258

والأحوط(1) أن يكون بيعها على غيره بإذن الحاكم الشرعيّ، ولا يسقط التعريف عنه، بل يحفظ صفاتها ويعرِّف بها سنة، فإن وجد صاحبها دفع إليه الثمن الذي باعها به أو القيمة التي في ذمّته، وإلّا لم يبعد جريان التخيير المتقدّم.

(مسألة: 22) إذا ضاعت اللقطة من الملتقط فالتقطها آخر وجب عليه إرجاعها إلى الأوّل (2)، فإن لم يعرفه وجب عليه التعريف بها سنة، فإن وجد المالك دفعها إليه، وإن لم يجده ووجد الملتقط دفعها إليه، وعليه إكمال التعريف سنةً ولو بضميمة تعريف الملتقط الثاني، فإن لم يجد أحدهما حتّى تمّت السنة جرى التخيير المتقدّم.

(مسألة: 23) قد عرفت أنّه يعتبر تتابع التعريف طوال السنة، فقال بعضهم بتحقّق التتابع بأن لا ينسى اتّصال الثاني بما سبقه، وأنّه تكرار لما سبق، ونسب إلى المشهور أنّه يعتبر فيه أن يكون في الاُسبوع الأوّل كلّ يوم مرّة، وفي بقيّة الشهر الأوّل كلّ اُسبوع مرّة، وفي بقيّة الشهور كلّ شهر مرّة، وكلا القولين مشكل، واللازم الرجوع إلى العرف فيه، ولا يبعد صدقه إذا كان في كلّ ثلاثة أيّام مرّة.

(مسألة: 24) يجب أن يكون التعريف في موضع الالتقاط ولا يجزئ في غيره. نعم، إذا كان الالتقاط في الزُقاق أجزأ التعريف في الصحن أو في السوق أو



(1) وجوباً(1).

(2) إن لم يلتقطها الأوّل بنيّة التعريف، لم يجب إرجاعها إلى الأوّل؛ لأنّه لم يكن أميناً شرعيّاً على اللقطة، بل لم نجد دليلاً على وجوب إرجاعها إليه حتّى في صورة كونه أميناً عليها، فبإمكانه أن يتكفّل هو بتعريفها بهدف تحصيل المالك.


(1) لأنّ الرواتين الدالّتين على جواز التقويم على نفسه والتصرّف غير تامّتين سنداً كما عرفت.

259

ميدان البلد، أمّا إذا كان الالتقاط في القفار والبراري: فإن كان فيها نُزّال عرّفهم،وإن كانت خاليةً فالأحوط التعريف في المواضع القريبة التي هي مظنّة وجود المالك، ويجب أن يكون في مجامع الناس، كالأسواق، ومحلّ إقامة الجماعات، والمجالس العامّة، ونحو ذلك ممّا يكون مظنّة وجود المالك.

(مسألة: 25) إذا التقط في موضع الغربة جاز له السفر واستنابة شخص أمين في التعريف، ولا يجوز السفر بها إلى بلده. نعم، إذا التقطها في منزل السفر جاز له السفر بها والتعريف بها في بلد المسافرين، وكذا إذا التقط في بلده، فإنّه يجوز له السفر واستنابة أمين في التعريف.

(مسألة: 26) اللازم في عبارة التعريف مراعاة ما هو أقرب إلى تنبيه السامع لتفقّد المال الضائع وذكر صفاته للملتقط، فلا يكفي أن يقول: من ضاع له شيء أو مال، بل لابدّ أن يقال: من ضاع له ذهب أو فضّة أو إناء أو ثوب أو نحو ذلك مع الاحتفاظ ببقاء الإبهام للّقطة، فلا يذكر جميع صفاتها. وبالجملة: يتحرّى ما هو أقرب إلى الوصول إلى المالك، فلا يجدي المبهم المحض غالباً، ولا المتعيَّن المحض، بل أمر بين الأمرين.

(مسألة: 27) إذا وجد مقداراً من الدراهم أو الدنانير وأمكن معرفة صاحبها بسبب بعض الخصوصيّات التي هي فيها مثل: العدد الخاصّ والزمان الخاصّ والمكان الخاصّ وجب التعريف، ولا تكون حينئذ ممّا لا علامة له الذي تقدّم سقوط التعريف فيه.

(مسألة: 28) إذا التقط الصبيّ أو المجنون فإن كانت اللقطة دون الدرهم(1) جاز للوليّ أن يقصد تملّكها لهما، وإن كانت درهماً فما زاد وجب على وليّهما(2) التعريف بها سنةً، وبعد التعريف سواء أكان من الوليّ أم من غيره يجري التخيير المتقدّم.



(1) تقدّم: أنّ عنوان مبلغ الدرهم لا أثر له.

(2) إذا سيطر على اللقطة، وإلّا فلا يجب كما أفاده اُستاذنا(رحمه الله).

260

(مسألة: 29) إذا تملّك الملتقِط اللقطة بعد التعريف فعرف صاحبها: فإن كانت العين موجودةً دفعها إليه، وليس للمالك المطالبة بالبدل، وإن كانت تالفةً أو منتقلةً عنه إلى غيره ببيع أو صلح أو هبة أو نحوها كان للمالك عليه البدل(1): المِثل في المثليّ والقيمة في القيميّ، وإن تصدّق الملتقط بها فعرف صاحبها غرم له المثل أو القيمة، وليس له الرجوع بالعين إن كانت موجودة، ولا الرجوع على المتصدَّق عليه بالمثل أو القيمة إن كانت مفقودة. هذا إذا لم يرضَ المالك بالصدقة، وإلّا فلا رجوع له على أحد وكان له أجر التصدّق.

(مسألة: 30) اللقطة أمانة في يد الملتِقط لا يضمنها إلّا بالتعدّي عليها أو التفريط بها، ولا فرق بين مدّة التعريف وما بعدها. نعم، إذا تملّكها أو تصدّق بها ضمنها، على ما عرفت.

(مسألة: 31) المشهور جواز دفع الملتقط اللقطةَ إلى الحاكم، وفيه إشكال. وكذا الإشكال في جواز أخذ الحاكم لها أو وجوب قبولها، وكذا في وجوب التعريف على الملتقط بعد دفعها إلى الحاكم على تقدير القول بجوازه (2).



(1) لا يبعد أن يكون له إلزام الملتقط باسترجاع العين فيما لو كانت قد انتقلت عنه بعقد جائز كالهبة مثلاً (1).

(2) دفعه إلى الحاكم بمعنى استيمانه عنده لا إشكال في جوازه، أمّا دفعه إلى الحاكم بمعنى إخراجه عن ذمّته بوصوله إلى الحاكم، فهذا هو المشكل، والظاهر أنّه غير صحيح. أمّا لو فرضنا الإفتاء بصحّته، فهذا معناه سقوط وجوب التعريف عن الملتقط.


(1) قال اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «ولا يقاس المقام على سائر موارد الفسخ بعد انتقال العين».

وشرح مقصوده(قدس سره): أنّ أثر الفسخ إنّما هو انفساخ العقد، وانفساخ العقد إنّما يستوجب رجوع العين مع بقائها، ورجوع البدل مع انتقالها، فليس للفاسخ إجبار الناقل على فسخ النقل، وأمّا في المقام فالمالك حقّه متعلّق ابتداءً بعين ماله، فله حقّ إلزام الملتقط بفسخ العقد الجائز.

261

(مسألة: 32) إذا شهدت البيّنة بأنّ مالك اللقطة فلان وجب دفعها إليه وسقط التعريف، سواء أكان ذلك قبل التعريف أم في أثنائه أم بعده، قبل التملّك أم بعده. نعم، إذا كان بعد التملّك فقد عرفت أنّه إذا كانت موجودةً عنده دفعها إليه، وإن كانت تالفةً أو بمنزلة التالف دفع إليه البدل، وكذا إذا تصدّق بها ولم يرضَ بالصدقة.

(مسألة: 33) إذا تلفت العين قبل التعريف فإن كانت غير مضمونة بأن لا يكون تعدٍّ أو تفريط سقط التعريف، وإذا كانت مضمونةً لم يسقط، وكذا إذا كان التلف في أثناء التعريف، ففي الصورة الاُولى يسقط التعريف، وفي الصورة الثانية يجب إكماله، فإذا عرف المالك دفع إليه المثل أو القيمة.

(مسألة: 34) إذا ادّعى اللقطة مدّع وعلم صدقه وجب دفعها إليه، وكذا إذا وصفها بصفاتها الموجودة فيها، ولا يكفي مجرّد ذلك، بل لابدّ من حصول الاطمئنان بصدقه، ولا يكفي حصول الظنّ، ولا يعتبر حصول العلم(1) به وإن قال بكلٍّ قائلٌ.

(مسألة: 35) إذا عرف المالك وقد حصل للّقطة نماء متّصل دفع إليه العين والنماء، سواء حصل النماء قبل التملّك أم بعده، وأمّا إذا حصل لها نماء منفصل: فإن حصل قبل التملّك كان للمالك، وإن حصل بعده كان للملتقِط.

أمّا إذا لم يعرف المالك وقد حصل لها نماء: فإن كان متّصلا فإن تملّك اللقطة ملكه تبعاً للعين، وأمّا إذا كان منفصلا ففي جواز تملّكه مع العين قولان، أقواهما ذلك، وأحوطهما التصدّق به (2).



(1) يعني العلم القطعيّ الذي هو فوق الاطمينان، فإنّ الاطمينان، يعتبر عند العرف علماً أو كالعلم، ولكن العلم القطعيّ هو الذي لا يقبل احتمال الخلاف حتّى بالدقّة العقليّة.

(2) قال اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «هذا الاحتياط لا يترك»، والأمر كما أفاده(1).


(1) لعدم معلوميّة شمول دليل جواز التملّك للنماء المنفصل.

262

(مسألة: 36) لو عرف المالك ولكن لم يمكن إيصال اللقطة إليه ولا إلى وكيله: فإن أمكن الاستئذان منه في التصرّف فيها ولو بمثل الصدقة عنه أو دفعها إلى أقاربه أو نحو ذلك تعيّن (1)، وإلّا تعيّن التصدّق بها عنه.

(مسألة: 37) إذا مات الملتقط: فإن كان بعد التعريف والتملّك انتقلت إلى وارثه كسائر أملاكه، وإن كان بعد التعريف وقبل التملّك فالمشهور قيام الوارث مقامه في التخيير بين الاُمور الثلاثة أو الأمرين (2)، وإن كان قبل التعريف قام(3) الوارث مقامه فيه، وإن كان في أثنائه قام(4) مقامه في إتمامه، فإذا تمّ التعريف تخيّر الوارث بين الاُمور الثلاثة أو الاثنين، والأحوط(5) إجراء حكم مجهول المالك عليه في التعريف به إلى أن يحصل اليأس من الوصول إلى مالكه ثمّ يتصدّق به عنه.

(مسألة: 38) إذا وجد مالا في صندوقه ولم يعلم أنّه له أو لغيره: فإن كان لا



(1) وكذلك لو علم برضاه في صرف المال بوجه مخصوص، كما لو علم برضاه بإطعام الخبز الملتقط للفقراء. وهذا من إفادات اُستاذنا الشهيد(قدس سره).

(2) يقصد بالاُمور الثلاثة: التصدّق والتملّك وحفظها لصاحبها، ويقصد بالأمرين: الأوّلين.

