215

واجباتُ الصيام:

يجب على الصائم في شهر رمضان ما يلي:

النيّة:

(23) أوّلا: النيّة، بأن ينوي الالتزام بواجبات الصيام والاجتناب عن مفطراته قربةً إلى الله تعالى، وبعبارة موجزة: أن ينوي الصيام قربةً إلى الله، ويحرم ويبطل بالرياء، كما هي الحالة في كلّ عبادة أيضاً(1).

ويكفي في نيّة القربة أن يكون في نفس المكلّف باعث ودافع إلهي يمنعه عن الطعام والشراب ونحوهما في ما إذا لم يكن نائماً ولا غافلا ولا عزوفاً ، فالنائم والغافل والعزوف إذا عرف من نفسه أنّه حتّى لو لم ينم ولم يغفل ولم يكن عزوفاً لا يأكل ولا يشرب من أجل الله تعالى كفاه ذلك في نيّة الصوم.

(24) ويكفي الصائم أن ينوي أنّه يصوم هذا النهار من طلوع الفجر إلى المغرب على أن لا يقصد به صوماً آخر غير صيام شهر رمضان من قبيل صوم الكفّارة، وإلّا خسر المكلّف بذلك كلا الصيامين، فلا يقبل منه كصيام شهر رمضان، ولا كصيام كفّارة.

(25) ويجب أن لا تتأخّر النيّة لدى الصائم في شهر رمضان عن طلوع الفجر، فإن طلع الفجر عليه في شهر رمضان وهو غير ناو للصيام غفلةً أو جهلا، ثمّ تفطّن قبل أن يستعمل مفطراً فعليه أن ينوي الصيام بأمل أن يقبله الله تعالى منه ثمّ يقضيه بعد



(1) راجع لتفاصيل النيّة كتاب الفتاوى الواضحة: 150 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ فما بعد، مع مراعاة الهامش، وقد تقدّم بعضها تحت عنوان أحكام عامّة في العبادات.

216

ذلك، وأمّا إذا كان قد استعمل المفطر في حال غفلته وجهله فعليه أن يمسك تشبّهاً بالصائمين، ثمّ يقضيه بعد ذلك.

وإن طلع الفجر عليه وهو غير ناو للصيام عن تعمّد وعصيان ثمّ آب إلى رشده في أثناء النهار فعليه أن يمسك تشبّهاً بالصائمين، ثمّ يقضيه بعد ذلك.

(26) وبإمكانه أن ينوي الصيام في الليل، وتكفيه تلك النيّة ما لم يعدل عنها، فإذا قرّر أوّل الليل أن يصوم غداً ونام على هذا الأساس وطلع عليه الفجر وهو نائم واستيقظ نهاراً وهو على نيّته صحّ صومه، بل إذا دخل عليه شهر رمضان فنوى أن يصوم الشهر كفته تلك النيّة للشهر كلّه ما لم يعدل عنها، وهذا يعني أنّه لو استمرّ به ـ بعد ذلك ـ النوم لسبب طارئ مدّة يومين أو أكثر اعتبر صائماً في كلّ تلك الأيّام التي قضاها نائماً.

(27) وتجب النيّة في الصيام ابتداءً واستمراراً، وعليه فمن قصد الإفطار في يوم من شهر رمضان أو تردّد في البقاء أو الاستمرار على الصيام بطل صومه، سواء أحَدَثَ ذلك قبل الزوال أم بعده، ويجب عليه الإمساك تشبّهاً بالصائمين، ثمّ القضاء بعد شهر رمضان.

(28) وإذا صدر من الصائم شيء كما إذا وضع قطرةً في عينيه، ثمّ شكّ هل أنّ القطرة في العين تبطل الصيام أوْ لا فتردّد في صيامه على أساس هذا الشكّ، ثمّ سأل فعرف أنّ قطرة العين لا تفطّر الصائم، فهل يبطل صومه بذلك التردّد الذي أصابه بسبب الشكّ في بطلان الصوم؟

والجواب: أنّ هذا التردّد لا يبطل به الصوم مادام لا يزال ناوياً للصيام في حالة كون القطرة غير مفطّرة.

217

(29) وليس من الضروريّ في نيّة الصيام أن يكون الصائم على معرفة كاملة بكلِّ المفطرات التي ينوي الاجتناب عنها، بل يكفي أن يجد في نفسه ـ عند النيّة ـ القدرة على اجتناب تلك المفطرات ولو بالتعرّف عليها بعد ذلك، أو بترك كلّ ما يحتمل كونه مفطّراً.

الطهارة من الجنابة عند الفجر:

(30) ثانياً: الطهارة من الجنابة عند الفجر، فإنّ المكلّف إذا كان جنباً فعليه أن يغتسل قبل طلوع الفجر، فإذا ترك الغسل وهو عالم بأنّه جنب متعمّداً حتّى طلع عليه الفجر لم يقبل منه صيام ذلك اليوم، وعليه أن يمسك تشبّهاً بالصائمين، كما أنّ عليه ما على من أكل متعمّداً في نهار شهر رمضان من القضاء والكفّارة.

(31) وإذا علم الإنسان بأنّه جنب ولكنّه نسي الغسل فحاله كذلك أيضاً، غير أنّ الكفّارة لا تجب عليه.

(32) وإذا أجنب في حالة اليقظة ليلا بجماع أو غيره فلا يسمح له بالنوم قبل أن يغتسل، إلّا إذا كان معتاداً على الانتباه قبل طلوع الفجر، أو وضع منبّهاً له من أجل إيقاظه قبل الفجر لكي يغتسل.

(33) وإذا أجنب المكلّف في حالة اليقظة، ثمّ نام وليس في نيّته أن يغتسل واستمرّ به النوم إلى أن طلع الفجر فهو بمثابة من ترك الغسل وهو متيقّظ متعمّداً.

وإذا أجنب المكلّف كذلك ثمّ نام ناوياً أن يغتسل إذا استيقظ قبل طلوع الفجر، ولكنّه لم يكن معتاداً للانتباه من نومه قبل الفجر، فامتدّ به النوم إلى أن طلع الفجر، فعليه أن ينوي الصيام بأمل أن يُقبل منه ويمسك ذلك النهار، ويحتاط وجوباً بعد ذلك بالقضاء والكفّارة.

