المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

46

التي يريد إثباتها.

فالدليل الفلسفي إذن يختلف عن الدليل العلمي في تعامله مع معلومات عقلية لا تدخل في نطاق مبادئ الدليل الرياضي.

وعلى أساس ما قدّمناه من مفهوم الدليل الفلسفي قد نواجه السؤال التالي: هل بالإمكان الاعتماد على المعلومات العقلية ـ أي على الأفكار التي يوحي بها العقل ـ بدون حاجة إلى إحساس وتجربة أو استقراء علمي ؟

والجواب على ذلك بالإيجاب، فإنّ هناك في معلوماتنا ما يحظى بثقة الجميع، كمبدأ عدم التناقض الذي تقوم عليه كلّ الرياضيات البحتة، وهو مبدأ يقوم إيماننا به على أساس عقلي، وليس على أساس الشواهد والتجارب في مجال الاستقراء.

والدليل على ذلك: أنّ درجة اعتقادنا بهذا المبدأ لا تتأثّر بعدد التجارب والشواهد التي تتطابق معها. ولنأخذ تطبيقاً حسابياً واضحاً لهذا المبدأ، وهو التطبيق القائل: 4 = 2 + 2، فإنّ اعتقادنا بصحة هذه المعادلة الحسابية البسيطة اعتقاد راسخ لا يزداد بملاحظة الشواهد، بل إنّنا لسنا مستعدّين للاستماع إلى أيّ شاهد عكسي، ولن نصدّق لو قيل لنا: إنّ اثنين زائداً اثنين يساوي في حالة فريدة خمسة أو ثلاثة، وهذا يعني أنّ اعتقادنا بتلك الحقيقة ليس مرتبطاً بالإحساس والتجربة، وإلّا لتأثّر بهما أيجاباً وسلباً.

فإذا كنّا نثق كلّ الثقة باعتقادنا بهذه الحقيقة على الرغم من عدم ارتباطه بالإحساس والتجربة فمن الطبيعي أن نسلّم أنّ بالإمكان أن نثق أحياناً بالمعلومات العقلية التي يعتمد عليها الدليل الفلسفي.

وبكلمة اُخرى: أنّ رفض الدليل الفلسفي لمجرّد أنّه يعتمد على معلومات عقلية لا ترتبط بالتجربة والاستقراء يعني رفض الدليل الرياضي أيضاً؛ لأنّه يعتمد