المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

371

وهنا يأتي إشكال وهو: أنّه لو كان القيد راجعاً إلى المراد للزم تحصيله، كما هو الحال في كلّ قيود الواجب، فإرادة الشيء سواء كانت تكوينيّة أو تشريعيّة تسري ـ لا محالة ـ إلى كلّ قيود ذلك المراد، فلابدّ للإنسان أن تسري إرادته التكوينيّة إلى تمريض نفسه لكي يشرب الدواء في حال المرض، ولابدّ أن تسري الإرادة التشريعيّة للكفّارة إلى الإفطار لكي يكفّر العبد.

فيجاب على هذا الإشكال بأنّ هذا القيد قد اُخذ على نحو لا يعقل الإلزام به من قبل تلك الإرادة، بخلاف سائر قيود الواجب؛ وذلك لأنّ القيد إنّما هو الوجود الاتّفاقي للمرض أو الاستطاعة، أي: الوجود غير المحرّك إليه من قبل نفس هذه الإرادة، وحينئذ تستحيل محرّكيّة هذه الإرادة نحوه؛ إذ بمجرّد تحريكها نحوه تخرج عن كونه مصداقاً للقيد الدخيل في الواجب.

وهذه النظريّة ـ كما ترى ـ خلاف الإلهام الفطريّ للإنسان في المسألة الحاكم بأنّ إرادة شرب الماء فعليّة، وإرادة شرب الدواء غير فعليّة، ومشروطة بنحو من الأنحاء الغامضة التي نريد أن نحلّلها في هذا البحث.

وبكلمة اُخرى: إنّ الإلهام الفطريّ يرى إجمالا رجوع القيد إلى الإرادة، فما هو السبب لصاحب هذه النظريّة في صرفه كلّ القيود من طرف الإرادة إلى المراد والمتعلّق؟!

الذي يتحصّل من كلماتهم الاستناد في ذلك إلى وجدان، وإلى برهان.

أمّا الوجدان، فيفترض أنّ هذا المطلب العجيب مطابق للوجدان، بتقريب: أنّ المولى إذا التفت إلى نفسه بالنسبة لشيء: فإمّا أن يريده، أو لا يريده، فإن لم يرده خرج عن محلّ البحث طبعاً؛ فإنّنا نتكلّم فيما يريده المولى؛ لنرى أنّ الإرادة مشروطة أو مطلقة، وأمّا ما لا يريده، فلا نتكلّم عنه، وإن أراده فقد افترضنا منذ البدء أنّ الإرادة وجدت، فمن الخلف كونها مشروطة، وإنّما هي متعلّقة تارةً بشيء