218

وإذا أجنب المكلّف في حالة اليقظة، ثمّ نام ناوياً للاستيقاظ للغسل قبل طلوع الفجر وكان من عادته أن يستيقظ كذلك، أو وضع له منبّهاً لإيقاظه ولكن استمرّ به النوم إلى أن طلع الفجر فلا شيء عليه ويصحّ صومه.

وفي هذه الحالة إذا استيقظ في الأثناء فلا يسمح له بأن ينام إلّا إذا اطمأنّ بأنّ ذلك لن يفوِّت عليه الغسل قبل طلوع الفجر. وإذا نام مرّةً ثانيةً بعد أن استيقظ من نومه الأوّل معتمداً على أنّه سينتبه عادةً ويغتسل ولكن استمرّ به النوم إلى أن طلع الفجر فعليه أن يمسك تشبّهاً بالصائمين، ويقضي بعد ذلك ولا كفّارة عليه. والحكم نفسه يثبت في ما لو استيقظ مرّتين أو أكثر ونام معتمداً على أنّه معتاد على الانتباه فغلبه النوم إلى طلوع الفجر.

(34) وإذا حصلت الجنابة بالاحتلام في حالة النوم ليلا: فإن امتدّ به النوم إلى أن طلع الفجر فلا شيء عليه وصيامه صحيح، وإن أفاق من نومه الذي احتلم فيه فالأجدر به احتياطاً أن لا ينام مرّةً ثانيةً قبل الغسل ما لم يثق بأنّه لن يفوته الاغتسال قبل طلوع الفجر. وإذا نام مرّةً ثانيةً اعتماداً على أنّه معتاد على الانتباه وأنّ الوقت واسع فامتدّ به النوم إلى طلوع الفجر أمسك طيلة النهار، وعليه القضاء دون الكفّارة. وأمّا إذا صنع ذلك ولم يكن معتاداً على الانتباه فعليه ـ إضافة إلى الإمساك طيلة النهار ـ القضاء والكفّارة.

(35) ولا يسمح للمكلّف بأن يقارب زوجته ويجنب نفسه في اللحظات الأخيرة من الليل التي لا تتّسع للغسل قبل طلوع الفجر، ولو صنع المكلّف شيئاً من ذلك عصياناً أو سهواً فعليه أن يبادر إلى التيمّم بدلا عن الغسل ويصحّ بذلك صيامه. ولا يجب عليه إذا تيمّم أن يظلّ يقظاً إلى طلوع الفجر. وأمّا إذا أهمل ولم يتيمّم حتّى طلع الفجر فلا

219

يقبل منه الصيام، وعليه أن يتشبّه بالصائمين بالإمساك، وبعد ذلك يقضي ويكفِّر.

(36) وليست الحائض والنفساء كالجنب، فاذا نقت المرأة من دم الحيض والنفاس في الليل من شهر رمضان وجب عليها صيام نهار غد، ولا يجب عليها أن تبادر إلى الغسل قبل طلوع الفجر وإن كانت المبادرة أحسن وأحوط استحباباً.

وكذلك الأمر في مَن مسّ ميّتاً قبل طلوع الفجر ووجب عليه الغسل من أجل ذلك فإنّ بإمكانه تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر.

(37) وفي كلّ حالة وجب فيها على الصائم أن يغتسل قبل طلوع الفجر إذا تعذّر فيها الغسل عليه كذلك؛ لعدم الماء، أو لأنّه مريض يخاف من استعماله، أو لضيق الوقت، إلى غير ذلك من مسوّغات التيمّم فعليه أن يتيمّم ويكفيه ذلك لأداء الصيام.

(38) صوم المستحاضة غير مشروط بالغسل.

الاجتناب عن المفطرات:

ثالثاً: الاجتناب عن المفطرات، والمفطرات اُمور لابدّ للصائم من اجتنابها أثناء النهار، وهي كما يأتي:

(39) الأوّل والثاني: الأكل والشرب، سواء كان المأكول والمشروب قليلاً أم كثيراً، معتاداً كان كالخبز والماء أم غير معتاد كابتلاع الحصى أو شرب النفط، ويشمل ذلك حتّى الأجزاء الصغيرة من الطعام التي تتخلّف بين الأسنان فإنّ الصائم لا يجوز له ابتلاعها، بل لا يجوز حتّى ابتلاع الغبار الذي يشتمل على أجزاء ترابيّة ظاهرة للعَيان وإن صغرت، وهو ما يسمّى بالغبار الغليظ.

220

والأجدر بالصائم ـ احتياطاً ووجوباً ـ أن لا يدخل الدخان إلى جوفه أيضاً، وأمّا البخار والغبار الذي تصاغرت فيه الأجزاء الترابيّة إلى درجة لا يبدو لها وجود فلا يضرّ بالصيام.

وكلّ ما يخرج من الجوف والصدر ويصل إلى الحلق ـ كالبلغم ونحوه ـ يجب على الصائم قذفه وطرحه، ولا يسوغ له أن يبتلعه. أجَلْ، لا حرج عليه في البصاق الذي يتكوّن في فمه فإنّه لا يضرّ الصائم أن يبتلعه عن قصد أو غير قصد مهما كثر.

ولا يضرّ الصيام ولا يفطر الصائم أن يكتحل أو يضع قطرةً في عينه أو في اُذنه وإن تسرّبت إلى جوفه، أو يصبّ دواءً في جرح مفتوح في جسمه، أو يزرق إلى بدنه شيئاً عن طريق الإبرة مهما كان نوعها، ومن ذلك ما يسمّى بالمغذّي الذي يزرق إلى جسم المريض عن هذا الطريق.

وإنّما الممنوع عنه أن يدخل الصائم طعاماً أو شراباً إلى معدته عن طريق الحلق، وإذا أدخل الصائم شيئاً من ذلك إلى حلقه عن طريق الأنف ـ كما في الاستنشاق بالأنف مثلا ـ فقد أضرّ بصومه أيضاً، وعليه مثل ما على من أدخله عن طريق الفم.