(3) عطفٌ على ما سبق، أي: المشهور قيام الوارث مقامه في التعريف.

(4) أيضاً عطفٌ على ما سبق، أي: المشهور قيام الوارث مقامه في إتمام التعريف.

(5) مقصود الماتن الاحتياط الوجوبيّ، ولكن اُستاذنا الشهيد(قدس سره) رأى أن يكون الاحتياط استحبابيّاً، حيث أفاد ما مفاده: «لا يبعد أن يكون قيام الوارث مقام الميّت هو الصحيح» ونِعمَ ما أفاد(1).


(1) لأنّ حقّ التصدّق، وحقّ التملّك بعد الفحص أو إكماله حقّ ماليّ مشمول لقوله تعالى: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْراً﴾. سورة البقرة، الآية: 180.

263

يدخل أحد يده في صندوقه فهو له، وإن كان يدخل أحد يده في صندوقه عرّفه إيّاه، فإن عرفه دفعه إليه، وإن أنكره فهو له، وإن جهله لم يبعد الرجوع إلى القرعة، كما في سائر موارد تردّد المال بين مالكين. هذا إذا كان الغير محصوراً، أمّا إذا لم يكن فلا يبعد الرجوع إلى القرعة(1)، فإن خرجت باسم غيره فحص عن المالك، وبعد اليأس منه يتصدّق به عنه.

وإذا وجد مالا في داره ولم يعلم أنّه له أو لغيره: فإن لم يدخلها أحد غيره أو يدخلها قليل فهو له، وإن كان يدخلها كثير كما في المضائف ونحوها جرى عليها حكم اللقطة.

(مسألة: 39) إذا تبدّلت عباءة الإنسان بعباءة غيره أو حذاؤه بحذاء غيره: فإن علم أنّ الذي بدّله قد تعمّد ذلك جاز له أخذ البدل من باب المقاصّة، فإن كان قيمته أكثر من مال الآخر تصدّق بالزائد إن لم يمكن إيصاله إلى المالك (2)، وإن لم يعلم



(1) بل الظاهر: أنّه في فرض عدم الحصر مع فرض سقوط أماريّة يده لنفسه على المالكيّة يكون هذا لقطة(1).

(2) بل إن لم يمكن إيصاله إلى المالك، لم يجب عليه شيء؛ لأنّ المالك هو الذي هتك حرمة زيادة الماليّة لمال نفسه.


(1) لأنّ هذا داخل في ما يُفهم من صدر صحيحة جميل بن صالح «قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): رجل وجد في منزله ديناراً؟ قال: يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم كثير، قال: هذا لقطة. قلت: فرجل وجد في صندوقه ديناراً؟ قال: يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئاً؟ قلت: لا. قال: فهو له». الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 3 من اللقطة، الحديث الوحيد في الباب، ص 446.

أمّا إذا وجد مالاً في داره ولم يعلم أنّه له أو لغيره: فإن لم يدخلها أحد غيره، فهو له؛ لذيل ما عرفت من صحيحة جميل، ولأماريّة يده على ملكيّته.

وأمّا إذا كان يدخلها قليل بحيث لم تسقط أماريّة يده لنفسه، فأيضاً هو له؛ لأماريّة يده على الملك.

264

أنّه قد تعمّد ذلك(1) جرى عليه حكم مجهول المالك، فيفحص عن المالك، فإن يئس منه ففي جواز أخذه وفاءً عمّا أخذه إشكال، والأحوط التصدّق به بإذن الحاكم الشرعيّ، وأحوط منه أخذه وفاءً ثمّ التصدّق به عن صاحبه، كلّ ذلك بإذن الحاكم الشرعيّ (2).

 



(1) قال اُستاذنا الشهيد(قدس سره) ما مفاده: إن لم يعلم بأنّه قد تعمّد ذلك، فإن علم برضاه في التصرّف مطلقاً، أو بمقدار ما يقابل تصرّف الآخر، جاز له التصرّف على النحو المطابق لعلمه، كما أنّه إذا علم بأنّ الآخر ينتفع بالحذاء فعلاً تسامحاً وتهاوناً، جاز له ما يساوي ذلك الانتفاع بماله.

أقول: ما أفاده(رحمه الله) صحيح إن لم يكن الحذاء الباقي أكثر قيمة؛ لأنّه في الفرض الثاني يجب أن يتعامل مع زيادة القيمة معاملة مجهول المالك.

(2) يجوز في مجهول المالك غير اللقطة الفحص بمقدار اليأس، ثُمّ التملّك أو التصدّق مع الضمان عند العثور على صاحبه.

265

المعاملات

12

 

 

 

كتاب الغصب

 

 

 

 

 

 

267

 

 

 

 

 

وهو حرام عقلا وشرعاً (1)، ويتحقّق بالاستيلاء على مال الغير ظلماً وإن كان عقاراً، ويضمن بالاستقلال، ولو سكن الدار قهراً مع المالك ضمن النصف لو كانت بينهما بنسبة واحدة، ولو اختلفت فبتلك النسبة، ويضمن المنفعة إذا كانت مستوفاة، أمّا إذا فاتت تحت يده ففيه إشكال (2). ولو غصب الحامل ضمن الحمل، ولو منع المالك من إمساك الدابّة المرسَلة فشردت أو القعود على بساطه فسرق لم يضمن ما لم يسند الإتلاف إليه فيضمن (3). ولو غصب من الغاصب تخيّر



(1) في باب الملك والغصب لا معنى لعدّ الحرمة العقليّة في عرض الحرمة الشرعيّة؛ فإنّ الحرمة العقليّة لا معنى لها إلّا القبح العقليّ، فإن كانت الملكيّة شرعيّة كان القبح العقليّ لغصبها في طول الحرمة الشرعيّة، وإن كانت الملكيّة عقلائيّة كان قبح الغصب أمراً عقلائيّاً لا عقليّاً، وإن كانت الملكيّة بجعل ظالم فلا قيمة لها عقلاً.

