المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

22



بدعوى: أنّ الأمر يدلّ على الوجوب وضعاً، أو إطلاقاً، وأنّ الترخيص يكون بالقرينة، فإنّنا يجب أن نعرف ما وراء هذا الإثبات من وجوب واستحباب والفرق بينهما؛ حتّى نبني في مرحلة الإثبات تارةً على الوجوب، واُخرى على الاستحباب.

وقد يفرّق بينهما بناءً على الإيمان في باب الأحكام بمرحلة بين مرحلة البيان والإثبات ومرحلة المبادئ من الحبّ والبغض، اسمها مرحلة الجعل والاعتبار، بأنّ المجعول والمعتبر في فرض الوجوب يختلف عنه في فرض الاستحباب بدخول عنصر الإلزام في الأوّل دون الثاني.

إلّا أنّ هذا المقدار من الفرق لا يُروي الغليل؛ فإنّ روح الحكم عبارة عمّا وراء هذا الجعل والاعتبار، أو المجعول والمعتبر، فينتقل السؤال إلى أنّه: ما هو الفرق الكامن من وراء الجعل والاعتبار بين الوجوب والاستحباب والذي لولاه لما كان الفرق في صيغة المجعول أو المعتبر ذا جدوىً، وأيّ قيمة للاعتبار لو لم يكشف عن حقيقة مّا؟!

قد يقال: إنّ الفارق الحقيقيّ في روح الحكم الذي يجعله تارةً وجوبيّاً، واُخرى استحبابيّاً، هو ما مضى عن اُستاذنا (رحمه الله): من أنّ المولى يطيب نفساً بالترك أو لا. فإن كان يطيب نفساً بالترك، كان الأمر استحبابيّاً، وإلّا كان وجوبيّاً.

ولكن السؤال هنا يصعد درجة، فيكون السؤال عن أنّه: كيف يعقل أن يكون شيء مّا مطلوباً للمولى، ومع هذا يطيب نفساً بتركه؟! أفليس طيب النفس الكامل بالترك لا يكون إلّا لدى انتفاء الرغبة إلى الفعل تماماً؟!

وإذا قيل: إنّ طيب النفس بالترك أو اشمئزازها عن الترك أمر ذو درجات، فكلّما اشتدّت رغبة المولى في الفعل اشتدّ اشمئزازه من الترك، وكلّما خفّت الرغبة ضعف الاشمئزاز، وهذا ما قد نسمّيه بطيب النفس بالترك.