المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

48

وإن كان المراد هو عنوان الصيانة فهو غرض واحد يترتّب على المسائل المتشتّتة لعلم النحو، ويكشف مثلاً عن وجود جامع فيما بينها مؤثّر في تحقّق ذاك الغرض، ولكنّ هذا لا يدلّ على كون ذلك الجامع جامعاً ذاتيّاً يقع موضوعاً للعلم، بل قد يكون ذلك الجامع وصفاً عرضيّاً طرأ على كلّ مسائل العلم، وذلك من قبيل عقلائيّة مسائل علم النحو التي تجعل العارف بها مطبّقاً للقواعد الموجودة فيها على كلامه، لكي يطابق كلامه كلام العقلاء الآخرين الذين يتكلّمون بذاك اللسان.

الصياغة الثانية: أن يقال: إنّنا لا نقصد من صيانة اللسان عن الخطأ جعل الإنسان يتكلّم بالنحو الصحيح حتّى يقال: إنّ هذا لا يترتّب على واقع القواعد العربيّة، وإنّما يترتّب على العلم بها مثلاً، بل نقصد من ذلك: أنّ هذه القواعد تجعل بعض الكلمات والجمل صحيحة سواء تكلّم بها شخص أو لا، فمثلاً قاعدة ( كلّ فاعل مرفوع ) تجعل جملة ( ضرب زيدٌ ) صحيحة سواء تفوّهنا خارجاً بهذا القول بالنحو الصحيح أو لم نتفوّه به أصلاً، أو تفوّهنا بنصب الفاعل، وكذلك قاعدة ( إنّ المفعول منصوب ) تجعل جملة ( ضربت زيداً ) صحيحة سواء نصبنا نحن المفعول في كلامنا أو رفعناه، أو لم نتفوّه به أصلاً، وهكذا. والعلم بوجوده الواقعيّ علّة تامّة لهذا الغرض بهذا المعنى، في حين أنّه لم يكن علّة تامّة له بالمعنى الأوّل. والصيانة بهذا المعنى ترجع إلى نسبة التطابق بين جُمَل من الكلام والقواعد العربيّة، وهي في الحقيقة عبارة عن نسب عديدة باعتبار تعدّد طرفيها من الجُمَل والقواعد.

وحينئذ نقول: لا معنى لافتراض جعل وجود جامع بين هذه النِسب دليلاً على وحدة موضوع العلم على أساس: أنّ الواحد لا يصدر إلاّ من واحد؛ لأنّ هذه النِسب إنّما هي اُمور انتزاعيّة تنتزع من الطرفين لا مسبّبات حقيقيّة للعلم، وهي في وجود الجامع وعدمه تتبع طرفيها ثبوتاً وإثباتاً، فلو فرضنا بقطع النظر عن هذه الانتزاعات