المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

800

تواجه الإنسان باستمرار، إذ ينسج ولاءه لقضية لكي يمدّه هذا الولاء بالقدرة على الحركة ومواصلة السير، إلّا أنّ هذا الولاء يتجمّد بالتدريج ويتجرّد عن ظروفه النسبية التي كان صحيحاً ضمنها، وينتزع الذهن البشريّ منه مطلقاً لاحدّ له للاستجابة إلى مطالبه، وبالتعبير الديني يتحوّل إلى إله يعبد بدلا عن حاجة يُستجاب لإشباعها.

وحينما يتحوّل النسبي إلى مطلق إلى إله من هذا القبيل يصبح سبباً في تطويق حركة الإنسان وتجميد قدراتها على التطوّر والإبداع، وإقعاد الإنسان عن ممارسة دوره الطبيعي المفتوح في المسيرة، ﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مخْذُوْلا﴾(1).

وهذه حقيقة صادقة على كلّ الآلهة التي صنعها الإنسان عبر التأريخ، سواء ما كان قد صنعه في المرحلة الوثنية من العبادة، أو في المراحل التالية، فمن القبيلة إلى العلم نجد سلسلةً من الآلهة التي أعاقت الإنسان بتأليهها، والتعامل معها كمطلق عن التقدّم الصالح.

نعم، من القبيلة التي كان الإنسان البدويّ يمنحها ولاءه باعتبارها حاجةً واقعيةً بحكم ظروف حياته الخاصّة، ثمّ غلا في ذلك، فتحوّلت لديه إلى مطلق لا يبصر شيئاً إلّا من خلالها، وأصبحت بذلك معيقةً له عن التقدم.

إلى العلم الذي منحه الإنسان الحديث ـ بحقٍّ ـ ولاءه؛ لأنّه شقّ له طريق السيطرة على الطبيعة، ولكنّه غلا أحياناًفي هذا الولاء فتحوّل إلى ولاء مطلق تجاوز به حدوده في خِضَمّ الافتتان به، وانتزع الإنسان المفتون بالعلم منه مطلقاً يعبده، ويقدم له فروض الطاعة والولاء، ويرفض من أجله كلّ القيم والحقائق التي


(1) الإسراء: 22.