المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

97

من سنخ وجود الجواهر والأعراض. ومن جملة هذه السببيّات سببيّة سماع اللفظ لخطور المعنى في الذهن، فهذه السببيّة أمر واقعيّ لا موجود خارجيّ ولا شيء اعتباريّ. وعمليّة الوضع عبارة عن جعل هذه السببيّة الواقعيّة، وإيجادها للّفظ حقيقةً(1).

وأورد على ذلك السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ بأنّه هل يفرض أنّ الواضع جعل السببيّة في حقّ خصوص العالم بالوضع، أو يفرض أنّه جعلها مطلقاً من دون فرق بين العالم والجاهل؟ فإن فرض الثاني لزم ثبوت الدلالة حتّى عند الجاهل بالوضع، بينما ليس الأمر هكذا. وإن فرض الأوّل لزم أخذ العلم بالوضع في موضوع الوضع، أي: أنّ اللفظ ليس سبباً لتصوّر المعنى إلاّ في حقّ العالم بالسببيّة، وهذا تهافت ودور، حيث إنّ السببيّة توقّفت على العلم بها توقّف الشيء على موضوعه، بينما العلم بها متوقّف عليها توقف العلم على معلومه(2).

أقول: لو كنّا نحن وهذا الإشكال لأمكن لصاحب هذا المسلك أن يصبّ مسلكه بصياغة لا يرد عليها هذا الإشكال، وذلك بأن يقال: إنّ سبب الانتقال إلى المعنى مركّب من جزءين: أحدهما: اللفظ والآخر: العلم بالوضع، والواضع جعل اللفظ جزء السبب لا تمام السبب، وقد جعله جزء السبب مطلقاً من دون فرق بين الجاهل بالوضع والعالم به، إلاّ أنّ الجاهل بالوضع لا تثبت عنده الدلالة؛ لعدم انضمام الجزء الآخر من السبب وهو العلم بالوضع إلى الجزء الأوّل وهو اللفظ، فالسببيّة التامّة موقوفة على العلم بالوضع، والعلم بالوضع موقوف على السببيّة


(1) ربّما يكون هذا التفسير للوضع مأخوذاً من نهاية الأفكار، ج 1، ص 26، أو المقالات، ج 1، ص 62 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ.

(2) راجع المحاضرات للشيخ الفيّاض، ج 1، ص 39.