المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

69

كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلال مُبِين﴾(1).

وكان شخص النبي (صلى الله عليه وآله) يمثّل الحالة الاعتيادية من هذه الناحية، فلم يكن قبل البعثة يقرأ ويكتب، ولم يتلقّ أيّ تعليم منظّم أو غير منظّم: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَاب وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إذاً لاَرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾(2).

وهذا النصّ القرآني دليل واضح على مستوى ثقافة الرسول قبل البعثة، وهو دليل حاسم حتى في حقّ من لا يؤمن بربّانية القرآن؛ لأنّه ـ على أيّ حال ـ نصّ أعلنه النبّي (صلى الله عليه وآله) على بني قومه، وتحدّث به إلى أعرف الناس بحياته وتأريخه، فلم يعترض أحد على ما قال، ولم يُنِكر أحد ما ادّعى.

بل نلاحظ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لم يساهم قبل البعثة حتى في ألوان النشاط الثقافي الذي كان شائعاً في قومه من شعر وخطابة، ولم يؤثَر عنه أيّ تميّز عن أبناء قومه، إلّا في التزاماته الخُلُقية وأمانته ونزاهته وصدقه وعفّته.

وقد عاش أربعين سنةً قبل البعثة في قومه دون ان يحسّ الناس من حوله بأيّ شيء يميّزه عنهم سوى ذلك السلوك النظيف، ودون أن تبرز في حياته أيّ بذور عملية أو اتّجاهات جادّة نحو عملية التغيير الكبرى التي طلع بها على العالم فجأةً بعد أربعين عاماً من عمره الشريف: ﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾(3).

وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد ولد في مكّة، وظلّ فيها طيلة الفترة التي سبقت البعثة، ولم يغادرها إلى خارج الجزيرة العربية إلّا في سفرتين قصيرتين: إحداهما مع


(1) الجمعة: 2.
(2) العنكبوت: 48.
(3) يونس: 16.