المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

138

التنبيه الثالث: إنّ تعدد أسباب البلاء قد أوجب الستر، فلو كان سبب البلاء منحصراً في مثل المجازاة أو التأديب أو الكفّارة لكان ابتلاء المؤمن به كاشفاً عن خطئه أو معصيته، ولكن بما أنّه توجد إلى جنب هذه الأسباب أسباب اُخرى، من قبيل الامتحان أو رفع الدرجات أو نحو ذلك، فقد أوجب هذا ستراً على العبد المؤمن، وهذا من الألطاف الخفيّة للربّ عزّ وجلّ بعباده.

التنبيه الرابع: قد يكون سبب نزول البلاء هم الأشرار ولكن البلاء النازل يشمل الأخيار؛ إمّا لمداهنتهم مع الأشرار وترك النهي عن المنكر ونحو ذلك؛ وإمّا لأنّ البليّة بطبيعتها التكوينيّة حينما تنزل تعمّ، ولكن الله تعالى يعوّض المؤمن غير المداهن، وقد ورد عن جابر عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال: «أوحى الله إلى شعيب النبيّ: أ نّي معذّب من قومك مئة ألف: أربعين ألفاً من شرارهم وستّين ألفاً من خيارهم، فقال(عليه السلام): يا ربّ، هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي»(1).

وورد عن الجعفري قال: «سمعت أبا الحسن(عليه السلام) يقول: ما لي رأيتك عند عبدالرحمن بن يعقوب؟! فقال: إنّه خالي. فقال: إنّه يقول في الله قولاً عظيماً يصف الله ولا يوصف، فإمّا جلست معه وتركتنا وإمّا جلست معنا وتركته. فقلت: هو يقول ما شاء، أيّ شيء عليّ منه إذا لم أقل ما يقول؟ فقال أبو الحسن(عليه السلام): أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعاً؟ أما علمت بالذي كان من أصحاب موسى(عليه السلام)وكان أبوه من أصحاب فرعون، فلمّا لحقت خيل فرعون موسى تخلّف عنه ليعظ أباه فيلحقه بموسى، فمضى أبوه وهو يراغمه حتّى بلغا طرفاً من البحر فغرقا جميعاً، فأتى موسى(عليه السلام)الخبر فقال: هو في رحمة الله، ولكن النقمة


(1) البحار 12: 386، باب قصص شعيب، الحديث 12.