المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

301

أقول: وقد تشهد لذلك آية الذرّ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين﴾(1)؛ إذ لو كانت الأرواح في عالم الذرّ مخلوقة قبل الأبدان لما قال: أخذهم من ظهور بني آدم بل ولا من ظهر آدم(عليه السلام)، فيبدو أنّ المقصود هو الأخذ من ظهور الآباء وهو أخذ تدريجي بتدرّج خلق الأفراد، فكأنّ كلّ أحد يؤخذ منه الميثاق في بداية وجوده، وهو بأحد شكلين:

إمّا بأخذ الميثاق الصريح الذي بقي أثره فينا على الرغم من نسياننا إيّاه، وذلك الأثر هو فطرية التوحيد، فكان ذلك كافياً في إتمام الحجة علينا، ولم تلزم لغوية أخذ الميثاق.

وإمّا بأن يكون معنى أخذ الميثاق هو جعل التوحيد في الفطرة ابتداءً.

وعلى أيّة حال فكلا هذين المسلكين في تصوير الائتلاف بين الروح والبدن ـ المختلف فيه بين أصحابنا من قديم الأيام ـ مشتركان في نهاية تواجُدنا في هذه الدنيا، وهو أنّ الله تعالى يقبض الروح أو النفس كما يقبضها في عالم النوم بفرق أنّه مع الموت يقترن ذلك بانتهاء الحياة النباتية التي هي مصبّ النموّ والتغذّي وتوليد المثل ـ وأقصد بذلك توليد أمثال الخلايا المستهلكة ـ ومع النوم لا يوجد شيء من هذا القبيل.

وبعد أن أشارت الآية المباركة التي بدأنا بها الحديث إلى هذا الأمر خُتمت بقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَات لِّقَوْم يَتَفَكَّرُون﴾، ولعلّ ﴿ذَلِكَ﴾ يشير إلى آيات النفس التي تظهر بواسطة النوم.

وملخّص ما نفهمه بفهمنا القاصر أنّ المادّيين الذين غفلوا عن الإحساس


(1) س 7 الأعراف، الآية: 172.