب، فاذا نقت المرأة من دم الحيض والنفاس في الليل من شهر رمضان وجب عليها صيام نهار غد، ولا يجب عليها أن تبادر إلى الغسل قبل طلوع الفجر وإن كانت المبادرة أحسن وأحوط استحباباً.

وكذلك الأمر في مَن مسّ ميّتاً قبل طلوع الفجر ووجب عليه الغسل من أجل ذلك فإنّ بإمكانه تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر.

(37) وفي كلّ حالة وجب فيها على الصائم أن يغتسل قبل طلوع الفجر إذا تعذّر فيها الغسل عليه كذلك؛ لعدم الماء، أو لأنّه مريض يخاف من استعماله، أو لضيق الوقت، إلى غير ذلك من مسوّغات التيمّم فعليه أن يتيمّم ويكفيه ذلك لأداء الصيام.

(38) صوم المستحاضة غير مشروط بالغسل.

الاجتناب عن المفطرات:

ثالثاً: الاجتناب عن المفطرات، والمفطرات اُمور لابدّ للصائم من اجتنابها أثناء النهار، وهي كما يأتي:

(39) الأوّل والثاني: الأكل والشرب، سواء كان المأكول والمشروب قليلاً أم كثيراً، معتاداً كان كالخبز والماء أم غير معتاد كابتلاع الحصى أو شرب النفط، ويشمل ذلك حتّى الأجزاء الصغيرة من الطعام التي تتخلّف بين الأسنان فإنّ الصائم لا يجوز له ابتلاعها، بل لا يجوز حتّى ابتلاع الغبار الذي يشتمل على أجزاء ترابيّة ظاهرة للعَيان وإن صغرت، وهو ما يسمّى بالغبار الغليظ.

220

والأجدر بالصائم ـ احتياطاً ووجوباً ـ أن لا يدخل الدخان إلى جوفه أيضاً، وأمّا البخار والغبار الذي تصاغرت فيه الأجزاء الترابيّة إلى درجة لا يبدو لها وجود فلا يضرّ بالصيام.

وكلّ ما يخرج من الجوف والصدر ويصل إلى الحلق ـ كالبلغم ونحوه ـ يجب على الصائم قذفه وطرحه، ولا يسوغ له أن يبتلعه. أجَلْ، لا حرج عليه في البصاق الذي يتكوّن في فمه فإنّه لا يضرّ الصائم أن يبتلعه عن قصد أو غير قصد مهما كثر.

ولا يضرّ الصيام ولا يفطر الصائم أن يكتحل أو يضع قطرةً في عينه أو في اُذنه وإن تسرّبت إلى جوفه، أو يصبّ دواءً في جرح مفتوح في جسمه، أو يزرق إلى بدنه شيئاً عن طريق الإبرة مهما كان نوعها، ومن ذلك ما يسمّى بالمغذّي الذي يزرق إلى جسم المريض عن هذا الطريق.

وإنّما الممنوع عنه أن يدخل الصائم طعاماً أو شراباً إلى معدته عن طريق الحلق، وإذا أدخل الصائم شيئاً من ذلك إلى حلقه عن طريق الأنف ـ كما في الاستنشاق بالأنف مثلا ـ فقد أضرّ بصومه أيضاً، وعليه مثل ما على من أدخله عن طريق الفم.

ولو اُجريت فتحة طبّيّة مصطنعة في الجسم لسبب طارئ بُغيةَ إيصال الغذاء إلى المعدة عن طريقها فهذا بمثابة إدخال الغذاء عن طريق الحلق، فالمحرّم إذن إدخال الطعام والشراب إلى المعدة عن طريق الفم أو الأنف أو فتحة مصطنعة معدّة للقيام بهذه المهمّة في جسم الصائم.

(40) الثالث: الجماع فاعلا ومفعولا.

(41) الرابع: الاستمناء، وهو إنزال المني باليد أو بآلة أو بالمداعبة والملاعبة، وإذا