المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

305

الثالث ـ استحالة انطباق الكبير على الصغير:

لو رأينا أرضاً زاهرة تضمّ آلاف الأمتار بأشجارها ونباتاتها وأوراقها وأزهارها وفواكهها وطيورها، وأغصان الأشجار وروائع الأوراد والثمار وغرف شاهقات ومسابح صافية، فنحن نحسّ بوجداننا بحضور مساحة هندسيّة لدينا وبأحجام معينة وسعة طريفة محدّدة، وليس هذا عبارة عن الإحساس بالعين المادّية للمساحة الخارجة عن نفوسنا، والكائنة في محل منفصل عنّا بفاصل أمتار أو أكثر؛ إذ قد بطلت لدى العلماء نظريّة حصول الرؤية بخروج أشعة من العين ووقوعها على المرئيات الخارجية، وكيف يكون إدراكنا للمرئيات عبارة عن الإدراك المباشر للواقع والحقيقة في حين أنّ الرؤية قد تنفصل عن زمان وجود المرئي، كما في نجم تفتّت وانتهى ثُمّ وصلنا شعاعه الذي تحرّك عنه إلينا بعد آلاف السنين ممّا يبرهن على أنّ عملية الرؤية ليست مجرّد اتّصال بين الأشعة الصادرة من العين وبين الجسم الخارجي، بل هي وصول أشعة الجسم الخارجي إلى العين ولو بعد انعدام المرئي بآلاف السنين، وعليه فعملية الرؤية بقدر ما هي قضيّة مادّية هي انطباع لأشعّة المرئي في الجهاز العصبيّ المادّي الخاصّ بالباصرة المادّية، وهي صغيرة إلى حدّ يمكن انطباقها على عدسة العين أو على الجهاز العصبي أو على المخّ، ويستحيل أن تمتلك سعة الجسم الخارجي أو المساحة الخارجية وحجمها؛ لاستحالة انطباق الكبير على الصغير، أمّا المدرَك لنا في وقت الرؤية والمتمتّع بالحجم الهندسي والمساحة الواسعة المناسبة للعين المرئية فليس إلّا أمراً مجرّداً عن المادّة، ومنطبعاً في محلّ غير مادّي وهي النفس، كي لا يلزم انطباق الكبير المادّي على