المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

267

الآية عن نفس المسارعة المستفادة منها، فإنّها ناظرة إلى غيرها، وإلّا لوقع المحذور حتّى لو كان الأمر استحبابيّاً؛ فإنّ المسارعة ـ على أيّ حال ـ تصبح خيراً لا يمكن تأجيله.

الوجه الرابع: أنّ هاتين الآيتين أجنبيّتان عمّا نحن فيه: أمّا آية الاستباق، فلأنّ الاستباق ليس معناه الفور والمسارعة حتّى تدلّ على وجوب الفور، وإنّما معناه: التسابق بين الأفراد من قبيل: (فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)(1)، فيأمر بالمسابقة بين الأفراد في الخير والصلاح كمّاً وكيفاً وحجماً، ومن جميع الجهات، ومن الواضح: أنّ الأمر بهذه المسابقة العامّة ليس إلّا مجرّد تشويق وترغيب للمؤمنين إلى تكثير الخيرات وتقليل الآثام، وليس إلزاماً شرعيّاً، وإلّا لما أمكن امتثاله لكلّ الأفراد، فمثلا ماذا نصنع لو صلّوا جميعاً في أوّل الوقت؟!

وأمّا آية المسارعة، فإن لم نستفد منها نفس ما استفدناه من الآية الاُولى من التشويق والترغيب، قلنا: إنّ غاية ما تدلّ عليه الآية هي وجوب المسارعة إلى حطّ الذنوب ومحوها، ولا بأس بالالتزام بوجوب ذلك بأن يقال: المذنب تجب عليه التوبة فوراً مع الإمكان؛ حيث إنّ التوبة هي السبب المضمون الوصول إلى العفو بخلاف سائر الأسباب، فإن لم يمكنه التوبة وجعل النفس تتّصف بالندامة، وكان هناك شيء آخر ثبت بدليل أنّه يوجب المغفرة، وجب الإسراع إليه بدلا عن التوبة.

والخلاصة: أنّ غاية ما يستفاد من الآية الوجوب الفوريّ لتدارك الذنب السابق بالتوبة أو بدلها، ولا بأس بذلك، ولا يرتبط بما نحن فيه.



(1) السورة 83، المطفّفين، الآية: 26.