ولو اُجريت فتحة طبّيّة مصطنعة في الجسم لسبب طارئ بُغيةَ إيصال الغذاء إلى المعدة عن طريقها فهذا بمثابة إدخال الغذاء عن طريق الحلق، فالمحرّم إذن إدخال الطعام والشراب إلى المعدة عن طريق الفم أو الأنف أو فتحة مصطنعة معدّة للقيام بهذه المهمّة في جسم الصائم.

(40) الثالث: الجماع فاعلا ومفعولا.

(41) الرابع: الاستمناء، وهو إنزال المني باليد أو بآلة أو بالمداعبة والملاعبة، وإذا

221

نزل منه المني بدون ممارسة فعل ما فلا حرج عليه، ولا يبطل صيامه، وإذا مارس شيئاً من تلك الأفعال ولم يكن قاصداً بذلك إنزال المني، بل كان واثقاً من عدم نزوله ولكن سبقه المني فالأجدر به ـ احتياطاً ووجوباً ـ أن يواصل صيامه ونيّته بأمل أنيقبله الله تعالى، (أي رجاء) ثمّ يقضي.

(42) الخامس: الكذب على الله تعالى، أو على خاتم المرسلين(صلى الله عليه وآله)، بل وحتّى على غيره من الأنبياء والأئمّة(عليهم السلام)، سواء أكان الكذب في التحليل والتحريم أم في قصص ومواعظ، أم في أيّ شيء آخر.

ومن قصد الكذب وهو يعلم بأنّ هذا مفطر فكان صدقاً فقد بطل صومه، وعليه أن يواصل إمساكه تشبّهاً بالصائمين، ثمّ يقضيه. ومن قصد الصدق فجاء كذباً فهو على صيامه.

(43) السادس: غمس الرأس بكامله في الماء، أو في ما أشبه من عصير وشراب، سواء أغَمَسَ الرأس وحده أم مع سائر أعضاء البدن فإنّ الأجدر بالصائم احتياطاً ووجوباً أن لا يصنع ذلك.

ولا بأس بغمس نصف الرأس دون النصف الثاني، ثمّ غمس هذا الثاني دون المغموس من قبل بحيث يتمّ الغمس بالكامل على دفعتين أو أكثر.

ومن غطس رأسه في البحر أو في غيره وعلى رأسه ما يقيه من الماء فلا يبطل صومه.

وإذا غمس الصائم لشهر رمضان جسمه بالكامل في الماء بقصد الغسل من الجنابة: فإن كان ذلك عمداً لا سهواً بطل صومه وغسله، وإن كان سهواً صحّ صومه وغسله معاً.

222

(44) السابع: الحقنة بالمائع في المخرج المعتاد فإنّها تفسد الصيام، دون الحقنة بالجامد.

(45) الثامن: التقيّؤ، فإنّه يفسد الصيام ويبطله، حتّى ولو كان علاجاً وشفاءً من داء مهمّ، غير أنّه في هذه الحالة يسمح للصائم به إذا توقّف العلاج والشفاء من ذلك الداء عليه وإن بطل صومه. وأمّا إذا بدر القيء تلقائيّاً فالصائم على صيامه ولا شيء عليه.

وإذا خرج من جوفه شيء وعاد قبل أن يصل إلى فضاء الفم فلا شيء عليه، وإذا وصل إلى فضاء الفم فلا يسوغ له أن يبتلعه، بل عليه أن يقذفه، وإن ابتلعه عن قصد وعمد بطل صيامه، وعليه القضاء والكفارة.

(46) هذه هي المفطرات ولا شيء سواها، ونؤكّد ـ لمزيد التوضيح ـ على أنّه لا يضرّ بالصيام ولا يفطر الصائم الحجامة، والحقنة في الإحليل، والاستمتاع بالمرأة بدون جماع ولا إنزال للمني، ولا يفطر أيضاً شمّ الطيب، والجلوس في الماء، ولو غمر الماء الجسد كلّه مادام رأس الصائم خارج الماء.

حكم تناول المفطرات:

ويبطل الصيام بوقوع أيّ واحد من المفطرات المتقدّمة. ويُستثنى من ذلك ما يلي:

(47) أوّلا: إذا صدر من الصائم بعض تلك المفطرات ناسياً أنّه صائم وغافلا عن صيامه فلا يبطل الصيام بذلك.

(48) ثانياً: إذا صدر من الصائم شيء وهو معتقد أنّه ليس من الثمانية ولكنّه كان في الواقع منها فلا يبطل الصيام بذلك.

ومثاله: أن يكذب على الله ورسوله ولكنّه يعتقد أنّ ما يقوله ليس كذباً، أو يحتقن بالمائع ولكنّه كان يعتقد أنّ ما في الحقنة جامد وليس بمائع.

223

(49) ثالثاً: إذا وقع شيء من تلك المفطرات بدون قصد من الصائم، كما إذا فتح إنسان فم الصائم عنوةً وزرق ماءً إلى جوفه، وكذلك إذا كان الصائم يسبَح في النهر فغمره موج الماء فانغمس رأسه كاملا في الماء بدون قصد منه، أو عثر بأرض البركة فوقع في الماء وانغمس رأسه فيه ففي كلّ ذلك لا يبطل الصيام؛ لأنّ الشرب والارتماس لم يقعا عن قصد وإرادة.

(50) ويُستثنى من حالات عدم القصد حالتان:

الاُولى: من أدار الماء في فمه وحرّكه لسبب أو لآخر فسبق الماء ودخل في جوفه قسراً بدون قصد منه فعليه أن يقضي صيام ذلك اليوم، إلّا إذا كان قد حدث ذلك في حالة الوضوء لصلاة واجبة؛ إذ تستحبّ المضمضة في الوضوء(1)، فإذا تمضمض المتوضّئ للفريضة والحالة هذه وسبق الماء إلى جوفه فلا شيء عليه.

الثانية: إذا تصرّف الصائم تصرّفاً بأن داعب زوجته ـ مثلا ـ وهو واثق من عدم نزول المني ولكن سبقه المني ونزل بدون قصد منه فعليه القضاء.

