المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

174

التصديق.

وأمّا تصوير هذا الفرق فهو وإن لم تف بذلك كلمات المشهور فيما أعلم، إلاّ أنّ التحقيق في ذلك هو: أنّ النسبة الناقصة في مثل «زيد العالم» نسبة تحليليّة، كما هو الحال في بعض الحروف، من قبيل: «في»، وليست موجودة في صقع الوجود الذهنيّ، وإنّما الموجود في صقع الذهن وجود ذهنيّ واحد، وليس هناك وجودان مع حبل بينهما. نعم، هذا الوجود الواحد وجود لمركّب تحليليّ يكون له بالتحليل أجزاء، وأحد أجزائه هو النسبة، فهذه النسبة طبعاً ناقصة لا يصحّ السكوت عليها؛ لأنّها لا ترى في عالم الذهن، وإنّما هي تحليليّة، فلا يُرى إفادةً واستفادةً إلاّ شيء واحد، فكأنّه ألقيت كلمة مفردة، فكما لا يصحّ السكوت على المفرد كذلك لا يصحّ السكوت على «زيد العالم». وأمّا النسبة التامّة في «زيد عالم» فهي من قبيل القسم الآخر من النسب الحرفيّة، كالنسبة الإضرابيّة، أعني: أنّها نسبة واقعيّة موجودة في صقع الذهن، فتوجد في الذهن صورتان مستقلّتان لزيد ولعالم، وبينهما نسبة التصادق. ولأجل التشبيه والتوضيح نقول: إنّ حال الذهن هو حال المرآة، فقد ينعكس شيء واحد في مرآتين، فتوجد في عالم المرايا صورتان مستقلّتان وبينهما نسبة أشدّ من نسبة التماثل الموجود فيما لو كانت الصورتان لشيئين متماثلين، وهي نسبة التصادق، أي: أنّهما انعكاسان لشيء واحد، وحكايتان عن شيء واحد، فعلى رغم أنّه توجد في عالم المرايا صورتان مستقلّتان بينهما نسبة لا يوجد في عالم المحكيّ والخارج إلاّ شيء واحد، فنحن نشبّه الرؤية الذهنيّة بالمرايا، حيث إنّها تأخذ من عالم الخارج أو أيّ عالم آخر صوراً، وقد تأخذ صورتين عن شيء واحد، فمثلاً تأخذ من عالم الخارج صورة زيد وصورة عالم بما هما حاكيان عن موجود واحد في الخارج، وتكون بينهما نسبة التصادق،