المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

88

أنّه يحصل عند الطفل فهم جملة من الكلمات كالاُمّ والحليب مثلاً قبل تحقّق أيّ قدرة له على الاستدلال والاستنتاج، ولا يمرّ على ذهن الطفل ( بل ولا على ذهن الكبير ) حين فهم المعنى من اللفظ أنّه بما أنّ اُمّي تعهّدت مثلاً بأن لا تقول كلمة الحليب إلاّ حين تريد معناها، وأنّها تفي بعهدها، إذن فكلمة الحليب تدلّ على معناها. ولا ندري كيف يستكشف الطفل تعهّد الاُمّ بإرادة معنى الحليب مثلاً لدى ذكر كلمة الحليب؟! وقد قالوا: إنّ فهم المعنى من اللفظ متوقّف على العلم بالوضع، ومن الواضح: أنّ الطفل في بداية عمره إذا سمع اللفظ مستعملاً في معنىً معيّن مراراً عديدة انتقل ذهنه بعد ذلك من اللفظ إلى المعنى، فهل يقال: إنّه استكشف التعهّد من قبل المتكلّم بإرادة معنى الحليب عند التكلّم بلفظ الحليب مثلاً، واستنتج من هذا التعهّد وجود الملازمة بين الشرط والجزاء، فأخذ يستدلّ بوجود أحدهما على الآخر؟! طبعاً لا. فبهذا يتّضح: أنّ الانتقال له نكتة محفوظة بقطع النظر عن العلم بالتعهّد والملازمة. أمّا ما هي هذه النكتة؟ فسيأتي بيانها في آخر المسألة إن شاء الله.

الكلمة الثالثة: أنّ هناك إشكالاً مشهوراً اُورد على مذهب التعهّد، وهو إشكال الدور(1)، حيث يقال: إنّ التعهّد بإتيان اللفظ عند قصد المعنى معناه: إرادة الإتيان باللفظ عند قصد المعنى، وعندئذ نقول: إنّ إرادة الإتيان باللفظ هل هي إرادة مقدّميّة تنشأ من إرادة المعنى، أو إرادة نفسيّة غير مترشّحة من إرادة المعنى؟

فإن قيل: إنّها إرادة مقدّميّة تنشأ من إرادة المعنى لزم الدور؛ لأنّ ترشّح إرادة اللفظ من إرادة المعنى فرع كون اللفظ دالاًّ على المعنى، ودلالة اللفظ على المعنى


(1) راجع المحاضرات للشيخ الفيّاض، المجلّد الأوّل، ص 45 ـ 46.