(51) رابعاً: إذا شكّ الإنسان في طلوع الفجر، ففحص ولاحظ بصورة مباشرة فاعتقد بعدم طلوعه فأكل أو شرب مثلا، ثمّ تبيّن له أنّ الفجر كان طالعاً وقتئذ فلا شيء عليه، وصيامه صحيح على الرغم من أنّه قد كان تناول المفطر بعد طلوع الفجر.

وخلافاً لذلك الإنسان الذي لا يفحص ولا يلاحظ الفجر مباشرةً ويأكل أو يشرب على أساس أنّه لم يعلم بعد بطلوع الفجر فإنّه ليس بآثم حين يفعل ذلك ـ إلّا إذا كان يسهل عليه النظر إلى الفجر وتعمّد إغماض العين مثلاً ـ ولكنّه إذا تبيّن له بعد ذلك أنّ الفجر كان طالعاً حين أكل أو شرب فعليه أن يقضي صيامه. ومثله من يأكل



(1) على ما بُيّن في كتاب الفتاوى الواضحة: 217 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم.

224

أو يشرب في آخر النهار ثقةً منه بأنّ المغرب قد حلّ، فإنّه إذا تبيّن له بعد ذلك أنّ النهار كان لا يزال باقياً حين أكل أو شرب فعليه القضاء(1).

(52) من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً وجب عليه القضاء والكفّارة على ما تقدّم، والكفّارة هي: أن يختار القيام بأحد اُمور ثلاثة: عتق رقبة مؤمنة (أي مسلمة)، أو صيام شهرين، أو إطعام ستّين مسكيناً، فأيّ واحد من هذه الاُمور أتى به كفاه وكان تكفيراً عن ذنبه. وتسمّى هذه الكفّارة من أجل ذلك بالكفّارة المخيّرة؛ لأنّ المكلّف فيها بالخيار بين ثلاثة أشياء، وكلّ كفّارة من هذا القبيل يطلق عليها اسم الكفّارة المخيّرة.

(53) وتتعدّد هذه الكفّارة بعدد الأيّام التي أفطرها من شهر رمضان. وأمّا إذا استعمل المفطر في يوم واحد مرّتين بأن أكل طعاماً ثمّ شرب ماءً فليس عليه إلّا كفّارة واحدة، ويستثنى من ذلك ما إذا جامع أو استمنى مرّتين فإنّ عليه حينئذ كفّارتين، وكذلك الأمر إذا جامع أو استمنى مرّةً واحدةً بعد أن مارس غير ذلك من المفطرات فإنّ عليه كفّارتين أيضاً(2).



(1) وهناك أحكام عامّة للصيام في شهر رمضان ـ ومنها أنّه متى تجب الكفّارة ـ تركناها للاختصار، وللوقوف عليها راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 706 ـ 707 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة الهوامش.

(2) لمعرفة باقي التفاصيل والأحكام راجع فصل الكفّارات من كتاب الفتاوى الواضحة، مع مراعاة هامش سماحة السيّد الحائري دام ظلّه.

وأيضاً راجع فصل صيام قضاء شهر رمضان من الكتاب لمعرفة أنّه على من يجب قضاء شهر رمضان وسائر أحكام قضاء شهر رمضان وتفاصيله، مع مراعاة الهامش.

225

كيف يثبت أوّل الشهر؟

إنّ بداية الشهر القمريّ الشرعي تتوقّف على أمرين: خروج القمر من المحاق، وكون الهلال ممكن الرؤية ولو بالعين المسلّحة في حالة عدم وجود حاجب(1)، والآن نريد أن نوضّح كيف يمكن إثبات هذين الأمرين وإحرازهما بطريقة صحيحة شرعاً؟

إنّ إثبات ذلك يتمّ بأحد الطرق التالية:

(54) الأوّل: الرؤية المباشرة فعلاً ولو بالعين المسلّحة.

(55) الثاني: شهادة الآخرين برؤيتهم، فإذا لم يكن الشخص قد رأى الهلال مباشرةً ولكن شهد الآخرون برؤيتهم له كفاه ذلك إذا توفّرت في هذه الشهادة أحد الأمرين التاليين:

أوّلاً: كثرة العدد، وتنوّع الشهود على نحو يحصل التواتر أو الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان(2).

ثانياً: تواجد البيّنة في الشهود. والبيّنة على الهلال تكتمل إذا توفّر ما يلي:

1 ـ أن يشهد شاهدان رجلان عدلان برؤية الهلال، فلا تكفي شهادة الرجل الواحد، ولا النساء وإن كُنّ عادلات.



(1) على ما بيّن في كتاب الفتاوى الواضحة تحت عنوان ثبوت الهلال، فراجعه مع مراعاة الهامش. وتنبغي الإشارة هنا إلى أنّه: متى ما رُئي الهلال في بلد ثبت أوّل الشهر في ذاك البلد وفي كلّ بلد آخر يشترك مع هذا البلد في الليل ولو يسيراً.

(2) لمعرفة التفاصيل في هذا المجال راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 717 ـ 719 ـ بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم ـ مع مراعاة الهامش.

226

2 ـ أن لا يقع اختلاف بين الشاهدَين في شهادتهما على نحو يعني أنّ ما يفترض أحد الشاهدين أنّه رآه غير ما رآه الآخر.

3 ـ أن لا تتجمّع قرائن قويّة تدلّ على كذب البيّنة أو وقوعها في خطأ، ومن هذه القرائن: أن ينفرد اثنان بالشهادة من بين جمع كبير من المستهلّين لم يستطيعوا أن يروه مع اتّجاههم جميعاً إلى نفس النقطة التي اتّجه إليها الشاهدان في الاُفق، وتقاربهم في القدرة البصريّة، ونقاء الاُفق وصلاحيّته العامّة للرؤية.

(56) الثالث: مضيّ ثلاثين يوماً من هلال الشهر السابق.

(57) الرابع: حكم الحاكم الشرعي فإنّه نافذ وواجب الاتّباع حتّى على من لم يطّلع بصورة مباشرة على وجاهة الأدلّة التي استند إليها في حكمه(1).

