المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

306

الصغير المادّي(1)، ثُمّ تبقى الصورة الفكرية الموسّعة عن تلك المناظر بعد إغماض العين عنها مدّة في الذهن بقدر ما تسمح لها الذاكرة، وهي ما زالت صورة مجرّدة بدليل سعتها الهندسية، وأيضا تحتاج إلى محلّ غير مادّي كي تكون متركّزة ومستوطنة فيه، وليس ذلك إلّا النفس البشريّة أيضاً.

والخلاصة أنّنا من حقّنا أن نتساءل عن موطن ارتكاز هذا الشكل الواسع ذي الأبعاد الهندسيّة الفسيحة، فهل يعقل أن يكون في محلّ مادّي ضيّق؟ وهل هذه الصورة عبارة عن نقوش أو تغيّرات ضئيلة ضيّقة في المخّ أو العصب أو العدسة مثلا؟ أم كيف انطبق أمر مادّي واسع على مكان مادّي ضيّق؟! أفلا يعني هذا أنّ صورة هندسيّة واسعة مجرّدة من المادّة تمركزت في نفس غير مادّيّة، وفي ذهننا البشري الفارغ عن الضيق المادّي، أو قل: في الأنا المجرّد؟! وهكذا نجد مرّة اُخرى الأنا المستقلّ عن المادّة وهي النفس الإنسانية حقّاً.

نكتفي بذكر هذا المقدار من الأدلّة العقليّة على تجرّد النفس وإن كان البحث الفلسفي في ذلك أوسع ممّا ذكرناه بكثير.

 

 

* * *

 


(1) راجع آخر كتاب فلسفتنا، بحث الإدراك في مفهومه الفلسفي.