المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

190

من هذه بخصوص الوحوش قوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾(1).

وقد انجرّ كلامنا هنا إلى ما هو خارج عن بحثنا وهو حشر الوحوش والحيوانات جميعاً في يوم المعاد على ما يظهر لنا من هذه الآيات المباركات.

وهذا ما يجعلنا نحدس ـ والله العالم ـ بثبوت نوع من الحساب والجزاء لهم بالرغم من عدم امتلاكهم للفهم والإدراك بالمستوى الذي نحن نمتلكه ممّا تتبعه التكاليف الشرعيّة بالمعنى المفهوم لنا في الفقه، وتكاليف عرفانيّة بالمعنى المفهوم لنا في العرفان، ولكن يبدو أنّ لهم فهماً وشعوراً بمستوى يؤهّلهم لمسؤوليّات بحدودهم ولو بمقدار معرفة قبح ظلم بعضهم لبعض.

ويدعم ذلك عدّة اُمور:

أوّلاً: ما هو محسوس لنا في بعض الحيوانات من نظم مذهل في اُمورها، ممّا يدلّ على مدى إدراكها كما في النحل والنمل ممّا يستبعد كونه ـ على ما قد يقال ـ غريزة بدون عقل، وكذلك ما نراه من تشخيص كثير من الحيوانات لأعدائها من دون تجربة مسبقة، كما يُرى من فرار الشاة من الذئب حتّى لأوّل مرّة من رؤيته إيّاه، وكذلك ما نراه من وفاء بعض الحيوانات كالكلب لصاحبه الذي أنعم عليه، بل ولباقي أهل البيت من الأولاد والأطفال والنساء، وكذلك ما نراه من تعليم البشر لبعض الحيوانات لأداء خدمات كثيرة كتعليم كلب الصيد للصيد وتعليم الطير لإيصال الرسائل وأدائها لما يطلب منها بدقّة فائقة.

ثانياً: حكاية القرآن بعض القصص المذهلة عن بعض الحيوانات، كقصّة النمل: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ


(1) س 81 التكوير، الآية: 5.