المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

377

وإليك نصّ كلام هذا الباحث: «أمّا الشفاعة التي جاء الحديث عنها في الروايات المتعدّدة عن السنّة والشيعة فإنّها ليست حالة وساطة بالمعنى الذي يفهمه الناس في علاقاتهم بالعظماء لديهم الذين قد لا يستطيع الناس مخاطبتهم بشكل مباشر للحواجز المادّية الفاصلة بينهم وبين الناس؛ ولذلك يلجأ الناس إلى الأشخاص الذين تربطهم بهم علاقة مودّة أو مصلحة أو موقع معيّن ليكونوا الواسطة في إيصال مطالبهم إليهم وقضاء حوائجهم عنده.

إنّ الشفاعة هي كرامة من الله لبعض عباده في ما يريد أن يظهره من فضلهم في الآخرة، فيشفّعهم في من يريد المغفرة له ورفع درجته عنده؛ لتكون المسألة ـ في الشكل ـ واسطة في النتائج التي يتمثّل فيها العفو الإلهي والنعيم الرباني، تماماً كما لو كان النبيّ هو السبب أو كان الوليّ هو الواسطة، ولكنها ـ في العمق ـ إرادة الله لذلك ممّا لا يمكن لنبيّ مرسل أو ملك مقرّب أو وليّ امتحن الله قلبه للإيمان أمر تغييرها في الاتجاه الذي تتحرّك فيه، وبذلك فهم يدرسون مواقع رضا الله في عباده ليقوموا بالشفاعة، أو ليأذن الله لهم بالشفاعة، وفي ضوء ذلك لا معنى للتقرّب للأنبياء والأولياء ليحصل الناس على شفاعتهم؛ لأنّهم لا يملكون من أمرها شيئاً بالمعنى الذاتي المستقل، بل الله هو المالك لذلك كلّه على جميع المستويات، فهو الذي يأذن لهم بذلك في مواقع محدّدة ليس لهم أن يتجاوزوها، الأمر الذي يفرض التقرب إلى الله في أن يجعلنا ممن يأذن لهم بالشفاعة له، وهذا هو الذي نفهمه من آيات الشفاعة في القرآن التي تؤكّد على أنّها قضية تتّصل بالله، فليس لأحد أن يمارسها إلّا بإذنه في من ارتضاهم الله لينالوا عفوه قال الله تعالى: ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً «19/87» ﴾، ﴿يَوْمَئِذ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن «20/109» ﴾،﴿وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَه «34/23» ﴾،