المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

387


كان من باب العلاميّة، فغاية ما يلزم من استعمال اللفظ في معنيين مستقلّين تعدّد لحاظ المعنى، ولا محذور في ذلك؛ فإنّ اللحاظين رغم كونهما مثلين يشفع لإمكانيّة اجتماعهما أنّهما مختلفان في المتعلّق، فأحدهما لحاظ لهذا المعنى، والآخر لحاظ للمعنى الثاني. وهذا حاله حال اجتماع الحبّ والبغض مثلاً في النفس بالنسبة لمتعلّقين رغم أنّ الحبّ والبغض متضادّان، فتضادّهما لم يمنع عن اجتماعهما في النفس؛ لأنّ تعدّد المتعلّق كان شفيعاً لإمكانيّة اجتماعهما، حيث تعلّق الحب بشخص والبغض بشخص آخر مثلاً، وتعدّد اللحاظ في جانب المعنى لا يوجب تعدّد اللحاظ في جانب اللفظ؛ لأنّ اللفظ لم يفرض إلاّ علامة للمعنى، أي: كون الانتقال إليه سبباً للانتقال إلى المعنى، وقد يكون شيء ما علامة لشيئين أو أكثر، ويوجب الانتقال إليهما أو إليها رغم أنّ العلامة لم تلحظ إلاّ مرّة واحدة، والانتقال إلى المعنى أو لحاظه ليس من خلال لحاظ اللفظ، بل هو أمر مستقلّ عن لحاظ اللفظ، وغاية الأمر: أنّ لحاظ اللفظ كان سبباً للانتقال إلى المعنى، لا أنّ الإنتقال إلى المعنى كان من خلاله. وأمّا إذا فرض: أنّ الاستعمال يستبطن لحاظ اللفظ فانياً في المعنى ومرآةً له، فهذا يعني: أنّ لحاظ المعنى لم يكن إلاّ من خلال لحاظ اللفظ، ولحاظ المعنى هو يعني مرآتيّة لحاظ اللفظ، فتعدّد اللحاظ في جانب المعنى يعني ـ لا محالة ـ تعدّد اللحاظ في جانب اللفظ، ولئن كان تعدّد اللحاظ في جانب المعنى معقولاً؛ لأنّ تعدّد المتعلّق ـ وهو المعنى كان ـ كفيلاً بحلّ مشكلة استحالة اجتماع المثلين، فتعدّد اللحاظ في جانب اللفظ خال عن هذا الحلّ؛ لأنّ المتعلّق واحد وهو اللفظ الواحد، فيلزم من ذلك اجتماع المثلين في صفحة النفس، وهو محال.

أقول: لو انتهى البحث إلى هذا المستوى من الحديث، أمكن أن يقال: إنّ تعدّد المفنيّ فيه كفيل بحلّ إشكال استحالة الاجتماع؛ فإنّ الفناء هو عين اللحاظ الفنائيّ، فتعدّد المفنيّ فيه يكون نوعاً من تعدّد متعلّق اللحاظ الفنائيّ؛ لأنّ اللحاظ الفنائيّ له متعلّقان: أحدهما الفاني، والثاني المفنيّ فيه، فتعدّد المفنيّ فيه يكون تعدّداً لمتعلّق اللحاظ، ورافعاً لمشكلة