المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

188


المختلفة، ويحلّ التضادّ الذي شاهدناه بين البرهانين بالفرضيّة التالية، وهي: أنّ الموادّ في معناها الأصليّ تختلف من الصدوريّة إلى الحلوليّة، فالضرب في معناه الأصليّ معنىً صدوريّ، وحتّى في المصدر المضاف إلى المفعول به كما في قولنا: «قتل المؤمن جريمة لا تغتفر» نرى المصدر محتفظاً بمعناه الصدوريّ، ولولا احتفاظه بمعناه الصدوريّ لما كان يعتبر جريمة، إلاّ أنّه نسب إلى المفعول به بنسبة تحصيصيّة إضافيّة، فالقتل الذي هو مشتمل على جانب الصدور له حصّتان:

إحداهما: قتل يكون مفعوله المؤمن.

والثانية: قتل يكون مفعوله الكافر مثلاً. والموت في معناه الأصليّ حلوليّ، وهذه الصدوريّة والحلوليّة الأصليّتان راجعتان إلى المادّة، لا الهيئة، ولكن ربما يريد المتكلّم تحويل الصدوريّة إلى الحلوليّة أو العكس، وعندئذ يستعين في وصوله إلى هذا الهدف بتغيير الهيئة من المعلوم إلى المجهول، أو من اللازم إلى هيئة التعدية، فكلمة «ضَرَب» التي كانت بمادّتها صدوريّة يحوّلها إلى الهيئة المبنيّة للمفعول بقوله: «ضُرِب» بضمّ الضاد وكسر الراء، فيصبح معناه حلوليّاً، أو وقوعيّاً، وهذا التبدّل مستند إلى الهيئة، وكذلك يبدّل صيغة اسم الفاعل، وهو «ضارب» إلى صيغة اسم المفعول، وهو مضروب، فيتحوّل المعنى من الصدوريّة إلى الحلوليّة، أو الوقوعيّة، وهذا التحوّل مستند إلى الهيئة. وكلمة «مات» التي كانت بمادّتها حلوليّة يحوّلها إلى هيئة باب الإفعال بقوله: «أمات»، فيتحوّل إلى المعنى الصدوريّ، وهذا التحوّل مستند إلى الهيئة.

والخلاصة: أنّ الصدوريّة والحلوليّة الأصليّتين مستندتان إلى الموادّ، بمعنى: أنّ بعض الموادّ بخميرتها الأصليّة تقتضي الصدوريّة، وبعضها بخميرتها الأصليّة تقتضي الحلوليّة، أو ما شابهها، والهيئة هي التي تعيّن وصول تلك الخميرة الصدوريّة أو الحلوليّة إلى الفعليّة، أو انقلابها في عالم الفعليّة إلى ما يخالف ذلك، فمثلاً هيئة المبنيّ للفاعل وضعت لإبقاء الخميرة الأصليّة على حالها، وكذلك هيئة اسم الفاعل، في حين أنّ هيئة المبنيّ