المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

27



أنّ الحسن البالغ مرتبة السبعين هو الواجب، وما نقص عنه ولو مرتبة واحدة هو المستحبّ مثلاً، أم ماذا؟

2 ـ إنّ لازم ذلك أن يصحّ القول بأنّ كلّ ما هو حسن فنقيضه قبيح؛ لأنّ الفعل ونقيضه ككفّتي الميزان، وبقدر ما يصعد أحدهما ينزل الآخر، فبقدر ما يقترب الحسن إلى ذروة السلّم يقترب نقيضه إلى أسفله، في حين أنّ هذا خلاف الوجدان، فإنّنا نرى بوجداننا أنّ العفو حَسن وفي مرتبة عالية من الحسن، ولكن القصاص ليس قبيحاً، وكيف يكون قبيحاً وهو حقّ؟! والحقّانيّة لا تجتمع مع القبح.

3 ـ إنّه لو وقع التزاحم بين قبيح في أقلّ مراتب الحرمة وحَسَن غير بالغ مرتبة الوجوب، لزم أن يجوز ارتكاب ذاك القبيح، وتنتفي حرمته؛ وذلك لأنّه سيتنزّل عن قبحه ولو جزئيّاً بالمزاحمة مع الحَسَن، وبهذا التنزّل يخرج عن حريم الحرمة؛ لأنّنا كنّا قد فرضناه في المراتب الدنيا من الحرمة، مثال ذلك ما لو كان كشف سرّ مختصر عن أمر له ألف طرف يؤدّي إلى الإضرار بواحد منهم إضراراً خفيفاً، وفي نفس الوقت يؤدّي إلى نفع تسعماءة وتسعة وتسعين نسمة نفعاً كبيراً، فكانوا راضين بكشف السرّ، ولم يكن تحقيق هذا النفع واجباً علينا، فيا تُرى هل يصبح كشف السرّ هذا جائزاً عقلاً، ولا نكون مُلزَمين أمام ذاك الواحد لأجل أنّه استلزم نفع كثير من الناس ممّا لم يكن واجباً؟ كلاّ، إنّ ضميرنا لا يدلّ على ذلك، ولو كان ضرب يتيم ضربةً مختصرة لا يبكي عليها إلّا دقائق موجباً لنفع آخرين نفعاً هائلاً في غير ما يكون واصلاً حدّ الوجوب كإنجاء النفس من الهلكة مثلاً، فهل يجوز ظلم هذا اليتيم بأقلّ ظلم في سبيل إدخال نفع هائل في جيب آخرين والذي لولا استيجابه لظلم اليتيم، لكان من أفضل الأعمال غير الواجبة؟ كلاّ.

وعليه فلننتقل إلى تفسير ثان للوجوب والاستحباب، أو للحرمة والكراهة في باب