(58) الخامس: كلّ جهد علمي يؤدّي إلى اليقين أو الاطمئنان بأنّ القمر قد خرج من المحاق، وأنّ الجزء النيّر منه الذي يواجه الأرض (الهلال) موجود في الاُفق بصورة يمكن رؤيته.

وقد تسأل وتقول: هل التطوّق أو ارتفاع الهلال دليل على أنّ الهلال في ليلته الثانية وأنّ الشهر القمري كان قد بدأ في الليلة السابقة؟

والجواب: توجد رواية صحيحة وصريحة على الثبوت بالتطوّق، إلّا أنّ إعراض الأصحاب قد يمنع عن الأخذ بها، والاحتياط طريق النجاة(2).



(1) وذلك ضمن تفصيل، راجع لمعرفته المصدر السابق: 720 ـ 721، مع مراعاة الهامش.

(2) لمعرفة باقي التفاصيل والأحكام المترتّبة راجع المصدر السابق: 721 ـ 723، وأيضاً: 708 ـ 716، مع مراعاة الهامش.

227

 

 

 

 

الاعتكاف

 

تمهيد:

(1) الاعتكاف والعكوف في اللغة: الإقامة على الشيء في المكان، وفي الشريعة: المكث في المسجد بقصد التعبّد لله وحده.

وهو مشروع قرآناً وسنّةً وإجماعاً. ويبدو أنّ الشريعة الإسلاميّة بعد أن ألغت فكرة الترهّب والاعتزال عن الحياة الدنيا واعتبرتها فكرةً سلبيّةً خاطئةً﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا﴾(1) شرّعت الاعتكاف؛ ليكون وسيلةً موقوتةً وعبادةً محدودةً تؤدّى بين حين وآخر، لتحقيق نقلة إلى رحاب الله، يعمّق فيها الإنسان صلته بربّه ويتزوّد بما تُتيح له العبادة من زاد؛ ليرجع إلى حياته الاعتياديّة وعمله اليومي وقلبه أشدّ ثباتاً وإيمانه أقوى فاعليّة.

وأساس الاعتكاف يتمثّل في المكث ثلاثة أيّام في المسجد. وله شروط من أهمّها: الصيام، والتزامات منها: اجتناب الاستمتاع الجنسي. وفي ما يلي نستعرض الشرائط أوّلاً:


(1) الحديد: 27.
228

شرائط الاعتكاف:

للاعتكاف شروط لا يصحّ بدونها، وهي كما يأتي:

(2) الأوّل: العقل.

(3) الثاني: الإيمان

(4) الثالث: نيّة القربة ابتداءً واستمراراً كسائر العبادات.

(5) لا إشكال في أنّ النيّة للصيام يمكن أن تتّخذ في الليل، فينوي الإنسان من الليل أن يصوم نهار غد، وينام ويصبح من نومه صائماً ويصحّ صومه على الرغم من أنّ الفجر طلع عليه وهو نائم، فهل يصحّ مثل ذلك في الاعتكاف بأن يذهب إلى المسجد ليلاً وينوي أن يبدأ الاعتكاف من بداية نهار غد وينام ويصبح معتكفاً؟

والجواب: أنّ صحّة اعتكاف من هذا القبيل غير واضحة، فالأجدر بالمكلّف في حالة من هذا القبيل أن يتّخذ إحدى طريقتين: إمّا أن يستيقظ عند طلوع الفجر وينوي لكي تقترن النيّة بطلوع الفجر، وإمّا أن ينوي الابتداء بالاعتكاف فعلاً من نصف الليل أو أوّله. والمهمّ ـ على أيّ حال ـ أن تتواجد النيّة عند بداية الاعتكاف.

والمهمّ في النيّة: أن ينوي الاعتكاف في المسجد قربةً إلى الله تعالى، وليس من الضروريّ أن يقصد باعتكافه التوفّر على مزيد من الدعاء والصلاة وإن كان هذا أفضل وأكمل، غير أنّ الاعتكاف بذاته عبادة يصحّ أن يقصد ويتقرّب به إلى الله تعالى، فإن انضمّ إلى ذلك التفرّغ للعبادة وممارسة المزيد من الدعاء والصلاة كان نوراً على نور.

(6) الرابع: الصيام في الأيّام الثلاثة، فمن لا يصحّ منه الصوم لا يصحّ منه الاعتكاف، فالمريض والمسافر لا يتأتّى لهما أن يعتكفا؛ إذ لا يصحّ منهما الصيام.

229

أجَلْ، يمكن للمسافر أن يتوصّل إلى ذلك بأن ينذر أن يصوم في سفره(1)، وحينئذ يسوغ له أن يعتكف ويصوم.

وللمعتكف أن ينوي بالصيام أيّ صيام مشروع بالنسبة إليه، فيصحّ له أن يصوم صيام قضاء شهر رمضان، أو صيام الكفّارة، كما يصحّ له أن يصوم صياماً مستحبّاً إذا توفّرت له الشروط التي يصحّ معها الصيام المستحبّ.

وكما يجب أن يكون المعتكف ممّن يصحّ منه الصوم كذلك يجب أن تكون أيّام الاعتكاف ممّا يصحّ فيها الصوم، فلا يصحّ الاعتكاف في عيد الفطر أو عيد الأضحى مثلاً؛ إذ لا يسوغ الصيام فيهما.

وكلّ ما يفسد الصوم فهو يفسد الاعتكاف ويبطله؛ لأنّ الصوم شرط في صحّته، والمشروط يبطل ببطلان شرطه.

(7) الخامس: العدد، وأقلّه ثلاثة أيّام ـ ثلاثة نهارات ـ تتوسّطها ليلتان، ويسوغ أن يكون أكثر من ذلك، بأن ينوي الاعتكاف من بداية ليلة الجمعة إلى نهاية نهار الأحد أو إلى صباح الاثنين، فيكون اعتكافه مكوَّناً من ثلاثة نهارات وأربع ليال، أو إلى غروب الاثنين، أو أكثر من ذلك.