(2) إن فاتت المنفعة تحت يده من دون استيفائه لها: فإن كان قد فوّت المنفعة على المالك، فلا إشكال في ضمانه لها، وإن لم يكن قد فوّت المنفعة على المالك؛ لأنّ المالك لم يكن يستوفيها على تقدير عدم ظلم هذا الظالم، فلا هي منفعة مستوفاة من قبل هذا الظالم، ولا هي فائتة على المالك، فالضمان هنا للمنفعة غير واضح.

(3) فلو علمنا أنّ الدابّة كانت تشرد حتّى على تقدير عدم إمساك هذا الظالم لمالكها؛ لكون الدابّة بصدد الشرود وهي أقوى من المالك أو أنّ البساط كان يسرق حتّى لولا منع

268

المالك في الاستيفاء ممّن شاء، فإن رجع على الأوّل رجع الأوّل على الثاني، وإن رجع على الثاني لم يرجع على الأوّل، ولا يضمن الحرّ مطلقاً وإن كان صغيراً إلّا أن يكون تلفه مستنداً إليه، ولا اُجرة الصانع لو منعه عن العمل إلّا إذا كان أجيراً خاصّاً(1) لغيره، فيضمن لمن استأجره، ولو كان أجيراً له لزمته الاُجرة، ولو استعمله فعليه اُجرة عمله، ولو أزال القيد عن العبد المجنون أو الفرس ضمن جنايتهما، وكذا الحكم في كلّ حيوان جنى على غيره من إنسان أو حيوان أو غيرهما، فإنّ صاحبه يضمن جنايته إذا كان بتفريط منه، إمّا بترك رباطه أو بحلِّه من الرباط إذا كان الحيوان من شأنه أن يربط وقت الجناية للتحفّظ منه، وكذا الحكم في الضمان لو انهار جدار فوقع على إنسان أو حيوان أو غيرهما، فإنّ صاحب الجدار ضامن إذا لم يصلحه أو يهدمه وتركه حتّى انهدم فأصاب عيناً فأتلفها، وكذا لو كان الجدار في الطريق العامّ، فإنّ حكم ضمان صاحب الجدار للتلف الحاصل من انهدامه إذا لم يبادر إلى قلعه أو إصلاحه (2)، وضمان الإنسان



هذا الظالم للمالك من القعود عليه؛ لأنّه كان قد هجم عليه السارق وهو أقوى من المالك، فلم يستند الإتلاف إلى هذا المانع، فلا ضمان عليه. أمّا إذا كان يحتمل عادةً عدم وقوع الشرود أو السرقة لولا منع المانع، فهذا كاف عرفاً في استناد الاتلاف إلى هذا المانع.

وهذا هو المفهوم من تعليق اُستاذنا الشهيد(قدس سره) على عبارة الماتن في المقام.

(1) الأفضل حذف كلمة «خاصّاً» حتّى يصبح المقصود من العبارة أوضح.

(2) ينبغي هنا إضافة كلمة «ثابتٌ»؛ كي تنفع في استقامة العبارة ووضوحها.

وأفاد هنا اُستاذنا الشهيد(قدس سره) ـ ونِعمَ ما أفاد ـ أنّه: «يضمن صاحب الجدار إذا كانت الحادثة في الطريق العامّ ولو لم يكن تداعي الجدار بفعله، ويضمن في غير ذلك [يعني: إذا

269

بذمّته في ماله لا على عاقلته. ولو فتح باباً فسرق غيره المتاع ضمن السارق، ولوأجّج ناراً من شأنها السراية إلى مال الغير فسرت إليه ضمنه، وإذا لم يكن من شأنها السراية فاتّفقت السراية بتوسّط الريح أو غيره لم يضمن، ويضمن الخمر والخنزير للذمّيّ بقيمتهما عندهم مع الاستتار، وكذا للمسلم حقّ اختصاصه فيما إذا استولى عليهما لغرض صحيح.

ويجب ردّ المغصوب، فإن تعيّب ضمن الأرش، فإن تعذّر الردّ ضمن مثله، ولو لم يكن مثليّاً ضمنه بقيمته يوم التلف، والأحوط استحباباً التصالح لو اختلفت القيمة يوم تلفه وأدائه، وفي المثليِّ يضمن لو أعوز المثل قيمة يوم الأداء (1)، ولو زاد للسوق فنقصت لم يضمنها (2)، ولو زاد للصفة فنقصت ضمنها مطلقاً (3)، ولو تجدّدت صفة لاقيمة لها لم يضمنها، ولو زادت القيمة لنقص بعضه ممّا له مقدَّر



كان مرور المارّ في ذاك الطريق صدفةً نادرة] إذا كان تداعي الجدار بفعله، ولكن إذا كان مالك العين التالفة ملتفتاً إلى إمكان انهدام الجدار ومع هذا وضع ماله بنحو أدّى إلى تلفه بالانهدام سقط الضمان عن صاحب الجدار على أيّ حال».

(1) نحن لا نؤمن بانقسام الأعيان إلى المثليّات والقيميّات، فدائماً نقول في ما لو أعوز المثل: إنّ عليه قيمة يوم الأداء، ولو وجد المثل ـ ولو صدفةً ـ فعليه المثل. نعم، لو أنّ مالك المثل لم يقبل بيعه على الغاصب إلّا بقيمة مجحفة، فلا يبعد سقوط وجوب تحصيله على الغاصب كي يؤدّيه إلى المغصوب منه، فبإمكانه أن يعود إلى دفع قيمة يوم الأداء العادلة.

