المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

148

الملك عن طريق التضحيات وتحصيل الملكات الفاضلة من الإيثار والوفاء والصدق، وما إلى ذلك وعلى رأسها طاعة المولى سبحانه وتعالى.

إلّا أنّ بلوغه مرتبة الكمال في الدنيا من ناحية، والجزاء الأوفى في الآخرة من ناحية اُخرى لا يكون عن طريق الجبر؛ لأنّه خلف مقام الإرادة التي بها يتمّ الكمال، فمن التزم بالصدق والأمانة وإطاعة مولاه أو ما إلى ذلك من صفات الكمال بالجبر والاضطرار لم يكن محموداً ولم يكن بالغاً مرتبة الكمال، وإنّما يبلغ الكمال بفعل الحسن باختياره، وبالإيثار والوفاء والصدق وما إلى ذلك بمحض إرادته، وكذلك لا يكون عن طريق الغريزة؛ لأنّها بمنزلة الجبر وقريبة منه فتمنع عن الوصول إلى الكمال أو بلوغ الجزاء الأوفى.

وعليه فيدور الأمر بالنسبة للإنسان ـ ويلحق به الجنّ ـ بين: أن يهمله الله تعالى ولا يهتم بتكميله، وحاشاه سبحانه وتعالى عن إهماله لأشرف مخلوقيه، أو يدبّر أمره عن طريق الجبر أو الغريزة، وهما ينافيان الهدف الذي لأجله ركّبت الإرادة والشهوات والعقل في الإنسان، وهو فتح باب رقيّه لمدارج الكمال ونيله لاستحقاق الجزاء الأوفى، أو يرسل الرسل إليه؛ لأنّ عقل البشر وحده عاجز عن ارتقاء تلك الدرجات؛ لعدم دركه لكثير من الاُمور من ناحية، ولمغلوبيّة العقل للشهوات في ما يدرك إلّا بمعونة الشرع وبالوعد والوعيد والإرشاد من ناحية اُخرى، ولو أنّ الله تعالى أهمل الناس بعدم إرسال الرسل إليهم فسيضلّون عن سلوك طريق الكمال، وفي الوقت نفسه لا يكون لله عليهم الحجّة، ولم يكن من الصحيح أن يفرّق الله بين سعيدهم وشقيّهم في يوم القيامة بالثواب والعقاب؛ لعدم إتمام الحجّة عليهم، بل كانت لهم الحجّة على الله كما أشارت إلى هذا الأمر الآيات التي استهللنا البحث بها كقوله تعالى: ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل﴾.

ومع هذا الهدف الأصلي لإرسال الرسل يوجد هدفان آخران: