536

عصيان للحكم التكليفيّ فكذلك المقصود بمعصية الله.

والمحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) أنكر هذا الظهور الثاني، ووجهه ـ على ما يظهر من مجموع كلامه في الكفاية وفي حاشيته في مقام شرح ما ذكره هنا في المتن ـ هو: أنّه ليس المراد بمعصية العبد لسيّده مخالفته لنهيه؛ فإنّه لم يُفرض في الحديث نهي السيّد له عن النكاح، بل المراد هو العمل بدون إذنه، فإنّه أيضاً معصية له؛ لحصول التمرّد بذلك؛ لأنّ مقتضى مقام العبوديّة والمولويّة على ما يحكم به العقل هو أن لا يفعل شيئاً بدون إذن مولاه وترخيصه، فإن فعل لم يكن قد تحرّك على طبق ما اقتضاه مقام المولى بل تحرّك نحو الخلاف، فهو متمرّد وعاص للمولى، وبما أنّ الظاهر هو أنّ مراده(عليه السلام) بالمعصية في قوله: «لم يعص الله»، وفي قوله: «عصى سيّده» شيء واحد نقول: إنّ المراد بمعصية الله هو العمل بدون إذنه، فيكون بطلان المعاملة من ناحية عدم إذنه تعالى وإمضائه لتلك المعاملة، وهذا غير مربوط بما نحن فيه(1).

ويرد عليه:

أوّلا: أنّ كون مراده(عليه السلام) بمعصية الله العمل بدون إذنه الوضعيّ غير معلوم، بل بناءً


(1) راجع الكفاية، ج 2، ص 254 مع ما تحت الخطّ من تعليق نفس المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) وفق الطبعة التي حقّقها الخفاجيّ. ولعلّ المقصود: أنّ مالك العبد وإن لم يكن له نهي وضعيّ ولكنّ المسألة في المقام ليست عبارة عن النهي الوضعيّ لمالك العبد، بل عبارة عن عدم إذنه في زواج العبد ممّا يحكي عن عدم رضاه بالنتيجة وهي تحقّق الزوجيّة، فالمالك وإن لم يكن له حكم وضعيّ بأن يحكم ببطلان الزوجيّة أو قل: بطلان النتيجة، ولكن له كراهة النتيجة وعدم الرضا بها، ويُترجَم ذلك في طرف المولى الحقيقيّ بعدم إمضائه للنتيجة وإبطاله لها الذي هو حكم وضعيّ.

ولو كان المقصود هو هذا الذي ذكرناه لم يرد عليه شيء من الإشكالين المذكورين في المتن.

537

على ما ذكره من التقريب يستظهر خلافه، فإنّ موضوع ما مضى من حكم العقل إنّما هو الإذن التكليفيّ لا الوضعيّ، وإلاّ لزم أن تكون جميع معاملات العبيد باطلة عندهم ولو مع إذن السيّد؛ لأنّ سيّدهم إنّما أذن لهم بالإذن التكليفيّ، وأمّا الإذن الوضعيّ فهو فعل الشارع. ولو كان الموضوع للإذن الوضعيّ من قِبَل الشارع له هو الإذن والترخيص التكليفيّ من قِبَل المالك فبما أنّ المراد من المعصية في المقامين شيء واحد لابدّ أن يقال: إنّ المراد بمعصية الله هو العمل من دون ترخيصه المساوق للحرمة التكليفيّة.

وثانياً: أنّ كون صدور أيّ عمل من العبد بدون إذن سيّده حتّى مثل التكلّم بأيّ كلام كإجراء الصيغة يعدّ تمرّداً على السيّد ممنوع، فإجراء العبد للصيغة ليس تمرّداً، وأمّا المسبّب فالمفروض أنّه لا يحصل بدون إذن السيّد أو إجازته، هذا.

والتحقيق: منع الظهور الثاني، لا لما ذكره المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) بل لوجه آخر، وهو: أنّ ظاهر قوله(عليه السلام): (عصى سيّده، فإذا أجاز جاز) هو أنّ المراد بمعصية السيّد معنى حدث أوّلا ثُمّ زال بإجازة السيّد، وهذا قرينة على أنّه ليس المراد بالمعصية كون الفعل مخالفاً لنهي السيّد أو غير صادر عن إذنه، فإنّ المعصية بهذا المعنى لا تخرج عن كونها معصية بلحوق الإجازة، بل المراد بالمعصية هو كون الفعل بحيث ليس له استناد إلى السيّد، وهذا ينتفي بلحوق الإجازة، فإنّه بمجرّد لحوقها يستند الفعل إليه بوجه مّا، على ما بيّناه في بحث الفضوليّ: من أنّ الإجازة تجعل العقد مستنداً بوجه مّا إلى المالك، وتكون صحّة الفضوليّ على طبق القاعدة، فالفعل بعد أن لم يكن مستنداً إليه انقلب إلى كونه مستنداً إليه. وليس حال هذا الاستناد الاعتباريّ حال التكوينيّات التي نقول فيها: إنّ انقلاب الشيء عمّا وقع عليه محال، وتمام الكلام في ذلك موكول إلى بحث الفضوليّ.

538

وإذا كان المراد بالمعصية في قوله: «عصى سيّده» ذلك فبما أنّ ظاهر الحديث كون المراد بالمعصية في المقامين شيئاً واحداً قلنا: إنّ المراد بمعصية الله هو كون هذه المعاملة بحيث لا يستند بوجه إلى الله تعالى، ومع فرض الإمضاء الوضعيّ يكون مستنداً إليه بوجه، فإنّما يدلّ الحديث على بطلان المعاملة مع فرض عدم الإذن الوضعيّ من جانبه تعالى لا على البطلان بصرف الحرمة التكليفيّة، فالمقصود من جواب الإمام(عليه السلام): أنّ العبد لم يأت بما لا يكون مستنداً إلى الله تعالى حتّى يقال ببطلانه لعدم لحوق الإجازة ولو وضعيّة، وإنّما أتى بما لا يكون مستنداً إلى السيّد فيصحّ بإجازته، وهذا غير مربوط بما هو المقصود من كون الحرمة التكليفيّة لا تجتمع مع الصحّة.

هذا تمام الكلام في دلالة النهي في المعاملات على الفساد وعدمها.