المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

379

يحضر التصديق بوجوده لديه، وهذه الإرادة يستحيل أن تكون موجودة قبل ذلك؛ لما قلنا: من أنّ الشوق إلى شيء إنّما يحصل عند ملائمة قوّة من قواه إلى ذلك الشيء، والإحساس بالحاجة إليه.

الثانية: إرادة مطلقة وفعليّة قبل وجود الشرط، أو التصديق به، وهذه الإرادة غير متعلّقة بنفس ذلك الفعل كشرب الماء. وأظنّ أنّ إحساسهم الوجدانيّ إلى أنّ هناك شيئاً ما قبل وجود الشرط، وعدم التفاتهم إلى إرادة اُخرى غير إرادة شرب الماء جعلهم يتخيّلون أنّ تلك الإرادة فعليّة، بينما الإرادة الفعليّة إنّما تعلّقت بعدم تحقّق المجموع من شرط الوجوب وعدم الواجب، أي: العطش وعدم شرب الماء، فهذا الاجتماع مبغوض لديه بالفعل؛ لمنافرته لقواه، والمنافرة فعليّة، فينقدح في نفسه شوق فعليّ نحو أن لا يقع هذا المجموع المركّب، وهذه الإرادة الفعليّة غير إرادة شرب الماء، ولا تبعث نحو شرب الماء، وإنّما تبعث نحو أن لا يعطش عطشاً لا يشرب معه الماء، ولذا لو علم أنّه لو صعد على السطح عطش عطشاً لا يمكنه شرب الماء معه، كان ذلك داعياً له لعدم الصعود، في حين أنّ إرادة شرب الماء لا دور لها في عدم الصعود، فإنّها إنّما تبعث نحو الشرب عند العطش، فلولا هذه الإرادة الاُخرى التي بيّنّاها فما الذي يدعوه ويبعثه نحو عدم الصعود؟!

وبنظرة أكثر تحليليّة يمكن أن يقال: إنّ إرادة الشرب ـ في الحقيقة ـ تطوّر للإرادة المطلقة، وهي إرادة عدم المجموع، أو قل: إرادة الجامع بين الشرب وعدم العطش، فإنّ إرادة هذا الجامع يمكن إشباعها: إمّا بأن لا يحدث عطش، أو يحدث ويشرب الماء، فهي ذات اقتضاء تخييريّ أوّلا، وبعد أن تحقّق العطش اقتضت شرب الماء، فتحوّلت عن إرادة تخييريّة إلى إرادة تعيينيّة لا يمكن إشباعها إلّا بالماء؛ لفرض فعليّة العطش.

وبانكشاف الإرادتين بهذا الشكل ينحلّ الإشكال الذي جعله أصحاب النظريّة