(2) يعني: لو أنّ المغصوب زاد قيمةً بسبب السوق، بمثل قلّة العرض أو كثرة الطلب، ثُمّ نقصت القيمة، لم يضمنها.

(3) يعني: لو أنّ المغصوب زاد قيمةً بسبب تجدّد صفة فيه، ثُمّ تلفت الصفة، ضمن الغاصب قيمة الصفة.

270

كالجبّ فعليه دية الجناية (1)، ولو زادت العين زيادةً عينيّةً بأثره رجع الغاصب بها (2)، وعليه أرش النقصان لو نقصت، وليس له الرجوع بأرش نقصان عينه (3)، ولو امتزج المغصوب بجنسه(4): فإن كان بما يساويه شارك بقدر كمّيّته، وإن كان بأجود منه شارك بقدر ماليّته، إلّا أن تنقص قيمته بالمزج فعلى الغاصب أرش النقصان، وكذا لو كان المزج بالأدون (5)، ولو كان بغير جنسه ولم يتميَّز كالخلِّ



(1) العبارة غامضة، ولعلّ فيها خطأً، وكأنّ المقصود: أنّه لو زادت قيمة النقص، كما لو أصبح الفارق في السعر بين العبد المجبوب والعبد الصالح أكثر من ذي قبل ـ ولقطع ذكر الحرّ قيمة مقدّرة وهي الدية الكاملة ـ كان للمغصوب منه الأرش، وهو الفارق الفعليّ بين الصحيح والمعيب، لا دية الجناية على الحرّ، فلعلّ كلمة: «دية الجناية» خطأ، والصحيح: «الأرش»، أو «أرش الجناية».

أمّا لو كان المقصود: أنّه ليست العبرة بزيادة قيمة النقص وقلّتها، وإنّما العبرة بدية الجناية المقدّرة، فهذا الكلام غير وجيه.

(2) أي: أنّ من حقّ الغاصب استرجاع تلك الزيادة العينيّة التي هي ملك له، كما لو غصب الثوب وأضاف إليه أزراراً، فمن حقّه استرجاع تلك الأزرار؛ لأنّها ملكه، أمّا الزيادة التي تكون من قبيل نموّ الحيوان، أو الشجر، أو نتاجهما، فهي ملك المغصوب منه وإن كانت بفعل الغاصب، كما صرّح بذلك اُستاذنا الشهيد(قدس سره) في تعليقه على عبارة الماتن في المقام.

(3) يعني: لو استرجع الغاصب ما يكون من قبيل الأزرار التي كان قد أضافها على الثوب، وكان استرجاعه ممّا يستوجب نقصان عينه، فليس له الرجوع إلى مالك الثوب بأرش تلك العين.

(4) ينبغي أن يكون المقصود هو المزج الذي يمتنع عن التمييز بينهما والفصل.

(5) أفاد اُستاذنا: أنّ الظاهر أنّ المزج بالأجود أو الأدون يعتبر من التلف، فللمغصوب منه مطالبة الغاصب بالمثل أو القيمة، كما أنّ له الاكتفاء بالتالف ومرجع الاكتفاء بالتالف إلى المشاركة على النحو المذكور في المتن. وكلامه(قدس سره)مطابق لفهم العُرف.

271

بالعسل ونحو ذلك اشترك مع المالك فيه(1) على حسب قيمة مالهما إن لم تنقص ماليّة ماله، وإلّا كان عليه أرش النقصان، وفوائد المغصوب للمالك. ولو اشتراه جاهلا بالغصب(2) رجع بالثمن على الغاصب، وبما غرم للمالك عوضاً عمّا لا نفع في مقابلته، أو كان له فيه نفع، ولو كان عالماً فلا رجوع بشيء ممّا غرم للمالك. ولو زرع الغاصب للأرض فيها كان الزرع له وعليه الاُجرة، والقول قول الغاصب في القيمة مع اليمين وتعذّر البيّنة.

 

استرجاع العين أو بدلها بالمقاصّة:

مسألة: يجوز لمالك العين المغصوبة انتزاعها من الغاصب ولو قهراً، وإذا انحصر استنقاذ الحقّ بمراجعة الحاكم الجائر جاز ذلك، ولا يجوز له مطالبة الغاصب بما صرفه في سبيل أخذ الحقّ (3)، وإذا وقع في يده مال الغاصب جاز أخذه مقاصّةً، ولا يتوقّف على إذن الحاكم الشرعيّ، كما لا يتوقّف ذلك على تعذّر الاستيفاء بواسطة الحاكم الشرعيّ، ولا فرق بين أن يكون مال الغاصب من جنس المغصوب وغيره، كما لا فرق بين أن يكون وديعةً عنده وغيره، وإذا كان مال الغاصب أكثر قيمةً من ماله أخذ منه حصّةً تساوي ماله وكان بها استيفاء حقّه،



(1) بل يصدق التلف عرفاً كما مضى في الفرع السابق، فللمالك مطالبة المثل أو القيمة، فإن وافق المالك على الاكتفاء بالتالف، حصلت الشركة على النحو المذكورفي المتن.

(2) قوله: «ولو اشتراه جاهلاً بالغصب» ينبغي لاستقامة العبارة وتوضيحها أن تُغيّر بتعبير: «ولو اشتراه أحدٌ جاهلاً بالغصب».

(3) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «لا يبعد أن يكون له ذلك؛ لأنّ مرجع حالة الغاصب إلى الإكراه على الجامع بين التنازل عن العين المغصوبة وصرف المبلغ المذكور» ونِعمَ ما أفاده.

272

والمشهور جواز بيعها أجمع واستيفاء دينه من الثمن، وفيه تأمّل، وإن كان هو الأظهر، والباقي من الثمن يردّه على الغاصب ؛ ولو كان المغصوب منه قد استحلف الغاصب فحلف على عدم الغصب لم تجز المقاصّة حينئذ.