(8) السادس: أن يكون الاعتكاف في مسجد يجتمع فيه الناس، ويعتبر مسجداً جامعاً ورئيسيّاً في البلد، فليس من المعلوم أن يصحّ الاعتكاف في مسجد صغير جانبي.



(1) لمعرفة الشروط التي يصحّ معها الصيام المستحبّ وأنّه متى وكيف يصحّ أن ينذر الصوم المستحبّ لكي يصحّ منه الصوم في السفر راجع كتاب الفتاوى الواضحة: 734 ـ 736، الفقرة: (26)، والفقرة: (35) في: 738 بحسب الطبعة السادسة لدار البشير بقم، مع مراعاة الهامش.

230

ويجب أن يكون المسجد المقصود ممارسة الاعتكاف فيه محدّداً وواحداً، فلا يسوغ الاعتكاف في مسجدين على نحو يمكث في هذا يوماً وفي ذاك يوماً أو يومين، وعليه فإذا اعتكف في مسجد وتعذّر البقاء فيه للإتمام والإكمال بطل الاعتكاف من الأساس، ولا يسوغ توزيعه بين مسجدين وإن تقاربا أو تجاورا.

والمسجد يشمل كلّ طوابقه من السطح والسراديب. ولو خصّ المعتكف بنيّته زاويةً خاصّةً من المسجد فنوى الاعتكاف في تلك الزاوية بالذات فلا أثر لهذا القصد، ويسوغ لهذا القاصد أن يمكث ويتنقّل في كلّ أجزاء ذلك المسجد.

(9) السابع: أن لا يخرج المعتكف من مسجده إلّا لضرورة شرعيّة أو عرفيّة، فمن الضرورة الشرعيّة: أن يخرج لغسل الجنابة؛ إذا لا يجوز له أن يمكث في المسجد ويغتسل حتّى ولو كان ذلك ممكناً، أو لحضور صلاة الجمعة إذا اُقيمت بشكل كان يجب حضورها. ومن الضرورة العرفيّة: أن يخرج لقضاء الحاجة، أو لعلاج مرض داهمه، ونحو ذلك.

فإذا لم تكن هناك حاجة ضروريّة للخروج شرعاً أو عرفاً وخرج على الرغم من ذلك فلا يعوّل على اعتكافه هذا ويعتبره باطلاً، ويستثنى من ذلك الاُمور التالية:

أ ـ إذا خرج لعيادة مريض أو معالجته فإنّه لا يبطل بذلك اعتكافه.

ب ـ إذا خرج لتشييع جنازة وما إليه من تجهيز.

ج ـ إذا اُكره على الخروج.

وأمّا إذا خرج بدون حاجة ضروريّة، جاهلاً بأنّ ذلك يبطل الاعتكاف، أو ناسياً لاعتكافه فعليه أن يعتبر اعتكافه باطلاً.

231

وفي كلّ حالة يسوغ للمعتكف فيها الخروج عليه أن يقتصر في ابتعاده عن المسجد على قدر الحاجة التي سوّغت له الخروج، ولا يجلس مهما أمكن، وإذا اضطرّ إلى الجلوس لم يجلس في ظلٍّ وتحرّى مهما أمكن أقرب الطرق.

(10) الثامن: أن يترك كلّ ما يجب على المعتكف اجتنابه ممّا يأتي بيانه في التزامات المعتكف، فإذا مارس عامداً شيئاً من تلك الأشياء بطل اعتكافه.

والأجدر بالمعتكف احتياطاً ووجوباً أن يفترض اعتكافه باطلاً حتّى في صورة صدور أحد تلك الأشياء منه نسياناً أو جهلاً.

وإذا وقع هذا النسيان أو الجهل في اليوم الثالث فالأجدر به احتياطاً ووجوباً أن يكمل اعتكافه؛ لاحتمال أن يقبل منه، ولكن لا يعوّل عليه.

التزامات الاعتكاف:

يجب على المعتكف من ابتداء اعتكافه إلى انتهائه أن يجتنب نهاراً أو ليلاً عمّا يلي:

(11) أوّلاً: مباشرة النساء بالجماع، أو بما دون ذلك من الاستمتاع ـ على الأحوط ـ بالتقبيل واللمس أيضاً.

(12) ثانياً: الاستمناء ـ على الأحوط ـ أي إنزال المني باليد أو بآلة.

(13) ثالثاً: شمّ الطيب، وهو كلّ مادّة لها رائحة طيّبة وتتّخذ للشمّ والتطيّب، كعِطر الورد والقرنفل وغيره.

(14) رابعاً: التلذّذ بما للرياحين من رائحة طيّبة، والرياحين كلّ نبات ذو رائحة طيّبة، كالورد والياسمين.

(15) خامساً: التجارة بشتّى أنواعها، ولا يدخل في نطاق ذلك ما يمارسه الإنسان

232

من أعمال نافعة في حياته، كالخياطة والطبخ والحياكة ونحو ذلك.

وإذا تاجر وهو معتكف فباع واشترى بطل اعتكافه، ولكنّ البيع والشراء صحيح والتجارة نافذة المفعول.

(16) سادساً: المماراة، ونريد بها هنا: المجالة والمنازعة في قضيّة لإثبات وجهة نظر معيّنة فيها حبّاً للظهور والفوز على الأقران، سواء كانت وجهة النظر هذه صحيحةً بذاتها أوْ لا، وسواء كانت القضيّة المطروحة للجدال دينيّةً أو غير دينيّة. وأمّا إذا كان الجدال والنقاش بروح موضوعيّة وبدافع إثبات الحقّ، أو حرصاً على تصحيح خطأ الآخرين فلا ضير فيه.

أحكام الاعتكاف:

(17) الاعتكاف مستحبّ ومندوب بطبيعته، وقد يجب لسبب طارئ، كما لو أوجبه الإنسان على نفسه بنذر أو عهد أو يمين.

