المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

107

التواريخ، ويعرف أنّ فلاناً هو واضع اللغة الفلانيّة، بينما ليس الأمر هكذا(1).

وقد اُجيب على ذلك أيضاً بأنّنا لا نفترض أنّ إنساناً واحداً خرج من بيته يوماً ما وكان بيده قاموس معيّن، وقال: أيّها الناس، إنّي وضعت لغة جديدة، ولو صنع إنسان هكذا لقيل عنه: إنّه مجنون، بل نقول: إنّ وضع اللغة أمر تدريجيّ، فقد وضع شخص ما شيئاً، وجاء شخص آخر وأضاف شيئاً آخر، وهكذا إلى أن تكوّنت لغة واسعة خلال مدّة مديدة(2).

والصحيح: أنّ الاستبعاد في كون البشر هو الواضع لا ينحصر في هذين الاستبعادين، بل هناك استبعادات اُخرى لابدّ من التأمّل فيها:

الأوّل: أنّه قد يقال: إنّ الإنسان لو غضّ النظر عن إلهام الله تعالى إيّاه، يأتي سؤال: أنّه كيف التفت إلى إمكانيّة خلق الدلالة بأصوات معيّنة؟ وكيف تَوجَّه إلى نكتة دلالة هذه الأصوات على المعاني؟ فإنّ هذه النكتة وإن كانت تبدو الآن واضحة؛ لأنّ كلّ إنسان ينشأ في ظلّ لغة، فيمكن أن يلتفت إلى مسألة الوضع، ولكن الواضع الأوّل كيف التفت إلى الوضع والدلالة بهذا الترتيب؟ وهذا من قبيل ما يقال من أنّه: كيف التفت أوّل فلاّح إلى أنّه لو زرع حنطة وسقاها بكذا مقدار أثمرت بهذا الشكل؟ فقد يقال: إنّ الله تعالى هو الذي ألهم باللغة والوضع، كما يقال: إنّه ألهم الإنسان بالزرع.

ويمكن حلّ هذا الاستبعاد بما مضى من أنّ دلالة الأصوات من قبيل دلالة صوت الزئير على الأسد، والنهيق على الحمار، والصهيل على الفرس، وخرير


(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 11 بحسب الطبعة المشتملة على تعليق السيّد الخوئيّ(رحمه الله).

(2) راجع ج 43 من موسوعة الإمام الخوئيّ، ص 39.