المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

199

للدرك في فهم الإنسان المادّي فقال: ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَر﴾ من دون أن يسمّي ذاك الخلق باسم؛ لأنّه ليس له اسم قابل للدرك في الذهن البشري، كما قال الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾(1) على ما في أكبر الظنّ من أنّ المقصود بالروح هو الروح البشريّة، أو مطلق الروح الحيوانيّة على الرغم من أنّ بعض الأكابر(2) أصرّ على كون المقصود بالروح روح الأمين جبرائيل، وممّا ذكره كقرينة على ذلك: أنّ السائلين في قوله: ﴿يَسْأَلُونَك﴾ وإن كانوا بعض المشركين، لكنّهم إنّما سألوا بدلالة بعض اليهود الذين كانوا أعداء لجبرئيل باعتقادهم أنّه حرّف النبوّة من نسل إسرائيل إلى نسل إسماعيل، ويقولون بشأنه: خان الأمين؛ ولهذا قال الله تعالى في ردّهم: ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِين﴾(3).

أقول: إنّ هذا الكلام غريب؛ فإنّ الظاهر من فرض السؤال عن الروح هو السؤال عن هويته لا عن أمانته أو خيانته أو عن طيبه أو خبثه.

ومن الجدير بالذكر بهذه المناسبة أنّ البعض قد يتصوّر التضارب في بعض الاُمور بين العلم والدين، وقد يذكر كمثل لذلك ما هو المعروف في الفقه من أنّ الروح ينفخ في الجنين من بعد الأربعة أشهر، في حين أنّ العلم يقول: إنّ الجنين مشتمل على الروح من أوّل يوم؛ ولهذا ينمو ويتكامل ويطوي المراحل المختلفة، وقد يذكر أيضاً كمثل لذلك ما هو معلوم لدى الفقه من التفكيك بين دم الحيض ودم الاستحاضة، في حين أنّ العلم لا يفرّق بينهما ويراهما حقيقة


(1) س 17 الإسراء، الآية: 85.

(2) راجع منشور جاويد 3، الفصل العاشر.

(3) س 2 البقرة، الآية: 97.