المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

83

وهذا التعهّد معقول في نفسه؛ لأنّه تعهّد بأمر اختياريّ له، وبإمكان كلّ إنسان أن يتعهّد بأمر داخل تحت اختياره. ونضمّ إلى هذا التعهّد أصالة وفاء العقلاء بتعهّداتهم، فتحصل الملازمة بين اللفظ والمعنى، بمعنى: أنّه متى ما قال: « أسد » مثلاً عرفنا بمقتضى تعهّده وأصالة الوفاء بالتعهّد أنّه أراد الحيوان المفترس، وقصد تفهيمه.

وهذا المبنى يستخلص منه:

أوّلاً: أنّ الملازمة قائمة بين طرفين: أحدهما اللفظ، والآخر قصد تفهيم المعنى؛ لأنّ هذين الأمرين هما طرفا التعهّد.

وثانياً: ـ وهو مترتّب على الأوّل ـ أنّ الدلالة التي نشأت ببركة هذا التعهّد ليست مجرّد دلالة تصوّريّة، بل دلالة تصديقيّة؛ فإنّ الدلالة التصوّريّة هي انتقاش المعنى من اللفظ في الذهن ولو صدر عن حجر، والدلالة التصديقيّة هي دلالة اللفظ على قصد تفهيم المعنى وإخطاره، وطرف الملازمة كان هو الثاني. إذن، فالوضع يتكفّل بالدلالة التصديقيّة، وطبعاً يوجد في ضمنها الدلالة التصوّريّة.

وثالثاً: أنّ كلّ من كان من أهل اللغة فهو واضع، وليس الواضع عبارة عن شخص واحد؛ إذ الوضع عبارة عن التعهّد، والتعهّد لا يتعلّق إلاّ بما يكون تحت اختيار المتعهّد وهو استعماله، لا استعمال الأجيال المتأخّرة إلى يوم القيامة، فالتعهّد يجب أن يكون من قبل كلّ أصحاب اللغة، فكلّهم واضعون لكن أحدهم واضع أصليّ(1) والآخرون واضعون بالتبع والمشايعة.


(1) وإن شئت فاجعل الوضع اسماً لخصوص التعهّد الأصليّ، فيكون الواضع إنساناً واحداً. وهذا مجرّد نقاش لفظيّ وبحث في التسمية، ولبّ المقصود واحد.