(18) وإذا بدأ الإنسان اعتكافه فيسوغ له في أيّ لحظة أن يهدم اعتكافه ويغادر المسجد، فيعود إلى حالته الاعتياديّة، ويستثنى من ذلك ما يلي:

أوّلاً: إذا كان قد وجب عليه الاعتكاف بنذر ونحوه في تلك الأيّام بالذات فإنّه يجب عليه حينئذ أن يواصل اعتكافه، وأمّا إذا كان قد نذر أن يعتكف بدون أن يحدّد أيّاماً معيّنةً فله إذا شرع في الاعتكاف أن يهدمه، مؤجّلاً الوفاء إلى أيّام اُخرى.

ثانياً: إذا كان قد مضى على المعتكف يومان ـ أي نهاران ـ فإنّ عليه في هذه الحالة أن يكمل اعتكافه حتّى ولو كان قد بدأه مستحبّاً، إلّا في حالة واحدة، وهي أن يكون حين نوى الاعتكاف شرط بينه وبين ربّه أن يرجع في اعتكافه ويهدمه متى شاء،

233

أو في حالات معيّنة، ففي هذه الحالة يسوغ له أن يهدم اعتكافه وفقاً لشرطه حتّى في اليوم الثالث.

(19) وكلّما فسد الاعتكاف لأيّ سبب من الأسباب السابقة فماذا يترتّب على من فسد اعتكافه؟

والجواب: أنّ هذا له حالات، كما يلي:

أ ـ أن يكون اعتكافه مستحبّاً عند البدء وقد فسد قبل مضي نهارين منه ففي هذه الحالة لا يجب عليه إعادته.

ب ـ أن يكون اعتكافه مستحبّاً عند البدء وقد فسد بعد مضي يومين فيجب عليه حينئذ إعادته، ولكن لا تجب إعادته على الفور، بل له أن يعيده بعد مدّة.

وأمّا إذا بدأ الاعتكاف في وقت لا يشرع فيه الاعتكاف، أو في مكان لا يصحّ فيه، كما لو اعتكف يوم العيد، أو قبله بيوم أو يومين، أو اعتكف في غير المسجد ثمّ تفطّن في الأثناء انصرف عن اعتكافه ولا إعادة عليه.

ج ـ أن يكون قد نذر الاعتكاف واعتكف وفاءً بنذره فعليه أن يعيد اعتكافه، سواء كان نذره محدّداً بتلك الأيّام التي فسد فيها الاعتكاف بالذات أو غير محدّد، غير أنّ الإعادة في حالة النذر المحدّد تسمّى قضاءً؛ لأنّها تقع بعد انتهاء الأمد المحدّد في النذر، ولا يجب فيها الفور. وأمّا في الحالة الثانية فالإعادة عمل بالنذر ووفاء له في وقته المحدّد فيه، ويجب أن تقع وفق المدّة المحدّدة في النذر.

(20) وإذا تعمّد المعتكف مقاربة زوجته فعليه الكفّارة، سواء كان ذلك في الليل أو في النهار، ويكفي في أدائها أن يكفّر بكفّارة إفطار شهر رمضان، ولا كفّارة عليه إذا تعمّد غير ذلك ممّا يحرم عليه، وإنّما عليه أن يتوب.

234

وإذا قارب هذا المعتكف في النهار وهو صائم في شهر رمضان، أو صائم صيام قضاء شهر رمضان فعليه كفّارتان: إحداهما على أساس أنّه تحدّى بذلك اعتكافه، والاُخرى كفّارة إفطار صيام شهر رمضان، أو كفّارة إفطار قضاء شهر رمضان، وهي إطعام عشرة مساكين، فإن لم يتيسّر له ذلك صام ثلاثة أيّام.

وإذا افترضنا في الحالة الآنفة الذكر أنّ الاعتكاف في تلك الأيّام بالذات كان منذوراً وجبت على المعتكف الذي قارب زوجته كفّارة ثالثة من أجل تحدّيهِ لهذا النذر.

235

الزكاة

الزكاة من الأموال التي تكون مملوكةً لجهة عامّة لا لعموم المسلمين ولا للدولة الإسلاميّة. وإليك أحكامها:

الشروط العامّة لوجوب الزكاة

(1) لوجوب الزكاة شروط عامّة سارية في تمام الأعيان الزكويّة، وشروط خاصّة تختصّ ببعضها.

والشروط العامّة خمسة:

أ ـ البلوغ.

ب ـ العقل.

ج ـ الحرّيّة.

د ـ الملك.

هـ ـ التمكّن من التصرّف.

(2) ولا نستثني من شرط البلوغ الغلاّتِ الأربعَ، على خلاف ما ورد عن اُستاذنا الشهيد الصدر(رحمه الله) في تعليقته على (منهاج الصالحين) من استثنائه للغلاّت الأربع من هذا الشرط.

(3) ولا يُشترط في الأعيان الزكويّة التي لابدّ من مرور الحول عليها البلوغُ في

236

تمام الحول، بل يكفي البلوغ في ساعة تعلّق الزكاة.

وكذلك العقل لا يكون شرطاً في ثبوت وجوب الزكاة إلّا في حال التعلّق، فما يكون تعلّق الزكاة به مشروطاً بمضيّ الحول عليه لا يشترط فيه العقل في تمام الحول.

(4) وأيضاً لا نستثني من شرط العقل الغلاّتِ ولا الأنعامَ، على خلاف ماورد عن اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)في تعليقته على (منهاج الصالحين) من استثنائهما.

(5) وشرط الملك في الأعيان التي يشترط مرور الحول عليها كالنقدين والأنعام يقصد به: الملكُ في تمام الحول.

(6) وشرط التمكّن من التصرّف في الأعيان التي يشترط مرور الحول عليها يقصد به أيضاً: التمكّنُ من التصرّف في تمام الحول.

وأمّا ما لا يشترط فيه مرور الحول وهي الغلاّت، ففي رأينا لا يشترط فيه التمكّن من التصرّف، فلو خرجت الغلاّت قبل بدوّ صلاحها وتعلّقِ الزكاة بها من التمكّن من التصرّف، ثُمّ رجعت بعد ذلك، وجبت تزكيتها. نعم، لو لم ترجع لم تجب على المالك خسارة الزكاة من نفسه.

