المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

359

الأوّل: أنّ الأشياء على ثلاثة أقسام:

1 ـ أشياء واقعيّة خارجاً كالماء والهواء ونحو ذلك، وهي الأشياء الموجودة خارجاً بغضّ النظر عن اعتبار أيّ معتبر، وليس للعقل أيّ تحكّم فيها إيجاداً أو إعداماً.

2 ـ أشياء اعتباريّة صرفة، ليس لها وجود إلّا بنفس الاعتبار، ودور العقل بالنسبة إليه دور المتحكّم فيه بما يشاء من إيجاد أو إعدام، من قبيل اعتبار العقل بحراً من زئبق، أو جبلاً من ذهب، فالعقل يرى دوره بالنسبة لهذه الأشياء دور الفاعل، لا دور المنفعل والقابل، فهذه هي الاعتبارات المحضة في مقابل الاُمور الواقعيّة الخارجيّة.

3 ـ ما يسمّيه الحكماء بالاعتباريات الواقعيّة، وهي أمر بين الأمرين، فمن ناحية ليست هي من الموجودات الحقيقيّة خارجاً، وإنّما العقل يعتبرها، ومن ناحية اُخرى ليس للعقل أن يتحكّم فيها كيف ما يشاء، بل يرى نفسه مرغماً على التصديق بأمر معيّن شاء أو أبى، وذلك من قبيل الإضافات، من قبيل قولنا: «إنّ المسيح(عليه السلام) قبل نبيّنا محمد(صلى الله عليه وآله)»، أو قولنا: «إنّ السماء فوقنا والأرض تحتنا»، فالقبليّة والبعديّة والفوقيّة والتحتيّة والاقتران ونحو ذلك ليست من الاُمور الخارجيّة الحقيقيّة، وإلّا لكان لها أيضاً قبليّة أو بعديّة أو تقارن ونحو ذلك إلى أن يتسلسل، وإنّما هي اُمور ينتزعها العقل عند المقارنة بين نبيّنا محمّد(صلى الله عليه وآله)والمسيح(عليه السلام)، أو بيننا وبين السماء ونحو ذلك، ولكن في نفس الوقت يرى العقل نفسه مرغماً على انتزاع هذه الاُمور عند مقارنته بين الأشياء، فالمسيح(عليه السلام) هو الذي يكون قبل محمد(صلى الله عليه وآله)دون العكس، شاء العقل أم أبى، فكأنّما العقل يرى دوره دور القابل والمنفعل بشيء ثابت خارج دوره، بينما القبليّة والبعديّة شيء ينتزعه العقل، وليس له وجود خارجاً؛ لما عرفت من برهان لزوم التسلسل.