273

المعاملات

13

 

 

 

 

كتاب إحياء الموات

 

 

 

 

 

 

274

 

 

275

 

 

 

 

 

لا يجوز التصرّف في العامر المملوك، ولا في ما فيه صلاحه المعبَّر عنه بالحريم ـ كالطريق والنهر والمراح والمرعى ـ إلّا بإذن مالكه إذا كان التصرّف في ما فيه صلاح العامر مزاحماً لحاجة المالك، وإلّا جاز (1).

(مسألة: 1) حدّ الطريق المبتكر في المباحة مع المشاحّة خمسة أذرع(2)،

(1) الظاهر: أنّ مقصود الماتن(قدس سره) من مثال الطريق هو المثال للحريم الذي فيه صلاح العامر، ومن باقي الأمثلة هو المثال للعامر المملوك. والمراح: مأوى الإبل والغنم.

(2) لاُستاذنا الشهيد(قدس سره) هنا كلامان:

أحدهما: أنّه لو أنّ وليّ الأمر ألزم ـ بحسب المصلحة ـ بأزيد من ذلك لزم.

والثاني: أنّ الخمسة أذرع تختصّ بفرض ابتكار الطريق وإنشائه، وأمّا الطريق المُنشأ تسبيلاً أو إحياءً، فلا يجوز الاقتطاع منه ولو زاد على خمسة أذرع.

وكلا كلاميه(قدس سره) متين.

وأمّا مصدر كون حدّ الطريق المبتكر في المباحة مع المشاحّة خمسة أذرع، فهو موثّقة أبي العبّاس البقباق(1).


(1) عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إذا تشاحّ قوم في طريق، فقال بعضهم: سبع أذرع، وقال بعضهم: أربع أذرع، قال(عليه السلام): لا، بل خمس أذرع». الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 15 من كتاب الصلح، ح 1، ص 455.

276

وحريم بئر المعطن(1) أربعون، والناضح ستّون، وحريم العين في الرخوة ألف، وفي الصلبة خمسمئة، ولو كان ضرر بذلك فالأحوط إن لم يكن أقوى اجتنابه (2)، ويحبس النهر للأعلى(3) إلى الكعب(4) في النخل، وللزرع إلى



(1) المعطن والعطن: مَبرك الإبل عند الماء لتشرب.

(2) المقياس أساساً هو الضرر، وليس الألف والخمسمئة(1).

(3) أي: لمن هو في الأرض الأعلى.

(4) أي: كعب القدم.


وتعارضها رواية السكونيّ في نفس المصدر، ح 2 عن أبي عبدالله(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وفي ج 25 بحسب تلك الطبعة، ب 11 من إحياء الموات، ح 5، ص 426، وكذلك الحديث 6 من نفس الباب والصفحة عن مسمع بن عبدالملك عن أبي عبدالله(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «والطريق يتشاحّ عليه أهله فحدّه سبع أذرع»، وهما: إمّا تُسقطان بضعف السند، أو تُحمَلان جمعاً على الاستحباب.

(1) دليل الألف في الرخوة والخمسمئة في الصلبة ليس تامّاً سنداً، وهو رواية محمّد بن عبدالله بن هلال عن عقبة بن خالد ـ ولا دليل على وثاقتهما غير وقوعهما في أسانيد كامل الزيارات ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «يكون بين البئرين إذا كانت أرضاً صلبة خمسمئة ذراع، وإذا كانت أرضاً رخوة فألف ذراع». الوسائل ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 11 من إحياء الموات، ح 3، ص 425، في حين أنّ صحيحة محمّد بن الحسين، أو محمّد بن الحسن تقول: «كتبت إلى أبي محمّد(عليه السلام): رجل كانت له قناة في قرية، فأراد رجل أن يحفر قناة اُخرى إلى قرية له، كم يكون بينهما في البعد حتّى لا تضرّ إحداهما بالاُخرى في الأرض إذا كانت صلبة أو رخوة؟ فوقّع(عليه السلام): على حسب أن لا تضرّ إحداهما بالاُخرى إن شاء الله». الوسائل، نفس المجلّد، ب 14 من تلك الأبواب، ص 431.

277

الشراك (1)، ثمّ كذلك لمن هو دونه، وللمالك أن يحمي المرعى في ملكه، وللإمام مطلقاً (2)، وليس لصاحب النهر تحويله إلّا بإذن صاحب الرحى المنصوبة عليه بإذنه (3)، وكذا غير الرحى أيضاً من الأشجار المغروسة على حافّتيه وغيرها على الأقوى (4)، ويكره بيع ما زاد على الشرب من الماء في القنوات والأنهار. ويجوز إخراج الرواشن والأجنحة في الطرق النافذة(5) ما لم يضرَّ بالمارّة دون المرفوعة



(1) أي: شراك النعل، وقد أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «أنّ هذه التقديرات في النخل والزرع حسبيّة، مبنيّة على تقدير وليّ الأمر للمصلحة ومقدار الحاجة»، ونِعمَ ما أفاد(1).

(2) أي: للإمام أن يحمي المرعى للمصالح العامّة حتّى لو لم يكن بإحيائه.

(3) حينما يكون ذلك موجباً للإضرار بالرحى بمثل الهدم برغم أنّه كان مبنيّاً بإذن صاحب النهر.

(4) يعني: برغم أنّ النصّ مخصوص بالرحى(2).

(5) الطرق النافذة تعني: الطرق التي تنفذ إلى طريق عامّ، أو مكان مباح يجوز استطراقه.

