المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

302

بالنفس الذي هو إحساس لا غبار عليه ـ كما يتجلّى ذلك ضمن بيان بعض البراهين العقلية التي سوف نشير إليها إن شاء الله ـ كأنّ السبب في غفلتهم كان عبارة عن أنّ الإحساسات الظاهرية الخمسة المعروفة للإنسان ـ من الشمّ والسمع والذوق والرؤية واللمس ـ إنّما تحصل له بسبب الحواسّ الخمس التي كلّها مادّيّة وجسمانية، وهي: الأنف والاُذن واللسان والعين والجسد، فأدّى ذلك إلى أن غابت عنهم النفس البشرية التي هي فوق المادّة، وتخيّلوا أنّ الإنسان عبارة عن هذه البشرة وهذا الجسم، وأن لا شيء غير المادّة، ولكن النوم الذي سلّطه الله على العباد كاف لرفع هذا الغبش عن البصائر لمن هو ذو بصيرة؛ لأنّ الحواسّ الخمس التي أوجبت الخلط في الذهن والغفلة عن النفس المجرّدة كلّها متعطّلة في حالة النوم، ومع ذلك يكون للنائم نوع إحساس وشعور في عالم الرؤيا حتّى ولو فرض وهماً بحتاً؛ فلعدم وجود ما أوجب الغفلة عن تجرّد النفس، قد يعي الإنسان بسبب ما رآه في عالم النوم من رؤىً قد يستذكرها مفصّلاً ويدركها وجدانه الذي يحسّ بالنفس المجرّدة، أضف إلى ذلك الرؤى الصادقة بالذات التي ينحصر تفسيرها بالارتباط الغيبي المجرّد عن المادّة بمستقبل آت أو بحال غائب عن الإحساس.

فهذا شيء من آيات النفس البشرية في عالم الرؤيا التي قد يشير إليها قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَات لِّقَوْم يَتَفَكَّرُون﴾.

 

* * *