المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

360

وهذا القسم هو الذي نحن سمّيناه في مبحث المعنى الحرفيّ بموجودات لوح الواقع في مقابل القسم الثاني الذي هو من موجودات لوح الاعتبار، والقسم الأوّل الذي هو من موجودات لوح الخارج، ولكنّنا هنا لا نريد أن ندخل في بيان ذلك الذي نحن نتبنّاه، فإنّ المقصود من ذكر هذا الحديث إنّما هو الاستطراق إلى بيان مرام صاحب الكفاية في مقام الجواب على إشكال الشرط المتأخّر للواجب.

الثاني: أنّ ملاكات الأحكام كما قد تكون هي المصالح والمفاسد كذلك قد تكون هي الحسن والقبح، وباب الحسن والقبح غير باب المصلحة والمفسدة، ولذا قد يحسن ما فيه أشدّ المفاسد، أو يقبح ما فيه أشدّ المصالح، فالتجرّي قبيح في حين أنّه قد يتجرّى بترك قتل من تخيّله واجب القتل وكان في الواقع نبيّاً من الأنبياء، والانقياد حسن في حين أنّه قد ينقاد بقتل من تخيّله واجب القتل وهو في الواقع نبيّ من الأنبياء، والمصالح والمفاسد اُمور واقعيّة خارجيّة من قبيل صحّة المزاج، وقوّة النفس، وشدّة الصبر، وكمال الإيمان ونحو ذلك، وأمّا الحسن والقبح فهو من القسم الثالث، أعني: الاعتباريّات الواقعيّة، فالعقل هو الذي ينتزع الحسن والقبح، ويعتبرهما، لكن لا من قبيل اعتبار بحر من زئبق الذي للعقل أن يتحكّم فيه كما يشاء، بل من قبيل القبليّة والبعديّة، فهو يرى التجرّي قبيحاً، والانقياد حسناً شاء أم أبى.

إذا عرفت ذلك قلنا: كأنّ صاحب الكفاية (رحمه الله) يقول ـ وإن كان في عبارته لفّ ودوران ـ: إنّه لو كان ملاك الصوم عبا رة عن المصلحة، استحكم الإشكال؛ لأنّ المصلحة أمر واقعيّ ومن القسم الأوّل، ويستحيل أن يستند إلى شيء من القسم الثالث فضلا عن القسم الثاني، فإذا كان الغسل شرطاً في المصلحة، فمعنى ذلك كون المصلحة مستندة إلى نفس الغسل الذي هو أيضاً من القسم الأوّل، وهذا معناه: تأثير المتأخّر في المتقدّم، وهو محال، ولكن بالإمكان افتراض كون ملاك الصوم حُسناً أدركه المولى، والحسن من اُمور القسم الثالث، فبالإمكان استناده