وقد فسّرت الرواشن والأجنحة بالقول التالي:

لو أخرج خشباً من حائطه ووضعه على الجدار المقابل، سمّي ساباطاً، وإن لم يضعه على الجدار المقابل، بل أنشأ أعمدة في الطريق ووضعه عليها، سمّي جناحاً، وإن لم يضعه على الجدار المقابل ولا على أعمدة، سمّي روشناً، ويجوز فتح الروشن والجناح ما لم يضرّ بالمارّة.


(1) فإنّ هذا من أقضية رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وظاهرها تدخّله(صلى الله عليه وآله) بما هو وليّ الأمر. راجع الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 8 من إحياء الموات، ص 420 ـ 422.

(2) وهو صحيحة محمّد بن الحسين أو محمّد بن الحسن، الوسائل، ج 25 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 15 من إحياء الموات، ص 431 ـ 432.

278

إلّا بإذن أربابها على المشهور، والأظهر جواز الأمرين مع كثرة الدور وطول المرفوعة، بل يحتمل الجواز مع عدم الأمرين (1)، وكذا فتح الأبواب(2) ولو أخرج الروشن في الطريق، فليس لمقابله منعه وإن استوعب عرض الدرب، ولو سقط فبادر مقابله لم يكن للأوّل منعه على إشكال ضعيف (3). ويستحبّ للجار الإذن في وضع خشب جاره على حائطه مع الحاجة، ولو أذن جاز الرجوع قبل



(1) الطرق المرفوعة هي الطرق المسدودة، يعني: يحتمل جواز فتح الروشن والجناح حتّى مع قلّة الدور وقصر المرفوعة.

والظاهر عدم جواز فتحهما إلّا إذا علم أنّ تكوّن الطريق كان عن طريق تتابع بناء البيوت بدون توجّه قصد لإحياء الطريق، وإلّا فإن علم بقصد إحياء الطريق، كان فتحهما تصرّفاً في الملك المشترك فيحرم، وإن شكّ في ذلك، فالأحوط أيضاً عدم الجواز؛ لأنّه بناءً على امتلاك هواء الحريم بفتح الروشن أو الجناح يتكوّن علم إجماليّ بالملكيّة المشتركة أو ملكيّة من يفتح الجناح أو الروشن لهواء الحريم، ولكلّ منهما أثر إلزاميّ، فالأثر الإلزاميّ للملكيّة المشتركة واضح، والأثر الإلزاميّ للحريم أنّ صاحب الروشن أو الجناح لو يوجد يملك هواء الحريم، ويجب احترام هذا الملك.

(2) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «في المرفوعة يجوز فتح باب بدلاً عن آخر، وأمّا إضافة باب إلى آخر فجوازها محلّ إشكال».

أقول: لا إشكال في أنّ هذا هو الأحوط(1).

(3) أفاد اُستاذنا(رحمه الله): «بل لا يخلو من وجه، فالأحوط عدم المبادرة إلّا مع انصراف الآخر عن تجديد ما انهدم». أقول: لا شكّ أنّ هذا هو الأحوط(2).


(1) لإمكان القول بأنّ اشتراكه في هذا الحريم أو في هذا الملك إنّما كان بقدر باب واحد،لا أكثر.

(2) لاحتمال تملّكه للهواء بما كان قد فعله في داخل الحريم.

279

الوضع وبعده، إلّا إذا لزم ضرر على واضع الخشب فلا يجوز وإن بذل الأرش.نعم، إذا حدث ضرر من ذلك على صاحب الجدار جاز له أمر جاره بالرفع بلا أرش (1). ولو تداعيا جداراً مطلقاً لايدَ عليه لأحدهما فهو للحالف مع نكول الآخر (2)، ولو حلفا أو نكلا فلهما (3)، ولو اتّصل ببناء أحدهما أو كان له عليه طرح فهو له مع اليمين، ولا يتصرّف الشريك في الحائط والدولاب والبئر والنهر بغير إذن شريكه إلّا فيما قامت السيرة على جوازه، ولا يجبر الشريك على العمارة إذا احتاجت العين المشتركة إليها.

(مسألة: 2) لا يجوز للجار أن يتصرّف في ملكه تصرّفاً يوجب الضرر المعتدّ به على جاره إذا كان الضرر غير متعارف وقوعه فيما بين الجيران، فلو تصرّف كذلك وجب عليه رفعه، إلّا إذا كان ترك التصرّف يوجب ضرراً على المالك، فيجوز له ذلك ويضمن الضرر الوارد على جاره إذا كان مستنداً إليه عرفاً على الأحوط إن لم يكن أقوى، فإذا حفر في داره بالوعةً تضرّ ببئر جاره وجب عليه طمّها، إلّا إذا تضرّر من ذلك فيضمن لجاره الضرر حينئذ ولا يجب عليه طمّها، وفي جريان الحكم المذكور لو كان حفر البئر متأخّراً عن حفر البالوعة إشكال، ولا سيّما مع التمكّن من حفر البئر في موضع آخر لا يحصل منه الضرر على البئر، بل الأظهر في هذه الصورة عدم لزوم طمِّ البالوعة وعدم ضمان الضرر الوارد على البئر.



(1) بل لا يبعد ثبوت الأرش كما أفاده اُستاذنا(قدس سره)(1).

(2) مع فرض عدم خروجه من ملكهما.

(3) مع فرض عدم خروجه من ملكهما.


(1) لأنّ إلزامه بذلك بلا أرش يعدّ عرفاً إضراراً به.

280

(مسألة: 3) إذا اختلف صاحب العلو وصاحب السفل كان القول قول صاحب السفل في جدران البيت (1)، وقول صاحب العلو في السقف(2) وجدران الغرفة والدرجة، وأمّا الخزانة(3) تحتها فلا يبعد كونها لصاحب السفل، وطريق العلو في الصحن بينهما والباقي للأسفل (4)، ويجوز للجار قطف(5) أغصان الشجرة عن ملكه إذا تدلّت عليه، فإن تعذّر قطعها (6). وراكب الدابّة أولى من قابض لجامها بجنايتها (7)، وصاحب الأسفل أولى بالغرفة المفتوح بابها إلى غيره



(1) يعني: مع يمينه، وكذلك المقصود في ما يأتي.

(2) يعني: السقف الذي هو أرض لصاحب العلوّ.

(3) يعني: الخزّان الذي تحت الدرج(1).

(4) يعني: أنّ الممرّ من الصحن بين باب الدار إلى درج الغرف الفوقانيّة يكون بينهما، وباقي الصحن يكون للأسفل.

(5) هذا خطأ قلميّ، أو خطأ مطبعيّ، والصحيح: «عطف» بالعين لا بالقاف.

(6) أفاد اُستاذنا الشهيد(قدس سره): «أنّ قطعها يكون بإذن المالك، أو بإذن وليّه الإجباريّ ـ الحاكم الشرعيّ ـ مع تعذّر إذنه وتعذّر إجباره».

وأيضاً أفاد(قدس سره): «أنّ وضع الشجرة بنحو يمتدّ إلى أرض الجار إن كان بإذنه، كان عليه أرش النقص، وإلّا فلا».

وكلا الأمرين اللذين أفادهما متين.

(7) لو اُريد توجيه عبارة الماتن ينبغي افتراض كلمة «بجنايتها» زائدة، فيصبح المعنى: أنّ راكب الدابّة هو الذي يعتبر ذا اليد على الدابّة دون القابض بلجامها.


(1) وإنّما تنزّل الماتن(رحمه الله) بالنسبة للخزّان تحت الدرج من الفتوى الصريحة بأنّه لصاحب السفل إلى قوله: «لا يبعد» لما قد يقال: من أنّ هذا الخزّان بمنزلة الهواء للدرج الذي هو لصاحب العلوّ، وفي نفس الوقت هو بيت من بيوت صاحب السفل، فهو بينهما.

281

مع التنازع واليمين وعدم البيّنة (1).

(مسألة: 4) الأراضي المنسوبة إلى طوائف العرب والعجم وغيرهم لمجاورتها لبيوتهم ومساكنهم من دون تملّكهم لها بالإحياء أو السبق والتصرّف بعنوان الملك باقية على إباحتها الأصلية، فلا يجوز لهم منع غيرهم عن الانتفاع بها، ولا يجوز لهم أخذ الاُجرة ممّن ينتفع بها، وإذا قسّموها فيما بينهم لرفع التشاجر والنزاع لا تكون القسمة صحيحة، بل لكلٍّ من المتقاسمين التصرّف فيما يختصّ بالآخر بحسب القسمة. نعم، إذا كانوا يحتاجون إليها لرعي الحيوانات أو نحو ذلك كانت من حريم أملاكهم، وحينئذ لا يجوز لغيرهم التصرّف فيها بنحو يزاحمهم ويعطّل حوائجهم، كما عرفت سابقاً.

(مسألة: 5) إذا سبق إنسان إلى أرض عامرة ملكها (2)، ولا يحصل السبق إليها إلّا بالاستيلاء عليها وكونها تحت سلطانه وخروجها من سلطان غيره إمّا بتحجير عليها(3) أو زرعها أو نحو ذلك ممّا يوجب المنع عن غيره من الاستيلاء عليها. وإذا سبق إلى أرض ميّتة لم يملكها إلّا بالإحياء (4). نعم، إذا حجّرها كان له



(1) قوله: «وصاحب الأسفل أولى بالغرفة المفتوح بابها إلى غيره مع التنازع واليمين وعدم البيّنة» العبارة غامضة، ولعلّ فيها خطأً، ولعلّ المقصود: أنّنا لو فرضنا جارين، وكانت هناك غرفة خارجة من بطن بناية أحد الجارين، ولكن بابها مفتوح إلى الجار الآخر، لا إلى البناية التي وقعت الغرفة في بطنها، فهذه الغرفة لدى النزاع تكون للجار الذي يفتح بابها عليه مع اليمين وعدم البيّنة.

(2) بل كان له فيها حقّ الانتفاع.

(3) التحجير الذي يكون مقدّمة للاستفادة العمليّة من قبل هذا الإنسان المسلم دون مجرّد الحيازة البحت لأجل البيع مثلاً.

(4) بل له حقّ الأولويّة فيها، وتبقى رقبة الأرض للإمام.

282

حقّ التحجير (1)، ويكفي في حصول التحجير بناء الجدار المحيط بها، بل بناء الأساس له، بل حفرها لبناء الأساس على نحو يكون له أهمّيّة في نظر العرف.

(مسألة: 6) الإعراض عن الملك لا يوجب ارتفاع الملكيّة (2). نعم، إذا سبق إليه من تملّكه ملكه، وإذا لم يسبق إليه أحد فهو على ملك مالكه، وإذا مات فهو لوارثه لا يجوز التصرّف فيه إلّا بإعراض منه.

 



(1) هذا إذا كان التحجير مقدّمة للإحياء.

(2) قال اُستاذنا(رحمه الله): «لا يبعد أنّه يوجب ذلك». أقول: ويترتّب على ذلك أنّه إذا مات، لم ينتقل إلى وارثه حتّى يحرم على غيره تملّكه إلّا بإعراض آخر من الوارث، وبما أنّ هذا المطلب غير مفهوم عرفاً، أي: أنّه لو مات المالك الذي أعرض عن ملكه، ففي الفهم العرفيّ لا ينتظر من أراد تملّكه إعراضاً آخر من وارث المالك الأوّل، فلا يبعد القول بأنّ الإعراض مسقط للملكيّة عرفاً.