المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

26



الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة العقليّة:

بقي شيء في المقام خارج عن حريم البحث الاُصوليّ، وهو: أنّ الوجوب والاستحباب، وكذلك الحرمة والكراهة كما يوجدان في حقل الشريعة كذلك يوجدان في حقل العقل العمليّ، أو الفضائل والرذائل العقليّة، فربّ شيء يكون حسناً عقلاً ولكن لا يجب في منظار العقل فعله، كالعفو الذي هو حسن عقلاً ولكنّه ليس واجباً، وإلّا لما كان القصاص حقّاً. والتفسير الذي حقّقناه للفصل بين الوجوب والاستحباب في حقل الشريعة لا يأتي في حقل الفضائل والرذائل العقليّتين؛ إذ لا يوجد هنا ـ ما دمنا مقتصرين في حقل العقل ـ مولىً آمر وراء أنفسنا يطلب منّا شيئاً، ولكن قد يرغب في نفس الوقت في مرخوصيّتنا وحرّيّتنا، فلابدّ لنا من تفسير آخر للفرق بين الوجوب والاستحباب في حقل الأحكام العقليّة بعد فرض البناء على مبنى واقعيّة الحسن والقبح العقليّين.

فهل نعود إلى التفسير باختلاف الدرجة ونقول: إنّ الحَسَن الشديد الحُسن هو الواجب، والقبيح الشديد القبح هو الحرام، وما بينهما متوسّطات، والوسط الحقيقيّ بينهما يكون مباحاً عقلاً، لايعدّ فضيلة ولا رذيلة، فكأنّ لدينا سُلّماً واحداً وقع في الدرج الأسفل النهائيّ منه أشدّ الرذائل المحرّمة، وفي الدرج الأعلى النهائيّ منه أشدّ الفضائل الواجبة، وبينهما متوسّطات يخفّ قبحها أو حُسنها بمقدار بُعدها عن أحد القطبين، ويكون الوسط الحقيقيّ في هذا السلّم هو رفّ المباحات؟!

إنّ هذا التفسير يشتمل على بعض المفارقات من قبيل:

1 ـ إنّنا لا نمتلك حدّاً مشخّصاً لفصل الواجبات عن المستحبّات. فيا تُرى هل يفترض