المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

198

بحمل الأمر على طبيعيّ الأمر، فنبقى نحن وباقي البراهين، وهي تنتج استحالة مقيّدة:

أمّا البرهان الأوّل، فكان حاصله: أنّه يلزم أخذ نفس الأمر ـ على حدّ تعبير المحقّق النائينيّ (رحمه الله) ـ أو أخذ وصوله ـ على حدّ تعبيرنا ـ في موضوع الأمر، وإنّما كان يلزم ذلك لئلاّ يلزم التكليف بغير المقدور، فكان يقال مثلا: إنّ الأمر من قبيل القبلة، فكما أنّ القبلة أمر غير اختياريّ لابدّ من فرضه مفروض الوجود في الموضوع كذلك الأمر، فببرهان استحالة التكليف بغير المقدور لابدّ من تقييد الأمر، ومن الواضح: أنّ هذا إنّما يأتي في حقّ مولىً التفت إلى هذه النكتة كالشارع الذي لا تخفى عليه خافية، أو كالاُصوليّ الدقيق الملتفت إلى هذه النكات، وأمّا إذا كان المولى من قبيل العلماء الذين لم يلتفتوا إلى ذلك فضلاً عن الإنسان العرفيّ العاديّ، فلا يستحيل صدور الأمر منه بالعمل القربيّ بقيد القربة من دون أخذ الأمر أو وصوله في موضوع الحكم؛ إذ لا يدري أنّ هذا تكليف بغير المقدور.

وأمّا البرهان الثالث والرابع، فأيضاً حالهما حال البرهان الأوّل؛ إذ قد وضّحنا فيهما: أنّ الأمر المتعلّق بقصد القربة يستحيل محرّكيّته، فكلّ مولىً التفت إلى ذلك استحال منه جعل هذا الأمر، أمّا من خُيّل له بسذاجيّته العرفيّة أنّ الأمر الضمنيّ المتعلّق بقصد القربة حاله حال الأمر الضمنيّ المتعلّق بالركوع والسجود يكون محرّكاً، فيعقل صدور الأمر منه بداعي التحريك وإن كان العبد خارجاً لا يتحرّك إلّا من الأمر الضمنيّ الآخر، وهو الأمر بأصل الفعل دون الأمر بقصد الأمر.

إذن، فهذه التقريبات كلّها تنتج الاستحالة في حقّ الملتفت إلى هذه النكات، فصحّ أن نقول: إنّ أخذ قصد الأمر في متعلّق الأمر ثبوتاً معقول من الإنسان العرفيّ وإن كان غير معقول من الاُصوليّ الدقيق والشارع، وهذا يؤكّد أنّ المولى الدقيق وإن كان يعرف دقّةً أنّ الصحيح هو التجدّد لا التقييد، ولكن من حقّه إثباتاً أن يتكلّم بلسان التقييد؛ حيث إنّ المولى العرفيّ في مقام البيان يتابع العرف.