537

على ما ذكره من التقريب يستظهر خلافه، فإنّ موضوع ما مضى من حكم العقل إنّما هو الإذن التكليفيّ لا الوضعيّ، وإلاّ لزم أن تكون جميع معاملات العبيد باطلة عندهم ولو مع إذن السيّد؛ لأنّ سيّدهم إنّما أذن لهم بالإذن التكليفيّ، وأمّا الإذن الوضعيّ فهو فعل الشارع. ولو كان الموضوع للإذن الوضعيّ من قِبَل الشارع له هو الإذن والترخيص التكليفيّ من قِبَل المالك فبما أنّ المراد من المعصية في المقامين شيء واحد لابدّ أن يقال: إنّ المراد بمعصية الله هو العمل من دون ترخيصه المساوق للحرمة التكليفيّة.

وثانياً: أنّ كون صدور أيّ عمل من العبد بدون إذن سيّده حتّى مثل التكلّم بأيّ كلام كإجراء الصيغة يعدّ تمرّداً على السيّد ممنوع، فإجراء العبد للصيغة ليس تمرّداً، وأمّا المسبّب فالمفروض أنّه لا يحصل بدون إذن السيّد أو إجازته، هذا.

والتحقيق: منع الظهور الثاني، لا لما ذكره المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) بل لوجه آخر، وهو: أنّ ظاهر قوله(عليه السلام): (عصى سيّده، فإذا أجاز جاز) هو أنّ المراد بمعصية السيّد معنى حدث أوّلا ثُمّ زال بإجازة السيّد، وهذا قرينة على أنّه ليس المراد بالمعصية كون الفعل مخالفاً لنهي السيّد أو غير صادر عن إذنه، فإنّ المعصية بهذا المعنى لا تخرج عن كونها معصية بلحوق الإجازة، بل المراد بالمعصية هو كون الفعل بحيث ليس له استناد إلى السيّد، وهذا ينتفي بلحوق الإجازة، فإنّه بمجرّد لحوقها يستند الفعل إليه بوجه مّا، على ما بيّناه في بحث الفضوليّ: من أنّ الإجازة تجعل العقد مستنداً بوجه مّا إلى المالك، وتكون صحّة الفضوليّ على طبق القاعدة، فالفعل بعد أن لم يكن مستنداً إليه انقلب إلى كونه مستنداً إليه. وليس حال هذا الاستناد الاعتباريّ حال التكوينيّات التي نقول فيها: إنّ انقلاب الشيء عمّا وقع عليه محال، وتمام الكلام في ذلك موكول إلى بحث الفضوليّ.

538

وإذا كان المراد بالمعصية في قوله: «عصى سيّده» ذلك فبما أنّ ظاهر الحديث كون المراد بالمعصية في المقامين شيئاً واحداً قلنا: إنّ المراد بمعصية الله هو كون هذه المعاملة بحيث لا يستند بوجه إلى الله تعالى، ومع فرض الإمضاء الوضعيّ يكون مستنداً إليه بوجه، فإنّما يدلّ الحديث على بطلان المعاملة مع فرض عدم الإذن الوضعيّ من جانبه تعالى لا على البطلان بصرف الحرمة التكليفيّة، فالمقصود من جواب الإمام(عليه السلام): أنّ العبد لم يأت بما لا يكون مستنداً إلى الله تعالى حتّى يقال ببطلانه لعدم لحوق الإجازة ولو وضعيّة، وإنّما أتى بما لا يكون مستنداً إلى السيّد فيصحّ بإجازته، وهذا غير مربوط بما هو المقصود من كون الحرمة التكليفيّة لا تجتمع مع الصحّة.

هذا تمام الكلام في دلالة النهي في المعاملات على الفساد وعدمها.