المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

25



وحبّ حرّيّة العبد لا يتكاسران في طرف الفعل؛ لأنّهما ليسا في مصبّ واحد، بل في مصبّين، فمهما اشتدّ حبّ المولى لحرّيّة العبد وعدم كونه ملزماً عقلاً بالفعل لا يوجب ذلك ضعف حبّ الفعل. نعم، حبّ الفعل بما أنّه ينتهي ـ لا محالة ـ إلى حبّ إلزام العبد بالفعل يقع التكاسر بينه وبين حبّ الحرّيّة، أو قل: بغض الإلزام في طرف كون العبد ملزماً عقلاً برسوم العبوديّة بالفعل، فقد يغلب حبُّ الفعل حبَّ المولى لحرّيّة عبده، ويكسره ويفنيه، وقد يكون ضعيفاً بالقياس إلى حبّه لحرّيّة عبده فلا يفنيه.

إذا عرفت ذلك، قلنا: إنّ ما يوجد ثبوتاً وراء جعل الإلزام واعتباره، أو وراء جعل الفعل على العهدة، أو ما شئت فعبّر عبارة عن حبّ المولى لكون العبد مقيّداً من ناحية رسوم العبوديّة بالفعل، سواء كان ذلك حبّاً لنفس التقيّد ابتداءً، أي: غير ناتج من حبّ المتعلّق وهو الفعل، وذلك كما في الأوامر الامتحانيّة، وكذلك في الأوامر التي كان الهدف منها مجرّد التعبّد، أو كان حبّاً ناتجاً من حبّ المتعلّق، وهو الفعل الذي طغى على حبّ الحرّيّة لو كان للمولى حبٌّ لحرّيّة عبده وعدم تقيّده.

ويحتمل أن يكون المقصود لاُستاذنا الشهيد (رحمه الله) من شدّة الملاك وضعفه شدّته وضعفه النسبيّان، أي: بالقياس إلى مصلحة حرّيّة العبد، أو حبّ المولى لعدم تقيّد عبده، أو عدم إحساسه بضغط المسؤوليّة، وكذلك يحتمل أن يكون مقصوده (رحمه الله) بطيب نفس المولى بالترك غلبة حبّه لحرّيّة العبد على حبّ الفعل الذي كان يوجب الإلزام.

ويحتمل أيضاً أن تكون النكتة الواقعيّة التي كان يتلمّسها الشيخ النائينيّ (رحمه الله) بذكائه الوقّاد هي ما شرحناه، أي: كان يرى: أنّ أمر المولى يوجد في ذاته الإلزام، إلّا أن يكون المولى نفسه راغباً في ترخّص العبد، ووقع الاشتباه في فرض هذه الخصوصيّة إثباتيّة بصدور الترخيص في حين أنّها ثبوتيّة.