المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

152

وكذبها، فبقدر ما يكون المضمون مشتملاً على مفاهيم ونُظُم وأخلاقيّات رفيعة وعالية ونظيفة، يكون ذلك شاهداً على كونها سماويّة وإلهية، ولو كانت مشتملة على الخرافات أو الأخلاقيّات الخسيسة أو النُظُم الساقطة عقلاً تبرهن بذلك على كذب مدّعي الرسالة.

ولا استغراب من بلوغ رقيّ المضمون حدّاً لا يحتمل صدوره من سلطان من سلاطين الأرض، بل الواقع هو ذلك. فما ظنّك بدين مشتمل على نماذج كثيرة من مفاهيم وأحكام وأخلاقيّات لا يمكن أن يتصوّر أرقى منها، من قبيل: الاهتمام الجدّي بالالتزام بأرقى مستويات الخلق الرفيع حتّى مع أعدى عدوّه، فهل هناك عدوّ لله وللإسلام أكبر وأشدّ عداءً من المشرك؟ في حين أنّ الإسلام يؤكّد على ضرورة إيجار المشرك الذي استجارك ثمّ إبلاغه مأمنه عملاً بعهد الإيجار معه، في حين أنّه بمجرّد وصوله إلى مأمنه قد يحارب الإسلام بالسيف، وأيّ سلطان من سلاطين الأرض يحتمل ـ بحسب نُظُم الطبيعة ـ وصوله إلى هذا المستوى من رحابة الصدر في التمسّك بالأخلاق الرفيعة؟! قال الله تعالى:﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ﴾(1)، ويؤكّد على ضرورة الوفاء بالعهد مع أعدى عدوّه، بالرغم من أنّ الإسلام كان وقتئذ يعيش ذروة قدرته ولم يكن يحتاج إلى مداهنة العدوّ، قال الله تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين﴾(2)، وقال أيضاً: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللّهَ


(1) س 9 التوبة، الآية: 6.

(2) س 9 التوبة، الآية: 4.