6

وتوضيح ذلك: أنّ الزواج صحيح كان بشكل عامّ موجباً لسعادة الحياة ولاستمرار حياة الاُمّة بما هي اُمّة، ولكن توجد موارد استثناء عديدة على أساس أحوال ومكتنفات نفسيّة أو خارجيّة تجعل الزواج موجباً للشقوة في الحياة، ولم يكن بالإمكان تحديدها بشكل دقيق ومضبوط في مقياس مفهوم لنا؛ فإنّ هذه المسألة قد تصبح من أشدّ المسائل الحياتيّة تعقيداً، وترتبط بدقائق الاُمور النفسيّة أو الخارجيّة، فكان أفضل اُسلوب لتنزيل النظام التشريعي من قبل الشريعة الإسلاميّة بشكل يحفظ المصالح المتضاربة في أكثر الموارد، هو إعمال عنصر المرونة عن طريق التنزّل من إيجاب النكاح إلى بيان أنّ النكاح في حدّ ذاته من أحبّ الأشياء عند الله، علماً بأنّ المسلم المتديّن لايخلو عادة من إحدى حالات ثلاث:

1 ـ فإمّا أن يكون من الواضح لديه أنّ الزواج يسعد حياته، وأنّه غير مبتلىً بالحالات الاستثنائيّة التي توجب عسر النكاح عليه، أو إيجابه للشقاء في الحياة، وهذا عادة يتزوّج بلاحاجة إلى مرغِّب شرعي.

2 ـ وإمّا أنّ النكاح يستوجب في نظره تحمّل المشاقّ، ولكنّه حينما يضمّ الترغيب الشرعي للنكاح واستحبابه الأكيد، وأنّه في حدّ ذاته من أحبّ الأشياء لله إلى ما يعرفه هو من فوائد النكاح وحاجته الحياتيّة إليه يكفي ذلك في قبوله لتلك المشاقّ وتحمّله لها. وهذا الإنسان المؤمن تكفيه تلك الرواياتُ الحاثّة على النكاح في إقدامه على ذلك.

3 ـ وإمّا أنّ النكاح يستوجب في نظره تحمّل مشاقّ لايستعدّ هو لتحمّلها ما لم يكن النكاح واجباً. وهنا لم يكن بالإمكان إعطاءُ ضابط عامّ يفهمه المكلّف لتشخيص أنّ الزواج هل يسعده، وأنّ رجحانه من حيث الدين والدنيا هل يفوق الشقاء الذي يراه، أو العكس هو الصحيح؟ فكان الأفضل عدم تشريع حكم إلزامي في المقام؛ كي لايقع المكلّف في حرج من ناحية تشخيص وظيفته الشرعيّة، ويمارس الأمر على وفق موازينه العقلائيّة التي قد تختلف من نظر إلى آخر، أو من حدس إلى حدس آخر.

الثاني: مسألة الطلاق، فعلى الرغم من أنّ الطلاق في حدّ ذاته من أبغض الأشياء عند الله ـ  حتّى ورد بسند تامّ عن صفوان، عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما من شيء أبغض إلى الله عزّوجلّ من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة» يعني الطلاق. ثُمّ قال الصادق (عليه السلام): «إنّ الله عزّوجلّ إنّما وكّد في الطلاق وكرّر فيه القول من بغضه الفرقة»(1)  ـ لم يحرّم الطلاق، ولم يذكر مقياساً للتمييز الكامل بين موارد رجحان عدم الطلاق فيحرّمه مثلاً، وبين حالات استثنائيّة فيحلّله فيها؛ إذ لم يكن هناك مقياسٌ عامّ قابل للفهم لدى المكلّفين، وكان الأفضل في استعمال عنصر المرونة التنزّلَ من التحريم إلى بيان كون الطلاق في حدّ ذاته من أبغض الأشياء عند الله، وشرح ذلك يشبه ما ذكرناه في الزواج، فلانعيد.

الثالث: مسألة الأعمال المستحبّة للزوج على الزوجة، فلعلّ النكتة في جعلها مستحبّة لاواجبة ـ إضافة إلى ما مضى ـ هي: نكتة المرونة بمعنى آخر غير ما مضى من فكرة الاحتفاظ بعنصر التحابّ والمودّة، وذاك المعنى هو: أن يقال: إنّ طاعة الزوجة للزوج في غير الموارد المنصوص على وجوبها قد تؤكّد جانب القوّاميّة والقيادة إلى شاطئ الخير والسعادة، ولكن قد تنافي ذلك، وتصل إلى حدّ إعمال الزوج التحكّم، ولم يمكن علاج ذلك بتقييد فرض إيجاب الطاعة فيما إذا لم يصل الأمر إلى مستوى التحكمّ؛ فإنّ هذا لايُعَدّ فيصلاً ومانعاً من التحكّم المقيت؛ لأنّهما عادة يختلفان في صدق التحكّم وعدمه، فكان خيرُ اُسلوب لإعمال عنصر المرونة في المقام جعلَ الطاعة على الزوجة في غير الموارد المعهودة المنصوص على وجوبها أمراً مستحبّاً لاواجباً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

عام 1408 هـ ق

كاظم الحسينيّ الحائريّ


(1) سورة الروم، الآية: 21.