المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

303

 

تجرّد النفس ومغايرتها للجسم

 

إنّ النفس مجرّدة عن المادّة ومغايرة للجسم، والدليل على ذلك زائدا على ما عرفته من الدليل النقلي القطعي في القرآن، وما عرفته من دلالة الرؤى الصادقة، مجموعة من الأدلة العقلية نشير فيما يلي إلى بعضها:

 

الأوّل ـ وحدة الأنا:

فقد ثبت علميّاً أنّ خلايا الجسم تتبدّل تماماً خلال سبع سنين تقريباً، فالذي عمّر سبعين سنة قد تبدّل بكلّ خلاياه عشر مرّات تبدّلاً تامّاً، فكيف لو فرضنا أحداً عمّر آلاف السنين، ومع ذلك يحسّ بوجدانه بوحدة الأنا من أوّل عمره إلى آخره، وليس هذا إلّا عبارة عن الإحساس الوجداني بالنفس المجرّدة عن المادّة.

ولا ينافي ذلك ما ثبت علمياً أيضا من أنّه لو هلك قسم من المخّ بحادث اصطدام ونحوه لم يعوّض بنموّ الباقي في المستقبل؛ فإنّ هذا ليس إلّا من قبيل أنّ من قطعت يده لا يعوّض بيد جديدة بنموّ أو تبدل باقي خلاياه الجسمية، فتوليد كلّ خليّة من خلايا المخّ لمثلها لا يكون إلّا بتدريج لا يتخلّله فراغ. أمّا لو فرغ المخ عن قسم من أقسامه باصطدام أو إقصاء جراحي مثلاً فخلاياه الاُخرى لا تملأ فراغ الخلايا التي اُقصيت؛ لأنّ كلّ خلية من خلايا المخ إنّما تنتج مثلها وفي محلّها بالتبادل التدريجي، وما تلف لم يكن كالباقي ولا في محلّ الباقي، فالحقيقتان العلميتان ليستا متعارضتين إطلاقاً، إذن لا شك ـ انطلاقاً من منطق العلم الحديث ـ في أنّ جميع الخلايا المادّية في الجسم