المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

186


يبقى الكلام في أنّه لو دار الأمر بين هذا الوجه والوجه الثالث، فأ يّهما أولى؟ أي: هل الأصحّ: كون النسبة الناقصة مفهومة من هيئة الفعل، والنسبة التامّة مفهومة من هيئة الجملة؟ أو الأصحّ: أنّ نفس هيئة الفعل دلّت على النسبة التامّة، وأمّا تحصيص الضرب بالنسبة الصدوريّة الناقصة فمندمج في نفس مفهوم مادّة الفعل؟

قد يقال: إنّ الأخير هو الأصحّ؛ وذلك لأنّ النسبة الناقصة الكامنة في الفعل ليست دائماً صدوريّة، فقد تكون حلوليّة، فهناك فرق واضح مثلاً بين «ضَرَبَ» و«مات»، حيث إنّ الأوّل يدلّ على نسبة صدوريّة، والثاني يدلّ على نسبة حلوليّة. وهذا الفرق لا يمكن إيعازه إلى الهيئة؛ لأنّ الهيئة فيهما واحدة، إذن فلابدّ من إيعازه إلى المادّة؛ لأنّها متعدّدة.

وفي مقابل هذا البيان يمكن أن يعكس الأمر، ويقال: إيعاز الفرق إلى الهيئة أولى منه إلى المادّة؛ وذلك لأنّ هناك فرقاً واضحاً بين «ضَرَب» بصيغة المبنيّ للفاعل و«ضُرِب» بصيغة المبنيّ للمفعول، فالأوّل يدلّ على نسبة صدوريّة، والثاني يدلّ على نسبة حلوليّة، أو وقوعيّة. وهذا الفرق لا يمكن إيعازه إلى المادّة؛ لأنّ المادّة فيهما واحدة، فلابدّ من إيعازه إلى الهيئة؛ لأنّها في أحدهما عبارة عن هيئة المبنيّ للفاعل، وفي الآخر عبارة عن هيئة المبنيّ للمفعول، فهي فيهما متعدّدة، فلابدّ من أن يكون الفرق مستنداً إليها، لا إلى المادّة.

وحاصل الكلام: أنّ اختلاف «ضَرَب» المبنيّ للفاعل، و«مات» في الصدوريّة والحلوليّة يبرهن على أنّ الصدوريّة والحلوليّة منتسبتان إلى المادّة، لا الهيئة؛ لأنّ المادّة هي التي اختلفت في المثالين دون الهيئة، ولكن اختلاف «ضَرَب» المبنيّ للفاعل و«ضُرِب» المبنيّ للمفعول في الصدوريّة والحلوليّة، أو في الصدوريّة والوقوعيّة يبرهن على أنّ ذلك منتسب إلى الهيئة، لا المادّة؛ لأنّ الهيئة هي التي اختلفت في المثالين، دون المادّة.

وهذا التضادّ المشاهَد بين البرهانين هنا موجود بعينه في المشتقّات، كاسم الفاعل