المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

375

تصبح الإرادة فعليّة لأنّ شرطها فعليّ؛ وذلك لأنّ الشرط ليس هو الوجود الخارجيّ للشيء، وإنّما هو الوجود الذهنيّ للشيء، فالمولى يريد أن يشرب عبده الماء إذا عطش، وهذا معناه: أنّ إرادة الشرب مشروطة بالعطش، لكن لا بالوجود الخارجيّ للعطش، بل بالوجود اللحاظيّ له، والوجود اللحاظيّ ثابت قبل العطش، ولذا تكون الإرادة فعليّة من أوّل الأمر، وإنّما لا تترشّح هذه الإرادة إلى القيد وهو العطش؛ لأنّ من النتائج التكوينيّة لإناطة الإرادة بلحاظ شيء كون فاعليّة تلك الإرادة منوطة بتحقّق ذلك الشيء خارجاً، فلا يجب إيجاد ذلك الشيء من قبل تلك الإرادة.

والبرهان على كون الشرط بوجوده اللحاظيّ دخيلا في الإرادة، لا بوجوده الخارجيّ: أنّ الإرادة من موجودات عالم النفس المجرّدة، فيستحيل أن يؤثّر فيه الوجود الخارجيّ، وإنّما الذي يؤثّر فيه هو الوجود اللحاظيّ الذي هو أيضاً من موجودات عالم النفس.

وكأنّه اُريد بهذه النظريّة أن يُشبع ضمناً الوجدان القائل بارتباط نفس الإرادة بالشرط بوجه من الوجوه، ففرض: أنّه مرتبط بوجوده اللحاظيّ.

أقول: إنّ البرهان الذي ذكر على هذه النظريّة غير صحيح؛ إذ كأنّما فرض فيه: أنّ الأمر دائر بين كون الشيء بوجوده الخارجيّ دخيلا في الإرادة، أو كونه بوجوده اللحاظيّ دخيلا، وحيث إنّ الأوّل محال، فتعيّن الثاني، في حين أنّ هناك شقّاً ثالثاً، وهو أن يكون الدخيل هو التصديق بوجوده الخارجيّ الذي هو أيضاً من موجودات عالم النفس، كاللحاظ والتصوّر(1).

وأصل هذه النظريّة خلاف الوجدان؛ لأنّ الوجدان قاض بأنّ مجرّد لحاظ



(1) لا يخفى أنّ مقصود المحقّق العراقيّ (رحمه الله) هو كون الدخيل هو التصديق بوجوده الخارجيّ.