المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

53

وقد ذكر الرئيس ابن سينا في برهان منطق الشفاء: أنّ العلم تارةً يكون له موضوع واحد كعلم الحساب حيث إنّ موضوعه هو العدد، واُخرى له موضوعات متعدّدة لكن يجمعها جنس واحد كالخطّ والسطح والجسم حيث يجمعها المقدار، وقد لا يجمعها جنس واحد لكن تجمعها مناسبة واحدة، وذلك كما إذا أضفنا إلى الخطّ والسطح والجسم النقطة، فإنّ النقطة لا تدخل في جنس الخطّ والسطح والجسم لكن تجمعها معها مناسبة واحدة، حيث إنّ نسبة النقطة إلى الخطّ كنسبة الخطّ إلى السطح، ونسبة الخطّ إلى السطح كنسبة السطح إلى الجسم، وقد لا تجمعها مناسبة واحدة أيضاً، ويكون الجامع بين مسائل العلم هو الغرض، وذلك من قبيل علم الطبّ، فإنّ له موضوعات مختلفة من المزاج والأفعال والقوى والأركان لكن الغرض واحد، وهو الصحّة، حيث إنّ الطبّ يتكلّم عن أسباب الصحّة.

والخلاصة: أنّ من يطالع كلمات الفلاسفة الذين جعلوا للعلم موضوعاً واحداً يرى أنّ مقصودهم لم يكن هذا المعنى الذي أخذه منهم الاُصوليّون، ثُمّ وقعوا في بحث ونقاش، وفي إشكالات وحيص وبيص، وإنّما قصدوا معنىً لا غبار على صحّته، وهو: أنّ كلّ علم لابدّ له من نقطة محوريّة تدور مسائل العلم حولها. وقد نتج خفاء وجود موضوع واحد لكلّ علم من مجموع أمرين:

أحدهما: تخيّل أنّ المقصود هو فرض جامع بين موضوعات المسائل المرتّبة حسب الترتيب الذي تطلّبته المناسبات اللغويّة أو غيرها.

والثاني: تخيّل أنّ البحث عن أسباب الشيء ليس بحثاً عن العوارض الذاتيّة، في حين أنّنا نرى أنّ الموضوع في الفلسفة العالية هو الوجود الذي هو جامع بين المحمولات، ونرى أنّه قد بحث في الفلسفة العالية عن المبادئ القصوى للوجود. وقد ذكر الشيخ الرئيس في كتاب الشفاء: « أنّ أهمّ مباحث الفلسفة العالية هو