المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

271

وإن قصد بها كون التبادر علامة على العلم بالوضع لا على أصل الوضع: أي: أنّه يحصّل به العلم بالعلم، لا أصل العلم بالوضع، فهذا أيضاً غير صحيح؛ فإنّ العلم بالوضع من الموجودات الحضوريّة لعالم النفس، فإذا كان الشخص غافلاً عنه فلم يعلم به بالرغم من وجوده واقعاً وارتكازاً، كفاه لكي يعلم به مجرّد أن يستعلم حال نفسه، ويلتفت إلى أنّه: هل يعلم، أو لا يعلم، فبمجرّد أن يريد معرفة أنّه: هل يعلم أو لا يعلم يعرف ذلك من دون حاجة إلى توسيط البرهنة على ذلك بالتبادر، ومن المستحيل توسيط البرهان بين الشخص وعلمه، أو أيّ موجود من الموجودات الحضوريّة لنفسه، بل بمجرّد الالتفات يرى مباشرةً وبأُمّ عقله أنّه عالم.

وأمّا إذا بنينا على ما هو الصحيح في حقيقة الوضع من أنّ روحه يرجع إلى القرن بين اللفظ والمعنى في الذهن قرناً أكيداً، فلا يبقى دور؛ لا لأجل الجواب بالإجمال والتفصيل كما قالوه، بل لأنّه لا يبقى موضوع للدور؛ إذ من الواضح: أنّ هذا القرن بنفسه يكون مولّداً للملازمة بين اللفظ والمعنى في الذهن، وبالتالي للانتقال من اللفظ إلى المعنى، أي: لتبادر المعنى إلى الذهن من اللفظ، وقد يحصل هذا التبادر قبل العلم بالوضع. ويمكنكم معرفة ذلك بالالتفات إلى الطفل، فحينما تُقرن كلمة «الحليب» مع واقع الحليب أمامه مراراً عديدة تنسبق إلى ذهنه من كلمة «الحليب» صورة الحليب، من دون أن ينتزع العلم بالوضع والقَرن؛ لأنّه ليس له الآن أيّ علم تصديقيّ، وإنّما هذا القرن بوجوده الواقعيّ أثّر أثره من إيجاد الملازمة، وبالتالي الانتقال من أحد المتلازمين إلى الآخر.

 


وعندئذ يعتقد أنّ الوضع واقع في سلسلة علل تبادره، فيجعل التبادر دليلاً عليه، فالمهمّ هو إشكال الدور.