المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

146

﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾(1).

إنّ الله سبحانه وتعالى قد دبّر اُمور الجمادات والنباتات بأحسن تدبير من: سير الشمس وحركة القمر وجري الأنهار وإرسآء الجبال وغير ذلك ممّا مضى جزء يسير منه في أحد أدلّتنا على وجود الله سبحانه وتعالى. وهذه اُمور لا إرادة لها ولا شعور ولا إدراك بحسب ما نفهمه نحن في نشأتنا من الإرادة والإدراك، وإن كان الأمر بحسب عالم العرفان بشكل آخر فإنّه: ﴿وَإِن مِّن شَيْء إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَه﴾(2)، ﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِه﴾(3)، ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَل لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّه﴾(4)، ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّه﴾(5)، فبغضّ النظر عن هذا الفهم العرفاني وبالنظر إلى ما هو المعروف لنا في نشأة الإنسانيّة من فهم وإرادة نقول: إنّ الجماد والنبات مدَبّرٌ أمرهما بأحسن وجه جبراً وقهراً عليهما، ويلحق بذلك أبداننا وأعضاؤنا، فهي كالنباتات لا إرادة لها ولا شعور فيما نفهم ما لم يظهر الله لنا نشأتها التي يصدق بشأنها قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْء﴾(6)، فقد دُبّرت اُمورها من دون إرادتها بأحسن تدبير وحتّى بلحاظ الكماليات، من قبيل: أنّه جعل فوق العين حاجباً يمنع من نزول العرق إليها، وأوجد في ناصية الإنسان خطوطاً ليسهل انحراف العرق يميناً ويساراً، وجعل الشعر على أشفار العين صيانة لها من الدخان والغبار، وقعّر الأخمص من القدمين لتسهيل الوقوف والمشي، وقد قال اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): «كلّ شيء في هذا الكون الواسع (يعني


(1) س 17 الإسراء، الآية: 15.

(2) س 17 الإسراء، الآية: 44.

(3) س 13 الرعد، الآية: 13.

(4) س 59 الحشر، الآية: 21.

(5) س 2 البقرة، الآية: 74.

(6) س 41 فصّلت، الآية: 21.