المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

104

وهذا الكلام مضافاً إلى خطأ مبناه يؤدّي إلى نتيجة غريبة، وتوضيح ذلك: أنّ صيغة الأمر حينما يقصد بها مثل التعجيز والاستهزاء كما لو قال: «طِر إلى السماء» بقصد إظهار عجزه، أو قال للفقير: «اشتر قصراً» بقصد الاستهزاء به، فمن الواضح: أنّ هذا التعجيز أو الاستهزاء لا يكون مرتبطاً بالمادّة ابتداءً، فإنّ إظهار العجز لا يكون بنفس الطيران، ولو طار لما كان عاجزاً، والاستهزاء لا يكون بنفس شراء القصر، ولو اشتراه لما استُهزئ به، فلالتصاق الهيئة بالمادّة دخل في فهم التعجيز أو الاستهزاء.

وعليه نقول: إنّ تفسير نكتة فهم مثل التعجيز أو الاستهزاء واضح بناءً على المبنى المتعارف بين الأصحاب؛ لأنّ الصيغة تدلّ عندهم حتّى في مثل مورد التعجيز والاستهزاء على الأمر والطلب؛ لأنّ المدلول التصوّريّ المستعمل فيه اللفظ في الجميع واحد، وحينئذ يكون الأمر بالطيران نكتة لإظهار عجزه؛ إذ لا يستطيع أن يمتثل، والأمر بشراء القصر نكتة للاستهزاء به. وأمّا على مبنى السيّد الاُستاذ فنكتة الدلالة على التعجيز أو الاستهزاء غير واضحة، ولا يبقى أيّ ارتباط بين مفاد الصيغة والمادّة، إلّا أن يفترض كون دلالتها على التعجيز أو الاستهزاء بمجرّد التعبّد الصرف، وهذا غريب.

الأمر الثاني: أنّ الدواعي المتعدّدة: من داعي الإرادة، أو التعجيز، أو التسخير، أو الاستهزاء وغير ذلك وإن كان كلّها منسجماً مع استعمال صيغة الأمر في معناها الحقيقيّ؛ إذ هذه كلّها خارجة عن المستعمل فيه، وهي تستعمل في كلّ هذه الفروض في النسبة الإرساليّة، فالمعنى الحقيقيّ للأمر منسجم مع كلّ واحد من هذه الدواعي، ولكن هذا لا ينافي ظهور صيغة الأمر لولا القرينة في أنّ ما في نفس المتكلّم هو الإرادة حقيقةً، ولا إشكال في هذا الظهور، ولكن يقع الكلام في تفسير هذا الظهور، وكيفيّة تكوّنه بالرغم من أنّ كلّ الدواعي تنسجم مع المدلول اللفظيّ.