(7) وعدم التمكّن من التصرّف له درجات ومراتب:

الاُولى: أن يكون له عجز حقيقيّ عن التصرّف في المال، كالغائب عن ماله، والمسروق ماله، والمحجور على ماله من قِبَل السلطة الشرعيّة بمثل استغراق ديونه لما يملك، والمدفون ماله في مكان منسيّ، ولا إشكال في كون ذلك مسقطاً للزكاة.

والثانية: أن يكون ماله متعلّقاً لحقّ غيره المانع شرعاً من تصرّفه فيه بالرغم من أنّه لم يعجّزه تعجيزاً حقيقيّاً عن التصرّف، ومثاله: ما لو كان الحجز الشرعيّ على ماله صدر عن حاكم شرعيّ غير مبسوط اليد، فلا يوجد لديه عجز واقعيٌّ

237

وخارجيّ عن التصرّف؛ لعدم امتلاك حاكم الشرع سلطةً تحجزه عن ذلك، ولكن قد مُنع على أيّ حال من التصرّف شرعاً.

ومثاله الآخر: ما لو كانت العين تحت الرهن المعجِّز شرعاً عن التصرّف فيها على الرغم من أنّ الراهن أو حاكم الشرع لم تكن له سلطة تعجّزه عجزاً حقيقيّاً عن التصرّف، ولكن العجز كان شرعيّاً بحتاً.

وهذا القسم ملحق في الحكم بالقسم الأوّل.

والثالثة: أن يكون قد تعلّق بماله مجرّد حرمة تكليفيّة للتصرّف، وهذا على قسمين:

الأوّل: أن تكون الحرمة الشرعيّة قد تعلّقت بالتصرّف، ومثاله: ما لو نهى الوالد عن تصرّف الولد في ماله، وافترضنا وجوب طاعة الوالد، أو افترضنا أن تصرّفه كان يؤذي الوالد إيذاءً يجب اجتنابُه.

وهذا أيضاً ملحق بما سبق في الحكم إذا كانت الحرمة متعلّقة بعمدة التصرّفات لا ببعض التصرّفات.

والثاني: أن يجب عليه صرف المال في مصرف معيّن بمثل سبب النذر، أو وجوب إشباع المشرفين على الهلاك بالجوع، ونحو ذلك، فحرمت عليه باقي التصرّفات لا بمعنى الحرمة الأوّليّة، بل باعتبار مزاحمتها للتصرّف الذي وجب عليه.

وهذا القسم لا يمنع من تعلّق الزكاة بالمال.

(8) العين الموقوفة إن كانت قد اُوقفت لصرف نتاجها على الموقوف عليهم دون أن يمتلكه الموقوف عليهم ـ كما لو اُوقف بستان لصرف ثماره على الفقراء لا لامتلاك الفقراء لها ـ فلا زكاة في نتاجها.

238

وإن كانت قد اُوقفت لامتلاك الموقوف عليهم فللوقف صورتان:

الصورة الاُولى: ما لو كان الوقف وقفاً خاصّاً كالوقف على الأولاد ممّا يعني ملكيّة نفس الموقوف عليهم للعين الموقوفة، فكلّ واحد منهم لو بلغت حصّته النصاب كانت عليه الزكاة.

الصورة الثانية: ما لو كان وقفاً عامّاً كالوقف على الفقراء، فكلّ واحد منهم لو قبض قسماً من النتاج وامتلكه حتّى حان وقت تعلّق الزكاة في ملكه، تعلّقت الزكاة به، أمّا لو ملكه بعد ذلك فلازكاة عليه.

(9) إذا كانت العين الزكويّة بما لها من النصاب موجبةً لاستطاعة المالك للحجّ، في حين أنّه لو اُخرجت منها الزكاة لم يعدّ صاحبها مستطيعاً: فإن كان تعلّقُ الزكاة بها قبل تماميّة الاستطاعة، فوجوب الزكاة هنا مانع من وجوب الحجّ، ولا يعتبر صاحب هذه العين مستطيعاً.

وإن كانت الاستطاعة قد تحقّقت قبل تعلّق الزكاة، فتعلّق الزكاة لا يمنع من وجوب الحجّ؛ لأنّ الحجّ حينما وجب لم تكن الزكاة متعلّقة بالعين.

ولو كان حجّه متوقّفاً على صرف تمام العين للحجّ، كان يجب عليه تبديل العين قبل تعلّق الزكاة بها بمال آخر غير زكويّ حتّى لا تتعلّق به الزكاة.

ما تجب فيه الزكاة

(10) تجب الزكاة في تسعة أشياء: الأنعام الثلاثة، وهي: الإبل، والبقر، والغنم. والنقدان، وهما: الذهب، والفضّة. والغلاّت الأربع، وهي: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب.

239

أوّلاً: زكاة الأنعام:

(11) تشترط في تعلّق الزكاة بالأنعام زائداً على ما مضت من الشروط العامّة شروط اُخرى:

الشرط الأوّل: النصاب:

(12) لا تجب الزكاة على أيّ واحدة من الأنعام إلّا إذا بلغت مبلغاً معيّناً اصطُلِح عليه في الفقه الإسلاميّ باسم النصاب.

وعلى الرغم من أنّ النصاب يكون شرطاً عامّاً لتمام الأعيان الزكويّة أجّلنا ذكره إلى حين الحديث عن الشروط الخاصّة بنكتة: أنّ لكلّ قسم من تلك الأعيان نصاباً يخصّه.

فللأنعام نُصُبها الخاصّة بها التي نشرحها ـ إن شاء الله ـ في ما يلي:

(13) فالنصاب في الإبل عبارة عن اثني عشَر نصاباً:

الأوّل: الخمس، وفيها شاة.

والثاني: العَشْر، وفيها شاتان.

فالزائد في ما بين النصابين معفوّ عنه، أي: أنّه لو كان يمتلك تسعاً من الإبل لم تجب عليه إلّا شاة واحدة.

والثالث: خمس عشرة، وفيها ثلاث شياه.

والرابع: العشرون، وفيها أربع شياه.

والخامس: خمس وعشرون، وفيها خمس شياه.

ولك أن تعدّ هذه النُصُب الخمسة نصاباً واحداً بأن تقول: في كلّ خمس شاةٌ إلى الخمس والعشرين.