المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

164

الإنسان نوع، والحيوان جنس، والناطق فصل، من دون أن يكون لهذه العناوين ما بإزاء خارجيّ، كذلك تنقسم النسب الحرفيّة بتقسيم شبيه بهذا التقسيم، وذلك بأن يقال: إنّ هذه النسب قد تكون أوّليّة، وهي النسب التي توازي ما في الخارج، كالنسبة بين مفهوم النار والموقد في الذهن، وقد تكون ثانويّة، وهي النسب التي ليس تَحَصُّلها وانتزاعها من الخارج، بل من نفس اُفق عقد القضيّة في الذهن، من قبيل النسبة الإضرابيّة والنسبة الاستثنائيّة والنسبة التوكيديّة والنسبة التحقيقيّة وكثير من النسب. ولنأخذ من باب المثال النسبة الإضرابيّة، فكلمة «بل» مثلاً تدلّ على الإضراب (وطبعاً لا تدلّ على مفهوم الإضراب، وإنّما تدلّ على نسبة قائمة بين المضرب عنه والمضرب إليه) وهي نسبة ثانويّة، وليست من قبيل النسبة الظرفيّة، فبينما حاقّ منبت النسبة الظرفيّة وموطنها هو الخارج يكون حاقّ موطن هذه النسبة هو الذهن، ولولا متصوّر ومُضرِب لم توجد نسبة إضرابيّة.

وما برهنّا عليه من أنّ مفاد الحرف هو النسبة التحليليّة إنّما هو في القسم الأوّل من قبيل: «في» و«من» و«عن» و«على» و«إلى» ونحو ذلك من النسب التي أصل موطنها هو الخارج، ويكون الذهن فيها طفيليّاً على الخارج، وأمّا في النسب الثانويّة كالنسبة الإضرابيّة في قولنا: «جاء زيد بل عمرو»، فالموضوع له الحرف هو النسبة الواقعيّة الذهنيّة، وليس في الذهن وجود واحد لزيد وعمرو معاً، وليس هنا تحصيص أصلاً، وإنّما يوجد هنا وجود ذهنيّ للمضرب عنه وهو زيد، ووجود ذهني للمضرب إليه وهو عمرو، وبينهما نسبة واقعيّة فنائيّة واندكاكيّة، ولا يأتي هنا ما ذكرناه من البرهان؛ لأنّ النسبة الإضرابيّة واقعاً يمكن أن توجد بين وجودين ذهنيّين؛ لأنّ موطنها هو الذهن، وليست من قبيل النسبة المكانيّة، وبهذه النسبة يرتبط أحدهما بالآخر نحو ارتباط بحيث ينتزع ببركة هذا الارتباط مفهومان